ليس من حق أحد أن يطالب بالأمن وبسطه، فكل المطالبات هراء!!
هذا هو الشعار الذي يجب ان نرفعه ابتداءً من اليوم
ولا يتصورنّ أحد أني لا أتحدث بجدية!! بل إني جدي في حديثي هذا وبسابق من الإصرار والتعمد الكبيرين!!
ما جرى يوم أمس في منحنيات الملف الأمني هو عين ما جرى بالأمس وما قبله، وهو نفسه الذي سيجري في الغد وما بعده، فكله ليس جديداً ما دام أن كل شيء يرفض التغيير والتغير، فمنذ ان اصطبغت الوان شوارعنا بالدم القاني وامتلأت مقابرنا بأجساد الأعزاء وضجت مستشفياتنا بأشلاء الجرحى وما تبقى من ضحايا التحالف الصامت بين الارهاب التكفير الغادر والفشل الحكومي السافر تتكرر نفس الصورة وتختتم ببيان حكومي شاجب ومستنكر للأعمال البربرية بحق المواطنين دون أن تنسى الحكومة إعادة أبيات الخاتمة لقصيدتها المسجوعة المكررة مئات المرات، فهي تتوعد القتلة بالعقاب والملاحقة، وستحيل ملف الجريمة إلى لجنة خاصة، وستحاسب المقصّرين في حماية المواطنين..
ومع أننا مللنا من هذه الأبيات وضجرنا منها وسأمنا ممن يرددها وشتمنا من يتحدث بها، ولكن حكومتنا العتيدة تعجبها هذه الخاتمة دوماً، ولهذا فهي تعيدها وستعيدها مع كل يوم دامي يجابه أبناء شعبنا فيه الموت الأحمر والعهر الأكبر الذي يصنعه التحالف الصامت بين الارهاب وصناع الكباب!!!
ومللنا وسأمنا هذا: هو هراء ليس إلا! فلن يطيق احداً من المسؤولين سماع ما يتخلف من وراءه من أنين وحشرجة لأن هذا المسؤول لن يمتلك العيون التي تذرف الدموع المنثورة في البيوت المثكولة من بعد كل حفلة صاخبة للإرهاب في أحيائنا وأزقتنا وباحاتنا ومنتدياتنا، ولن يكلف المسؤول روحه عناء الطواف لسماع أنين اليتامى والثكالى ولا اوجاع الأرامل والموجوعين من جراء دعارة هذا الإجرام الذي يقابل بصمت عجيب من قبل الرأي العام العالمي وبفحيح مريب من قبل حواظن الإرهاب الإقليمية.
وسبب ما أقول ربما يعود لسبب رئيسي هو أن نيراننا ليست أكثر من نيران قش في يوم عاصف سرعان ما تعلو لتنطفأ من بعد ذلك بلحظات ومن ثم ليعود كل شيء لمكانه وكأن شيئاً لم يكن، وكأنك يا غزية ما غزيت!!!
وحتى أوضح فكرتي دعوني أوضح عبر النقاط التالية:
أولاً: الإرهاب لم يغير أفكاره ولا مواقفه منذ اول يوم عرفناه، وسيبقى على هذه الشاكلة إلى أن يقّض الله له من يستأصل شأفته، ولذلك علينا أن لا نستغرب أعمال الإرهاب سواء كان بعثيا أو طائفيا، فكلها وجوه لعملة واحدة اسمها حقارة بعض الدول الإقليمية وحقدها على العراق واستقراره.
ثانياً: إن الأجهزة الأمنية تطورت كمياً ونوعياً خلال فترة ما بعد السقوط وليومنا هذا، وهو ما يفترض أن نلاحظ تأثيراته من خلال قدراتها لصد العدوان على أبناء الشعب، ورغم الجهود المبذولة إلا أن من البديهيات أنها قدمت وفي اكثر من مرة فشلاً ذريعاً في رصد حركة الإرهاب قبل تحقيقه لضربته.
ثالثاً: إن هذا الفشل لا يجوز أن يعلّق على جهة دون أخرى، ولكن من طبيعة الأشياء أن القادة الكبار هم المعنيون أساساً والمسؤولون بشكل مباشر عن هذا الفشل، فالفشل يحصل نتيجة معادلات ولا يحصل نتيجة للصدف، ومن أهم هذه المعادلات السياسات الأمنية التي يجب أن تنسجم مع طبيعة مخططات العدو ومهمة منازلته، والقيادات العسكرية الميدانية والإدارية، ومقدار ولاء هذه القيادات إلى المهمة المناطة بها وحرصها على استحقاقات المسؤولية وما يترتب عليها، وقد برهنت الأحداث على أن السياسة الموضوعة لمواجهة الإرهاب أكثر من بائسة وليس أدل على ذلك من التركيز في مواجهة العصابات بقوات نظامية وعدم الاعتماد على التقنيات البديهية في محاربة العصابات بأسلحته نفسها وهي الجهد الاستخباري وقوات الصفوة الميدانية،
رابعاً: إن الإرهاب لا تكفي المنظومة الأمنية لوحدها لملاحقته وتصفيته بل لا بد من وجود منظومة روادع حقيقية يقوم بها القضاء وتنفذها الحكومة، وقد بات من المسلّمات أن أحد أكثر الأجهزة القضائية تخلفاً عن ذلك هو الجهاز القضائي العراقي بل بات متقدماً حتى على جهاز القضاء الإيطالي في تعامله مع المافيات، وعن الجهاز القضائي المكسيكي في تعامله مع المهربين، وأسباب ذلك كثيرة ولكن يمكننا تلمس التخلف هذا ابتداء من منظومة المحاماة مروراً بقضاة التحقيق وعبوراً اعلى لإدعاء العام وصولاً إلى القضاة والمستأنفين والممميزين، ولو سلمت منظومة الروادع من هذه الشبكة الاخطبوطية المستحكمة وجدنا أن الفشل يمتد وبنفس السياقات إلى الأجهزة التنفيذية المعنية بتنفيذ الأمر القضائي، وهذا نجده من دوائر التنفيذ الأولى وصولاً إلى الجهات المعنية في وزارة العدل وطبيعة ما يوجد في سجونها وطريقة تعاملها مع المحكومين، ويكفي هنا أن نذكر بحوادث الهروب لكبار المحكوم عليهم بالإعدام والذين لم يعدموا بالرغم من وجود مصادقات رئاسة الجمهورية، ولو ضممنا إلى كل ذلك طبيعة الذي يجري في داخل السجون من ترهل وفساد يتيح لتنظيمات الاهابيين أن يجعلوا من نفس السجن مدارس تربية تنظيمية لهم فإن صورة التخلف تبدو واعدة لهم أكثر من كونها رادعة.
خامساً: من المعلوم أن دول العالم تعمل في مواجهة الإرهاب على أسس معالجة الأمر منذ بدايته، وهو ما يعرف بتجفيف منابع الإرهاب، وهذه المنابع هي تربوية ومالية واجتماعية، وعادة ما يتم الاعتماد على المناهج التربوية في الجامعات والمدارس والتلفزيون على إيجاد عزل بين الإرهاب وحواضنه، فيما تعمل النظم الاقتصادية على منع الارهاب من أن يتواصل مع مموليه، وتحرص الدول عادة على تفتيت البؤر الاجتماعية الداعمة للإرهاب أو الحاضنة له لكي يبقى منعزلاً في دائرة تضيق مع الأيام ليتم من بعد كل ذلك التعامل معه أمنياً. وكل هذه البديهيات هي ضحكة كبيرة في العراق فما يوجد لدينا هو أبعد ما يكون من أن تتفاعل الأجهزة الحكومية مع كل ذلك.
سادساً: لا بد من توفير بيئة سياسية تعمل بالتوافق مع منهج مكافحة الإرهاب، وهذه البيئة تبتنى على أسس موضوعية بعيدة عن التهريج السياسي ومماحكاة السياسيين وتشنيعهم على بعضهم، والقصة تكمن بالجواب الجاد على سؤال بسيط وصعب في نفس الوقت: هل نريد من جميع السياسيين بصفتهم الموضوعية لا الشخصية ان يتشاركوا بالسلطة ومواقع النفوذ والثروة أو لا؟ وإذا كان الجواب إيجابيا عل المشاركة فإن ثمة إجراءات جادة يجب ان تتخذ على كافة الأصعدة، وإذا كان الجواب سلبياً فعلينا ان نتحمل النتائج ونتخذ الاجراءات الكفيلة بالتعامل مع كل الاحتمالات المتوقعة وعلى رأسها تنشيط الارهاب أو إيجاد بيئة يتعكّز عليها ويستفيد منها بل ويمكن ان يطرح نفسه كبديل لتنظيم مصالحها.
ومن الواضح أن الجميع تعامل مع الموضوع تعاملاً ترفياً فمرة يقفز على حبال هذا الخيار وأخرى يقفز على ذلك الحبال والمعيار في كل ذلك لم يكن قصة وطن ولا قصة قوانين ودستور ومحاربة إرهاب، وإنما كل القصة من أولها لآخرها هي قصة النفوذ والسلطة، إنها تشبه بالضبط من يدخل ومعه الآخرون إلى ملعب لكرة القدم، ولكرة القدم قواعد وقوانين كما هو معروف، وابتدأوا يلعبون فوجد نفسه لا يستطيع مجاراة اللاعبين إن بقي على قواعد كرة القدم، وحينما وصلت الكرة إليه وأراد خطفها أحد مناظريه حمل الكرة بيده، فتعالت صراخات اللاعبين ولكنه قال لهم اللعبة أصبحت الان كرة سلة، فانكفأ اللاعبون معه يلعبون كرة السلة ووجد نفسه مرة أخرى في مأزق عدم القدرة على المجاراة، فابتدأ يرمي الكرة برجله وأخرى بيده والجمهور واللاعبين يصرخون ويلولون، ولكنه سرعان ما أدلى ببيان موقفه إنها لعبة كرة اليد، وهكذا بقيت الكرة وكيفية إمساكها بقواعد وخارجها هي الأصل وليبقى كل اللاعبين الآخرين والجمهور يصرخ فما دامت الكرة بيده فالكل سيفسح المجال مختاراً أو مكرهاً على القبول بمنطق من بيده الكرة، حتى لو كان هذا المنطق هو الكفر بكل مسلمات المنطق والعقل والحكمة.
والغريب هنا موقف الذين يتلظون بنار ولهيب ودخان ورعب الأعمال الإرهابية والذين في الغالب تجد أمزجتهم تنتقل كالسعفة إذا هبت بها الريح فتارة أقصى اليمين وأخرى أقصى الشمال، وكل ذلك بعد حرق القش الذي نشعله نتيجة لغضبنا أو قل لننفس عن غضبنا به في لحظة الحدث، فنوزع اللوم على جميع من قصّر او أهمل أو تآمر أو خان او غدر، ولكن ما أن تحترق قشة الغضب هذه فإننا سرعان ما نعطي لعقلنا إجازة لندع للمزاج قدرة التحكم في أحكامنا وتصوراتنا، وتعالوا لننتقي نماذج من حواراتنا السياسية
الحكومة: يجب اجتثاث صالح المطلك، الجمهور: نعم يجب اجتثاثه هو وجميع من يعمل معه ومن ينتمي إليه ومن يعينه.
الحكومة تلغي قرار اجتثاث المطلك، الجمهور: أحسن خطوة حتى تهدأ الساحة.
صالح المطلك يعيّن نائباً لرئيس الوزراء، الجمهور: لا بد من إعطائه هذا المنصب فالحكومة شراكة بين الفرقاء السياسيين.
الحكومة: يجب حجب الثقة عن صالح المطلك، الجمهور: من الأول قلنا بأن هذا حية رقطاء، وعلى البرلمان أن يصوّت وإلا كلهم خونة.
الحكومة تعقد اجتماعها ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك يشارك معهم، الجمهور: نعم ما صنعوا يجب إشراكه حتى نؤمّن هدوء البلد.
****
الحكومة : مسعود البارزاني يبتزنا، الجمهور: هو حرامي ويجب أن يقاطع ولا يعطى حق المشاركة.
الحكومة نسبة 17 % لا استحقاق فيها للاكراد، الجمهور: أبطال هؤلاء يجب تأديبهم.
الحكومة تعطي نسبة 17% الجمهور: لا بد من إعطائهم فهم شركاء في كل شيء.
الحكومة تعلن النفير العسكري في كركوك: الجمهور: فوت بيه بعد ابوي ويجب تأديب الأكراد وإرجاعهم إلى الجبال.
الحكومة تتراجع عن النفير العسكري، الجمهور لا يجوز إراقة الدم العراقي.
هذه نماذج للحوارات العملية في كل قضايانا، ومنها قضية الأمن الذي نعاني من فقدانه، مع أن العاقل قليلاً لا تفوته رؤية المنظر بهذه الطريقة: فعلى رغم شدة الخراب الأمني لم يحصل أن اعتذر أي مسؤول صغير او كبير عن الخروقات التي كلفت المواطنين عشرات الآلاف من الضحايا، ولم يحصل أن قدّم أي مسؤول استقالته، ولم يحصل ان أقيل أي مسؤول كبير بناء على التقصير الأمني، ولم يحصل أن اعترف أي مسؤول بوجود خلل في الأجهزة الأمنية، ولم يتم الكشف عن أي اختراق، ولم يحصل أن كشف النقاب عن أية صفقة فساد في التسليح أو التجهيز أو في نسب الفضائيين .. ولم .. ولم إلى عشرات الأمثلة.. ولكن لم يحصل أن طرأ أي تغيير على أي ملف له علاقة بالملف الأمني، ومع ذلك ظل المسؤول يتحدث عن الإنجازات المتحققة في الملف الأمني، وظلت النياشين المعلقة على الصدور تتطور وتزداد بريقاً، والنجوم على الأكتاف تكثر، والتطور الأساس عادة يكون في شقين: أولهما إدخال المزيد من عناصر الاختراق الأمني بحجج الكفاءة والخبرة مع إخراج العناصر الساهرة من المجاهدين والمناضلين الذين دافعوا عن دماء المواطنين قبل السقوط، واستمروا يفعلون ذلك من بعد السقوط، فتكاثرت لدينا شوارب 8 شباط، واقصيت الجباه الساجدة والعيون الدامعة والقلوب الملتهبة بحماسها لمنازلة الإرهابيين.
أما الثاني في عناصر التطور الأساس فهو التطور المتنامي في أرقام الضحايا ومعدلات الإرهاب وتنوع أسالبيه وطرقه.
ومع كل ذلك بقي الجمهور يتحدث عن الإنجاز الأمني.. إذا كان كل هذا إنجازاً فلماذا تطلب يا شعب الأمن والأمان؟!!
https://telegram.me/buratha