واحدة من المآسي في التفكير والتحليل ان يعتمد الإنسان على مقدمات خاطئة ليحصد نتائج خاطئة، ولو كانت النتائج الخاطئة تخصه كفرد لكان الأمر هيناً ولكن أن يقدم هذه النتائج لمجموعة من الناس فإنه يتحول إلى مسبب لآلام كبيرة.
ما جرى خلال اليومين في الحديث عن قانون الاجتثاث وتبديله يمثل واحدة من المطبات التي اوقع فيها الاعلام المعادي والتيارات المناوئة للإئتلاف العراقي الموحد والحكومة جماهيرهما به، ومن بعد ذلك اشتغلت طاحونة الاقلام والتعليقات والهواجس والقلق لتطحن كل ما يقال لتنتج تشويهاً واضحا لمواقف هذه المجموعة التي اجتهد اعراب المنطقة وعملاءهم في الداخل واجتهدت مصالح دولية ورجالاتها في الداخل على ان تعرقل مسيرتها بأي شكل من الأشكال.
كنت اتمنى أن تنطلق حملة استفسارات عن الموقف قبل ان تنطلق حملة التشنيع، ولكن ما حصل هو العكس في ظرف يعرف الجميع حساسيته وشدة ودقة الموقف الناجم عنه.
وهنا أجد خطوطاً لا أشك بانها مقصودة من قبل أطراف محددة.
أن تقدم هيئة اجتثاث البعث نسخة السفير الأمريكي زلماي بعنوانها هي النسخة المطروحة من القانون وهي التي تعرف بان القوانين إنما تصاغ في مجلس النواب وليس في أي مكان أخر، بل وهي التي تعرف إن الحكومة والائتلاف رفضت هذه النسخة، بل وتعمد لتقديم دراسة لتبرز مخالفات القانون المزعوم للدستور... فماذا يعني ذلك؟
هل إن من يفعل ذلك يكون بريئاً في موقفه؟
أن يعمد الاعلام للتهريج بان الاجتثاث تم القضاء عليه وأن الائتلاف قد باع مبادئه، والاجتثاث لازال على حاله هذا، نعم تجري عملية إعادة النظر في آلياته وحدوده تقدماً وتاخراً، ولكن أن يوجه الإعلام بهذه الطريقة فإننا صراحة نعتقد إن ثمة أزمة مفتعلة تضاف إلى مجاميع من الأزمات التي تفتعل من أجل هدف أبعد منها وينصب على إيجاد أرضية شعبية ناقمة بدل ان تكون متفاعلة، فإذا ما أضيف إلى ذلك مجموع الظرف العام فلك ان تحصد النتيجة.
الحقيقة التي استقيتها من مصادر عدة هي كالتالي:
أولا: إن قانون الإجتثاث لم يعد بعد من قبل الحكومة ولا من قبل رئاسة الجمهورية بعد، وإنما ثمة أفكار يتم تداولها بين الكتل، وقد طرحت جبهة التوافق عبر طارق الهاشمي مشروعاً فتم رده من قبل الدكتور عادل عبد المهدي، وحاول زلماي ان ينشأ ورقة حملها أحد النواب وحاول ترويجها فلم تقبل، وكان هدف زلماي ان يأخذ في آخر يوم سفره موافقة لورقته حتى يدخلها في سجل دبلوماسيته ولكن لم يوفق في ذلك، وقد اعد الدكتور عادل عبد المهدي ورقة تحت اسم المساءلة والمصالحة تم التوافق في هيئة الرئاسة على غالبيتها، وهي منسجمة مع الدستور من جهة ومع وجهة نظر الائتلاف العامة إلى حد بعيد ولكنها لم تأخذ توقيع الائتلاف العراقي بعد.
ثانياً: إن هيئة الاجتثاث أعدت قانونا حاولت به رفع سقف الاجتثاث ليكون محصوراً فقط في اعضاء الفروع فما فوق، وبالتالي ليكون عدد من يدور حولهم الاجتثاث 1200 شخصاً فقط فيما يجب على الدولة ان تدفع رواتب وتقاعد ومستحقات لأعضاء الشعب فضلا عن اعضاء الفرق، وقد تم رفض هذا القانون من قبل الائتلاف بشكل سريع، وكذلك من قبل لجنة الاجتثاث في مجلس النواب.
ثالثاً: إن أي جهة في العراق لا تملك حق التشريع إلا مجلس النواب، ومجلس النواب فيه من فيه ما يمكن لنا ان نسمع منهم أصالة في الموقف وجدية في الحفاظ على القيم والمبادئ التي تتعلق بالموقف من البعثيين، ولا يحتاجون في كل مرة لكي يقدموا دليلاً على جديتهم فلقد خبرناهم بما فيه الكفاية، ورغم إن الكتل البرلمانية فيها أعداد كبيرة ولكن من يحسمون مواقفها هم ثلة من هذه الكتل، ونعرف أي مجموعة منتخبة لهذا الغرض.
رابعاً: إن ما صدر عن الحكومة هو ديباجة لقانون، وما قرأه الناس هو ديباجة لقانون يجري إعداده الان، وليس القانون نفسه، وتوقيت الاعلان عن ذلك أن يقترن بانعقاد القمة العربية من الواضح أنه يهدف لاطلاق رسالة سياسية واضحة المعالم وهدفها تحصين الموقف الدستوري العراقي ومنع المماحكات التي يمكن ان تدخل بها بعض الوفود العربية، ولأن العراق ليس بحاجة إلى توتير الأوضاع مع أي طرف يمكن لهذا الاعلان ان يقطع دابر من سيحاول بتأثير من البعثيين أو غيرهم التأثير على مهمة الرئيس الطالباني في القمة العربية.
هذه خلاصة من موقف يبدو لنا من خلاله أن ما يقدم لنا من تسريبات يجب ان لا يسقطنا في الفخ، فدائماً وراء الأكمة السياسية ما يجب الحذر منه.
محسن الجابري
وكالة انباء براثا (واب)
https://telegram.me/buratha