يمكن القول بأن نتائج الانتخابات المحلية باتت معالمها واضحة، وبدا من الواضح أن جميع المحافظات ستشملها صورة جديدة تختلف بالمرة عما كانت عليه سابقاً، وأن صورة التحالفات المستقبلية هي الاخرى ستشهد تطورات جدية,
فبالرغم من أن المشاركة في الانتخابات هذه المرة هي الأقل من أي انتخابات جرت فيما مضى وقد يوصلها بعض المراقبين الجديين إلى ما يقرب من النصف بمعية أرقام التصويت الخاص تزيد أو تقل قليلا، فيما خلا بغداد التي شهددت انخفاضاً فاحشاً في نسبة المشاركة، وبالرغم من ضياع أكثر من 750 ألف اسم من سجل الناخبين في التصويتين العام والخاص، وهو أمر يؤشر ولاشك بمؤشرات سلبية على أداء جهات نافذة في المفوضية خاصة وان الأسماء تناثرت في مراكز لا علاقة لها بأصحاب الأسماء ولا يمكن أن يعزى هذا الخطأ إلى خطأ فني، وتتأكد المخاوف اكثر حينما نجد أن أغلب هؤلاء ممن كانت لديهم سجلات انتخابية سابقة، ويزداد الأمر خطورة حينما نجد أفراد العائلة الواحدة موزعة بشكل متناثر على عدة مراكز، وهو ما يجب ان يتوقف عنده المراقبون في شان استقلالية المفوضية بشكل جدي خاصة وان هذا الأمر يحصل للمرة الثانية وفي كليهما يكون الأمر لصالح كتلة محددة دون سواها.
وبالرغم مما سببه الحظر الأمني من الحيلولة من وصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع وهو الآخر مما يجب أن يتوقف عنده المراقبون لأنك تفهم أن يكون الحظر عند المراكز الانتخابية ولكن أن يكون الحظر شاملاً في مدينة غالبيتها تستأجر بيوتها مما يعني انها تصوت في أماكن بعيدة عن سكناها الحالية فإنه لا يمكن ان يفسر بطريقة حفظ الأمن، والمؤسف أن الجهات الأمنية كانت تعطي كارتات التحرك والتجوال الأمني بطريقة غير حيادية تم تفضيل الحزب الحاكم فيها بشكل واضح للعيان.
إلا أن كل ذلك لم يؤثر على حصول تطورات جذرية في المشهد السياسي لمجالس المحافظات، إذ بات من المتيقن أن هيمنة الحزب الواحد على هذه المجالس انتهت، فبعد هيمنة الحزب الحاكم في بغداد والبصرة وكربلاء والنجف والديوانية والناصرية، وقوته في بقية المحافظات، وبالرغم من انضمام الكثير من القوى السياسية إليه أكثر من السابق إلا أن الأرقام الأولية تشير إلى تراجع كبير في كل هذه المحافظات، جعلت حسن السنيد القيادي في دولة القانون يصرح بشكل يعلن فيه الإقرار المبكر بالتراجع بأن انتخابات مجالس المحافظات لا أهمية لها بقدر الانتخابات البرلمانية .
ومن المسلّم أن الرابح الأكبر ولعله الوحيد في هذه الانتخابات كان هو ائتلاف المواطن، إذ أن الأرقام الأولية لدى كل الأطراف تظهر تقدماً كبيراً له في كل المحافظات قياساً إلى نتائجه في الانتخابات المحلية السابقة، وما يلحظ هنا هو أنه الائتلاف الوحيد الذي لم يستخدم الدولة وإمكاناتها واغراءاتها وتهديداتها ووعيدها، لوضوح أنه لا يمتلك في هذه الحكومة شيئاً وحظوظه في الحكومات المحلية كانت متدنية جداً او لا وجود لها بالمرة في قبال امتلاك دولة القانون وائتلاف الأحرار والعراقية ومتحدون والعراقية العربية قدرات تنفيذية واسعة وقد استغلها الجميع وبصورة فاحشة في كل حملاتهم الانتخابية، ويتاكد هذا الأمر أن ائتلاف المواطن فقد شريكاً أساسياً هو منظمة بدر التي كانت مع تيار شهيد المحراب في الانتخابات السابقة وانضمت إلى ائتلاف القانون في الانتخابات الحالية
ولم يشهد ائتلاف دولة القانون تراجعاً كبيراً لوحده رغم انضمام الكثير من التيارات إليه كالاصلاح والفضيلة وبدر وعصائب اهل الحق وكتائب حزب الله والأكراد الفيلية، بل تشير المؤشرات الأولية إلى تراجع حاد أيضا في وضعية تيار الأحرار في الكثير من المناطق.
والصورة اللاحقة التي يجب أن نرقبها وهي الأخرى ستعرب عن تغيير جدي، تتعلق بطبيعة خريطة المناصب التنفيذية فمن سيشغل هذه المناصب سيحتاج إلى تحالفات كبيرة واعتقد ان دولة القانون حظوظها هي الأقل لفقدانها ثقة الجميع مما سيدفعها لمناورة التنازل من مكان لصالح فوزها في مكان آخر وهكذا، وهذا ما سيؤثر بطبيعة الحال على تماسكها الداخلي فكثرة الاطراف تؤدي إلى كثرة التفكير بالمناصب وهي ما اجتمعت إلا لذلك مما يعني ان عملية التوزيع إما أنها ستفككها او ستضعفها بشكل كبير مما سيؤثر بشكل جاد على خريطة تحالفات الانتخابات اللاحقة، ناهيك عن أن ائتلاف المواطن هو الاكثر قدرة على كسب الحلفاء لطبيعة سياسته القائمة على احترام الآخر واحتواء المشاكل واستيعابها وليس استفزازه واستبعاده، ولذلك فإن المتوقع أن نشهد تحسناً في قدرة ائتلاف المواطن على حصد المواقع التنفيذية.
إن القدر المتيقن أن أصوات المواطن ارتفعت بشكل أكبر بكثير من الانتخابات الماضية مما يتوقع له كتلة كبيرة قادمة في البرلمان إن أحسن المجلس الأعلى سياسته في التطوير والاستفادة من أخطاء الانتخابات الحالية فضلاً عن السابقة وقد اثبتت قيادته قدرة كبيرة على التقويم السليم لأوضاعها دونما تكبر ودونما مبالغة.. شريطة أن يشرع من الآن حملته الانتخابية لبرلمان عام 2014.
ونعتقد ان وعي المواطنين لا زال يحتاج إلى جهد كبيرة لكي ينهض بمسؤولية انقاذ نفسه من براثن الفساد والتخلف، ولا زال المواطن يحتاج إلى مخاطب مباشر لأنه لا يجيد فهم الخطاب غير المباشر، وهذه مسؤولية جميع المخلصين.
هذه قراءة مبكرة للنتائج المترتبة على انتخابات اليوم نأمل ان نرى من بعدها واقعاً يسير نحو الأفضل وإن كنا أصبحنا أكثر قدرة على القول بان اسطورة القائد الضرورة الذي لا يريد أن ينطيها قد تمزقت وبات عليه أن يعود ليفكر بالأسلوب المعتاد له في وقت الأزمات التي تحيط به فيجد أنه بحاجة إلى أصدقاء وحلفاء، والأصدقاء دوماً يتواجدون ولكن لا تسلم جرة الغدر وعدم الوفاء دوماً...
وإلى الأيام المقبلة ننظر بشوق إلى الأيام التي يتخلص العراق من سياسيي بعد ما ننطيهه، وبنفس شوقنا إلى أن لا نجد مسؤولاً تهتف به المواطنين وتعيّره بالكذب، وبنفس شوقنا ولهفتنا لعراق يتعامل معه المسؤول بمنطق الرحمة لا بمنطق الاستئثار وبمنطق الحنان لا بمنطق الاستحواذ، وبمنطق الخطية لهذا الشعب لا بمنطق خطيئة الشعب والانتقام منه.
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha