تحتدم معارك التحالفات في كل المحافظات من أجل تعيين المناصب التنفيذية ولترتيب خريطة مجلس المحافظة بعد ان انتهت الكتل من معرفة أسماء من فاز منها ومن بات قريباً من الفوز ولم تحالفه حظوظ العملية الانتخابية وهي حظوظ لا علاقة لها بالأصوات الإنتخابية فقط، وقد أبرزت بعض هذه المعارك ما كان مخفياً على الأنظار، ففيما كانت الأنظار تنشد في البداية إلى الكتل السياسية والمتسلطين في الدولة للتلاعب بآراء المواطنين، بات مشخصاً ان هناك عوامل تقف في الكثير من الأحيان خلف الستار قد تكون هي الصانعة لقرار بعض الكتل السياسية أو مؤثرة فيها بشكل جدي.
وهذه العوامل يمكن تلمسها كلما كانت معركة تشخيص المحافظ محتدمة اكثر ولا يمكن حسمها بالنسبة للبعض من خلال مقدار ما لديه من أصوات في تحالفاته السياسية، إذ أن من المسلم به أن المحافظين تأتي بهم التحالفاات السياسية ولا تأتي بهم الأصوات الشعبية، فقد يحصل إنساناً على أصوات عالية من الناس، ولكن لا رصيد له في التحالفات، مما يسقطه كمنافس في من سباق تسنم منصب المحافظ كما هو واضح في مثال السيد الحبوبي في كربلاء فقد فاز بأعلى أصوات المحافظة ولكن لأنه لم ينظم تحالفاته ولم يعرف لغة التحالفات فقد تم اختزال أصواته بمقعد واحد فقط، وقد لا يدخل إنساناً آخر في الانتخابات أو يدخل ولا يحصل إلا على أصوات قليلة أو أن حظوظ انصاره لا تؤهله إلى ذلك ولكنه يفوز بالمنصب نتيجة خلل بتحالفات الآخرين كما جرى في مثال محمد مصبح الوائلي الذي فاز بالمنصب في البصرة نتيجة للخلاف المعروف الذي جرى بين أحد قيادات بدر وبين آخر حول من يتقدم، فخسر الإثنان وفاز الوائلي رغم أن أصوات حزب الفضيلة يومذاك لم تك قادرة لتساعده في نيل جزء من هذا المنصب.
ببساطة التحالفات هي الميزان الأساسي في وضع النقاط النهائية على حروف المناصب في المحافظات، ولكن في المعارك الحالية ونتيجة لإتساع رقعة الفساد في العراق فقد برز دور القوى الرأسمالية بعنوانها صاحبة ثقل أساسي في صناعة هذا القرار أو التأثير به، وما أشار إليه سماحة الشيخ الصغير يوم أمس الأول في خطبة الجمعة التي بثت على الفرات مباشرة إنما يعبّر عن أن الأمور وصلت إلى الدرجة التي لم تعد قوى الفساد لتهاب من دخول هذه القوى بثقلها في صناعة قرار المحافظة، ولا يحتاج الإنسان إلى فذلكة كبيرة لكي يكتشف أن دخول هذه القوى بثقل كبير لا يكمن وراءه إلا اتفاقيات مسبقة مع الفائزين بأن يعوضوهم لاحقاً بشكل مجز على طبيعة صرفهم وكرمهم الحاتمي من أجل كسب الأصوات للمحافظ الجديد وهكذا بقية المناصب المهمة كلجنة الاستثمار ولجنة الخدمات في مجلس المحافظة.
إن ما طرحه سماحة الشيخ يفترض به أن يحرك أجهزة عدة باتجاه تقصّي الحقيقة، لأنه يعرب عن حجم جرأة وطبيعة التمادي في عدم احترام القوانين المرعية، ومن المتوقع أن تتدخل لجنة النزاهة البرلمانية ومفوضية النزاهة والأمن الاقتصادي والأمن الوطني وجهاز المخابرات لطي تؤدي دورها في مسألة خطيرة من هذا القبيل.
إن كشف هذه الامور يعود الفضل فيه إلى أهمية وجود الصوت المعارض، والصوت الذي يكشف ما خفي على الرأي العام، فالصوت المعارض ولأغراض متعددة يتجه بطبيعته لكي يكشف للناس الصورة غير المرئية التي لا تعكسها وسائل الاعلام التي اعتادت أن تسلط الضوء على من يجلس على الكرسي ولا تهتم بكيفية جلوسه على هذا الكرسي حتى لو كانت عملية الجلوس هذه قد تمت بتمزيق القانون من أول حروفه إلى آخر ياء فيه، وحتى لو تمت بطريقة التعكّز على المال السياسي الفاسد.
إن ما طرحته وكالة أنباء براثا في خبرها الخاص من البصرة من تشخيص الأسماء المتورطة في محافظة البصرة هو نموذج نعتقد انه ليس يتيماً ويمكن اكتشاف نماذج له أخرى في المحافظات خصوصا التي استشرى الفساد فيها بشكل كبير كبغداد والنجف الأشرف وكربلاء وذي قار والديوانية، وربما ستكشف الأيام عن وجوه مخفية أخرى هي التي تتشكل منها الخطوط الحريرية الناعمة لمافيا الفساد التي تتشكل في العراق.
وقد يستغرب المرء عن أن وجوهاً كانت صغيرة كيف تأتى لها أن تطرح الملايين الكبيرة؟ ولكن من الواضح أن المافيا إنما تبتدأ مسيرة تشكلها من فرد لا يحترم القوانين الصغيرة ويتمتع بصلف كاف للتجاوز على الأخلاق العامة فيصنع مهابة إزدراء وتخوف منه، فيطمع ليتحول إلى القوانين الأكبر ثم يبتدئ بشراء رجالات القانون أو رجالات التأثير على القانون صغاراً ثم كباراً، وليس من باب الصدفة أن نجد من كنت اعرفه قبل السقوط مجرد رجل متلهف لكل فلس وإن جمعه فيجمعه بصعوبة وإذا بي أفاجئ قبل فترة أنه قد اشترى قصرا في مدينة كان السويسرية ـ الفرنسية بمبلغ 40 مليون دولار، ولأنه حريص على صداقته قام بإهداء هذا القصر إلى أحد المسؤولين قائلاً له بعيون باكية اشتريته ففكرت بأنك قد تتقاعد، فعزّ علي ذلك وقلت لا بد من أن اهديه لكم لكي تقضوا فيه فترة التقاعد متنسكاً مترهباً في مدينة كان الفرنسية ولربما كي يكون على مقربة من مهرجانها الفني، ومن يدريك لعله يخصص القصر لهداية ممثلي مهرجان كان السينمائي العالمي!!
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha