مثلي مثل الكثيرين غيري كنت خائفاً بشدة من قانون المسائلة والعدالة ورغم التطمينات التي كنا نتلقاها من قبل من نعرف أمانتهم وصدق محاربتهم لحزب البعث المجرم، إلا إن ذلك لم يمنع من كثرة الهواجس التي كانت تنمو مع إرجافات المرجفين وعويل الذين اعتدنا أنهم يخافون من كل شئ اعتماداً على مبدأ الخوف والتخوف أكثر من الإعتماد على فنون اللاعب السياسي، وقد زاد الطين بلّه ما حاول البعثيون أن يؤسسوا لواقع عسى أن ينفعهم في الاطلالة من جديد على الحياة السياسية والإدارية في البلد حينما قاموا بنشر قانون المصالحة والعدالة والذي كتبه طارق الهاشمي ليقولوا بأن هذا القانون هو الأصل حيث يجد فيه المرء الكثير مما يرعب ويخيف.
ومما زاد في التوتر والقلق كثرة النسخ المتداولة لهذا القانون فكلما ارتحنا لفقرة وجدنا نسخة أخرى ترجعنا لنفس المربع والدائرة الأولى، ولكن سماعي هذا اليوم لنص القانون كما صوّت عليه البرلمان زالت المخاوف لتصنع عدة ملاحظات أهمها:
أولاً: إن القانون يعتبر صياغة جديدة لتكريس واقع حرمان حزب البعث وأعوانه من العودة للمناخ السياسي والإداري كما نص عليها الدستور بعد أن تمكن هؤلاء نتيجة لظروف متعددة أهمها طبيعة الخلل الموجود في بنية وآليات عمل الهيئة العليا لاجتثاث البعث، ولعل ذلك يتضح من خلال التشديد على الإحالة الفورية على التقاعد أو الفصل للعناصر البعثية في المواقع الأمنية والسيادية الخاصة، وهو أمر لم تتمكن هيئة إجتثاث البعث من تنفيذه بل استطيع القول بأنها ساهمت بشكل وآخر لعودة أكثر من 27 ألف عنصر بعثي متقدم من أعضاء الفرق وغيرهم، فيما تسلل بعضهم في عهد علاوي والدكتور الجعفري والمالكي بطرق مختلفة وبحجج مختلفة، أما في جهاز المخابرات الذي لم تتسلم الحكومة ملف بعد فحدّث ولا حرج، فالأصل هناك أن يكون بعثياً.
ثانيا: القانون شدد كما يلاحظ لأول وهلة على الحق العام تجاه حزب البعث، وهذا ما لم يتطرق إليه قانون إجتثاث البعث من قبل، ولم تعتن به الهيئة العليا، مما جعل جرائم البعثيين تبقى دون من يدعّي عليها، والناس بقيت تنتظر من يطالب بمقاضاة عشرات الآلاف من مجرمي حزب البعث، دون طائل، بينما الان يمكن القول معه بأن هذا الأمر قد وضع على سكة الحل.
ثالثا: القانون وضع مسألة البعث موضعاً قانونياً وقضائياً بالشكل الذي يمكن له أن يبعدها عن الدعاوى الكيدية ودعاوى الفساد المالي والإبتزازات المالية التي كانت الهيئة العليا للإجتثاث تنوء بها، وأهم من ذلك أبعد قضية إبعاد البعثيين من دوائر الدولة الأساسية خارجة عن إطار المزايدات التي سمحت في الكثير من الأحيان بالضحك على الذقون بالشكل الذي وصل إلى أن أحد مسؤولي الإجتثاث كانت قائمته الانتخابية في أحد المحافظات يقف على رأسها عضو شعبة!!! والطريف إن أحد شعارات الحملة الانتخابية لهؤلاء كان هو الإشادة بدور هؤلاء في إجتثاث البعث.
رابعاً: ما أعجبني في هذا القانون الطريقة التي صيغ بها بصورة يبدو أن بوابته الأولى للبعثيين باب فيه الرحمة وباطنه العذاب، فمقدار من هؤلاء سيحالون إلى التقاعد، بينما كان القانون السابق باب ظاهره العذاب ولكن باطنه كانت الرحمة، بحيث تمكن فيه من تم اجتثاثه من الرجوع من الشبابيك الواسعة ليأخذ درجات أعلى من وظيفته السابقة، ولهذا نجد سبب مقاطعة بعثيي البرلمان وأنصارهم لهذا القانون، ومحاولة إثارة المشاكل حوله، فهم كانوا يعون حقيقة هذا القانون وطبيعة ما يرمي إليه.
خامساً: من باب الإنصاف، فإن دور الحزب الإسلامي في تمرير القانون كان واضحاً، وتصويتهم عليه كان هو الآخر نقطة لصالح هذا الحزب الذي يبدو إن الاتفاقات الأخيرة في إطار الهيئة الخماسية قد آتت أكلها، وإلا كان بإمكانهم اليوم أن ينسحبوا مع المنسحبين لينقضوا إمكانية التصويت على القانون، ولكن هذا الموقف يجب أن يحمد لهم، وبإمكان المحللين أن يقفوا على صورة أفضل لتحليل مواقف الحزب، إذ من الواضح إن الخط المناهض لحزب البعث في داخل الحزب الإسلامي قد انتصر.
ولاشك إن الحكومة ستغنم من هذا القانون الشئ الكثير على مستوى العلاقات الدولية والاقليمية، ولكن حتى يغنم الشعب لابد من حسن التطبيق، وبوابة التطبيق نتمنى أن لا تنحر عند بوابة معارضة طارق الهاشمي له في هيئة الرئاسة.
محسن علي الجابري
https://telegram.me/buratha