فيما يلي نص البيان الذي كان من المفترض ان يلقيه سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في جلسة مجلس النواب اليوم وقد وصلنا من القسم الصحفي لمكتب سماحة الشيخ، ونظراً لأهمية ما فيه من مضامين آثرنا نشره في ركن رأي في الأحداث.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على حبيب الأنام سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
السيد رئيس مجلس النواب الموقر
السادة والسيدات أعضاء مجلس النواب المحترمون
اطلعتم كما اطلع العالم اجمع على المسيرة المليونية لجماهير شعبنا العراقي الصابر نحو قبر الإمام الحسين لتعرب عن عميق عشقها وتفانيها في أهداف وقيم الثورة الحسينية، وقد جاءت هذه المسيرة المليونية التي فاقت الملايين السبعة في أقل التقادير في ظروف خاصة من شانها أن تعطيها الكثير من التميز وتضفي عليها الكثير من المعاني والعبر التي يجب على مجلس النواب أن يقف منها موقفاً جدياً لو أراد فعلا أن يثبت تمثيله لهذا الشعب الكريم، فمثل هذا العدد حينما يخرج ليشكل سابقة تاريخية ليس في تاريخ العراق فحسب، بل في تاريخ العالم اجمع هو رصيد كبير لمجلس النواب بل هو الذي مثل واحدة من أهم ركائز وجودكم في هذا المكان واستمرار عملكم في وسط كل هذه التحديات التي توضع أمامكم من قبل أعداء العراق والعملية السياسية، ويؤسفني جداً أن هذه المسيرة التي تحدّت الإرهاب وأكدت على الوحدة الوطنية العراقية لم تتلق أية كلمة مساندة من قبل مجلس النواب.
من الواضح لكم أيها الأخوة والأخوات الكرام إن هذه الجموع المليونية خرجت دونما تعبئة بل بعفوية يعرفها من عشق أهداف الثورة الحسينية وقيمها، وهي حينما خرجت كانت تعلم إن الوحوش البشرية من جموع التكفيريين ونظرائهم تنتظرها، وكانت تعرف إنها ستمر في طريق العبوات الناسفة والمفخخات والمجرمين الذين لا يرعون لأحد ذمة ولا ذماراً، ولكنها مع ذلك لم تستسلم لهذا الابتزاز والإجرام، وحتى حينما تعرض لهم هؤلاء المجرمين في السيدية والجادرية واليرموك وحي الجامعة والدورة والعظيم والحلة واللطيفية وسقط منهم أكثر من 150 شهيداً والعشرات من الجرحى لم يبال أخوتهم وساروا على نفس الطريق وعلى نفس المنوال، كان العلم العراقي يرفرف فوقهم وساروا بأجسادهم العارية يتحدون هؤلاء المجرمين ولا يبالون بكل رسائل الرعب التي وجهت لهم، لم يتعرضوا لأحد في كل المناطق التي توجهوا إليها إلا بوسائل المحبة والسلام، وهم بذلك أرسلوا لجميع من يراقب المشهد من قريب ومن بعيد إن هذه الحشود المليونية تريد العراق سالماً ومستقراً حتى لو كان ذلك يعني أن تقتحم ميادين الموت لتحطم الإرهاب وتعجز أسلحته، وأن كل ما قيل من افتراءات على هذه الحشود من قبل فوسموا بالصفوية وأخرى بالقرامطة الجدد وثالثة ورابعة قد وضعوه تحت أقدامهم لأن العراق يبقى هو الأغلى وهو الأعز، ولأن رغبتهم بالتآخي هي الأسمى، وسعيهم لمشاركة كل مكونات الشعب العراقي بكل سراء وضراء هي الأصل الذي تربت عليه وسعت إليه، وقد استطاع هؤلاء الأبرار من ضرب المثل الأوضح على أن معركة الإرهاب التي تبغي إيقاعهم في فخ الطائفية والتناحر الطائفي سقطت أهدافها.
إننا في الوقت الذي نحيي هذه الحشود المليونية في وفائها لقيم الثورة الحسينية وتمسكها العملي بقيم هذه الثورة التي دعتهم لكي يكونوا أحرارا أمام الظالمين وأباة أمام الباغين نعرب عما يلي:
أولاً: في الوقت الذي أثمن فيه الجهود العالية والمخلصة التي بذلتها القوى الأمنية من أجل حماية الزائرين في طريق ذهابهم وعودتهم، رغم ما أحاط بهذه القوى من ظروف قاسية لم تتمكن فيها من تأمين كل الزائرين لظروف لا تخفى على أحد، وفي الوقت الذي نشكر فيه السلطات المحلية في المحافظات التي مر بها الزوار على كل الخدمات التي بذلت فإني أطالب دولة السيد رئيس الوزراء بتشكيل فريق عمل يختص بمثل هذه المناسبات لتلافي كل العوز الحاصل والمشاكل التي نجمت أثناء المسيرة، سواء في قضايا الأمن أو الخدمات أو النقل أو الطرق، لأن مسيرة اشترك فيها ما يقرب من ربع الشعب العراقي أجدر بالعناية والرعاية الجادة، ولأن هذا الأمر سيتكرر مع المناسبات المركزية، فزيارة الأربعين ليست هي الوحيدة التي تعرب فيها الجماهير عن عشقها للحسين ع.
ثانياً: على الحكومة أن تدرك جيداً إن هذه الحشود المليونية رغم أن واجهتها الإمام الحسين ع ولكنها وجهت رسالة رائعة في دعمها لمسيرة فرض القانون والحرب ضد الإرهاب، وحكومة تملك مثل هذا الدعم الجاد والواعي الذي لم تمتلكه أية حكومة حكمت العراق من قبل، لا بد من أن تحث الخطى وأن لا تتوانى من فرض رسالة فرض القانون والسير بها قدماً رغم ما قد يعتور هذه المسيرة من آلام ومن محن وما يمكن أن يحصل من تقصير.
ثالثاً: إن هذه الجموع المليونية قدمت رسالة مهمة لكل المناطق التي تعاني من الإرهاب، من خلال قدرتها على إسقاط أسلحته وإفشال وسائل رعبه، فالذين سقطوا شهداء في أنحاء هذه المسيرة لم يخلو طريقهم من أخوة لهم سرعان ما بادروا لحمل رسالتهم وبكثافة وإصرار أشد، ولم يجد الإرهاب إلا قدرة على قتل المئة والمئتين، ولكنها أقنعته بأنها لن ترضخ حتى لو قدمت المزيد من الشهداء فالمعركة معركتها، وهي لن تركع أمام الوسائل القذرة التي يتمسك بها الإرهابيون وبحجج مختلفة، وإنني في الوقت الذي احيي فيه الأرواح الطاهرة التي ارتفعت إلى بارئها وهي تشتكي من هؤلاء الظلمة والمجرمين، أقف متضامناً مع أبطال صحوة الأنبار ومع أحرار ديالى ومع القوى التي عرفت إجرام التكفيريين والصداميين بعد مدة خداع وأعرب بإن الحق لن يؤخذ إلا من خلال إدامة وقفة العز والتحرر من كل القيود التي يحاول هؤلاء أن يضعوها في أيادينا، فالعراق عراقنا لا عراق هؤلاء المجرمين ومن يحتضنهم، وعزّه وتآخيه وكرامته هي غنيمتنا الكبرى، وقد سبقنا الحسينيون في عدم رهبتهم من الإرهابيين على إخراس أسلحتهم، ولا نملك أمام قسوة الزمن غير التماسك والتلاحم من أجل إخراج العراق من هذه الفتنة التي يريد لها أعداءه أن تدمر البلد وتحطمه، بناء على أجندات مشبوهة تعمل عليها أطراف عدة في الخارج والداخل.
رابعاً: إن على قوى الإرهاب أن تعرف أن الشعب العراقي بكل مكوناته فيه من الإباء ما سيحطم الصخر الجلمود، وقد يستطيع الإرهابيون أن يقتلوا منا نفراً ولكنهم لن يستطيعوا تحطيم إرادتنا، ويوم أن أعربنا للنظام المجرم إننا لن نتراجع في عشقنا للحسين ع حتى لو قطعت منا أرجلاً وأيادي لم نعرب ذلك عن فراغ بل كنا نربي لدى الأجيال دوافع الإباء والكرامة، ويوم أن هتفنا: هيهات منا الذلة لم نكن مجرد عابثين بل كنا نعرف استحقاقات هذه الكلمات، وسنستمر على هذا الطريق ولن يردعنا رادع، حتى لو تكالبت الدنيا علينا، وسنسير سنة وشيعة عربا وأكرادا وتركمانا مسلمين ومسيحيين أخوة وطن واحد تحت علم واحد وضمن دولة واحدة لنحطم آخر القلاع، ونعلم إننا سنتألم، ولكن صدق الله العلي العظيم حين وصف حالنا وحال الآخرين : إن كنا نتألم على هذا الطريق فأعداؤنا يتألمون أيضا، ولكننا نرجو من الله العلي القدير ما لا يرجون، نرجو عراقا واحدا كريما حرا أبيا..
جلال الدين الصغير
https://telegram.me/buratha