رأي في الأحداث

هل أخطأنا حينما نصرنا قادتنا؟ وهل خذلونا حينما دافعنا عنهم؟ (رأي في طرق التحليل)

6418 03:38:00 2006-08-13

لست من دعاة نظرية المؤامرة، ولا أؤمن أن القوى الكبرى تمسك دائما بالعصا السحرية التي تحرك كل شيء على طريقة السحرة، كما لا أؤمن بأن القوى الصغيرة لا تستطيع ان تتغلب على واقعها وتتمرد، لكني ايضا لست من أصحاب النظريات الثورية المتمردة حتى على نفسها، او تلك الحالمة التي تتصور ان الساحة إنما هي خضراء ناصعة لا ذئاب فيها، بل انا إنسان له نظرة جادة في الحياة، بحيث لا يخنق نفسه ضمن أطر الشعور بالضعف، ولا ينحر نفسه ضمن أطر الشعور بالغرور.

من هذا المنطلق أريد ان أناقش طرقنا في التحليل لطبيعة ما نمر به، لا سيما وان ما نمر به فيه من الحسم بمكان ما يجعل المرء بحاجة إلى كل ما يمكن تقديمه من دقة واتزان في التحليل، لأن أي تغير في ميزان الدقة هذا يمكن ان يعطينا نتائج غير دقيقة ثم يقودنا لسياسات خاطئة.

فعلى سبيل المثال يمكن للمرء وهو ينظر طبيعة اداءات الساسة العراقيين لا سيما من قادة الائتلاف، ان يلاحظ اتجاهات متعددة في تقييم أعمالهم، فتارة تجد الذي ينهال عليهم بكل نعوت التمجيد والتبجيل، وأخرى من يضعهم ضمن سندان الحداد ليطرق عليهم بكل ما أؤتي من صفات الذم والقدح أو العتاب واللوم، وما بين هذه وتلك تجد العديد من الاتجاهات التي قد تقترب من هذا لتبتعد عن ذاك والعكس صحيح أيضا.

وفي كل الحالات نعمد حين التحليل إلى النظر إلى الصورة من جهة احادية، او من خلال التعامل مع الصورة بجزئية من دون استيعاب لكل المشهد وبكافة تفاصيله، بينما واقع الحال يوجب علينا ان نشخص طبيعة ما تمر به هذه الشخصيات من ظروف، وطبيعة الانجازات الحاصلة، ومراقبة الصورة الكلية لطبيعة الساحة التي تعايشها هذه الشخصيات وتتعايش معها، لنقيس من بعدها إن ما تمكنت هذه الشخصيات ان تثبت لنفسها مصداقية في طبيعة الذي طرحته من شعارات أو لا؟

قطعا لست في صدد مدح هذه الشخصيات، كما إني لست في صدد ذمّها، ولكن ادعو للواقعية في التقييم حتى نتمكن ان لا نهزم في التحليل بعد أن انتصرنا في واقع المواجهة مع قوى كثيرة جاءتنا بامواج عاتية، فما يمكن ملاحظته الآن أن قياداتنا التي انتصرت في مواقع المواجهة أمام الكثير من الهجمات المتلاحقة مع الارهاب السياسي والأمني، وموجات الحقد المسلطة من كل جانب، والعراقيل المبثوثة في كل حدب وصوب من أشلاء الدولة، والوعي الساذج في التعامل مع المشكلات الميدانية، والعطب المستشري في بنية الدولة من زمن المجرم صدام، والمسير ضمن جماعة غير منسجمة في الولاء والتوجهات والخطط والأهداف، و.. و... و.. و...الخ يراد لها الآن ان تسقط في اعيننا نحن الذين نصرناهم وتبنينا الدفاع عنهم!!

هل اخطأنا يا ترى حينما نصرناهم؟

وهل خذلونا يا ترى حينما دافعنا عنهم؟

ما يبدو لي إن كلا الأمرين يفترقان مع الصحة، فلا نحن أخطأنا ولا هم من خذلونا، بلى ثمة اخطاء، وثمة قصور وتقصير، وثمة وضع للرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، وثمة تراخ لدى البعض في تحمل المسؤولية كما يجب، ولكن الصحيح أيضا أن ثمة نتاج يظهر بلا ريب أن ثمة تقدّم من حيث المحصول العام والنتاج العام، وإلا كان بإمكان المؤامرات الكثيرة التي نثرتها الدول الأقليمية وحاضنات الارهاب والحقد البعثي المستشري والطائفية السوداء وفوق ذلك العبث المريكي الممنهج ان تطيح بالمسيرة، ولكن بقي الناتج هو أن كل تلك المؤامرات اندثرت او ذوت وبقيت مسيرة هؤلاء المبنية على قوة جمهورنا هي الأصل.

اذن اين الخلل؟

حين نريد ان نحكم على الكهرباء مثلا وتدنيه، وبعد ان نستبعد الدور الكبير للإرهاب في تحطيم بنيته التحتية، وبعد ان نسقط عوامل الفساد المستشرية في مرافق توليده بشكل عام وهو فساد تشترك فيه أساطين من المافيا العالمية والمحلية، ولكن يمكن ان يشار إليه من خلال ملاحظة أن المساعدات الأمريكية في عام 2004 كانت قد رصدت 7 مليارات دولار لتحسين خدمات الكهرباء، وانتهت وزارة أيهم السامرائي والكهرباء في خبر كان.

أقول: لو أسقطنا هذين العاملين المهمين جدا. هل يا ترى يمكن لنا ان نلحظ ما يلي في تحليلاتنا لكي نصل إلى صورة تقييم ادق لواقع النقص في خدمة الكهرباء وأسبابه.

أولا: كان العراق ينتج في اواخر أيام صدام ما يقرب من 4350 ميكاوات وكانت الكهرباء آنذاك شحيحة جدا في الكثير من المناطق، وهو ينتج الآن 5070 ميكاوات غير المستورد من تركيا والكويت وسوريا وايران وبمجموعه قد يصل إلى قرابة 1600 مكياوات.، وهذه الأرقام تظهر ان نموا في انتاج الكهرباء قد حصل بشكل سريع.

ثانيا: كان المواطن العراقي قبل سقوط صدام بقدرة شرائية متدنية جدا، فمن كان راتبه دون الدولارين كيف يتمكن من أن يشتري، ولذلك باع الناس وبشكل متنام كل الأجهزة التي لا تدخل في قائمة ضرورات الحياة، مع الحرص على تقليص هذه القائمة بالتدريج حتى ما عادت تحوي على أن يتمتع المرء بوجود سياج في بيته أو ما إلى ذلك، وبالتالي انعكس هذا على مقدار استهلاك الكهرباء بشكل جذري، إذ ان البيوت لم تعد قادرة على تحمل وجود الفريزر أو حتى المكواة الكهربائية، وفي الكثير من البيوت لاحظنا عودة المكواة النارية أي التي تحمى على النار، اما حديث الآركنديشن والسبلت وما إلى ذلك من اجهزة التبريد ذات المصرف العالي فهي أقرب ما تكون إلى المستحيلات.

ولكن مع سقوط النظام ونمو القدرة الشرائية بشكل غير منضبط لدى المواطنين وانتقال السوق من المقيّد الشحيح إلى الانفتاح التام، تعاظم وجود الأجهزة الكهربائية لدى المواطنين لعدة أضعاف، وبات من الطبيعي ان تجد حدا فوق الوسط وهو يمتلك تجهيزات كهربائية كاملة بل فوق الكاملة حتى، مما جعل الاستهلاك الكهربائي يقفز بشكل هائل، وعادة ما يتسم الاستهلاك بنظام الشراهة في الاستخدام على عكس سياسة الترشيد التي يفترض ان تسود في هذا المجال.

ثالثا: ثمة عطب مستمر في محطات التوليد الكهربائي لأن غالبية هذه المحطات كالدورة وبيجي والناصرية هي في حكم المستهلكة بشكل خطير وقد حرمت من الصيانة طوال سنين عدة، ولهذا فإن خط التوليد لو نجى من مافيات التخريب، ومافيات الارهاب، فإنه لن يكون بعيدا عن اضرار العطب الذاتي للأجهزة.

رابعا: للأسف الشديد فإن كل الوزراء الذين تعاقبوا على الكهرباء لم يتجهوا إلى سياسات طويلة الامد، وإنما مشوا على طريق من يريد ان يبقى مسؤولا لمدة أشهر، وهذا مما اوقع السياسات المعدّة في هذا المجال في تخبط مستمر وأرهق الدولة بمصاريف باهظة الكلفة.

خامسا: الوضع القانوني لم يسمح هو الآخر في وجود مناخات لصناعة الكهرباء في ان تنموا باطراد، بل عمل على خنق كل رغبة على القفز على الواقع، وكان بإمكان قادتنا ان يتنبهوا مبكرين ـ وإن فعلوا ذلك الآن ـ إلى ضرورة التعامل مع قطاع الاستثمارات بشكل جدي، لأن هذا القطاع يمكن ان يوفر للدولة رساميل هي في أمس الحاجة إليها من دون ان تتكبد في مساحات الفساد المستشري فيها، وبالتالي يمكن لها أن تفرض على هذه الاستثمارات نمطا معينا من الحاجات المطلوبة.

سادسا: التعرفة المأخوذة على استهلاك الكهرباء تعتبر واحدة من الكوارث على صناعة الكهرباء، فالدولة تغطي غالبية نفقات الكهرباء دون ان يكون ثمة مردود يذكر من خلال بيعه للمواطنين، وهذا الأمر الذي يمكن له ان يلعب دورا مهما في توفير رساميل الصيانة وغيرها، يمكن ان يلعب بشكل جدي دورا حاسما في مسألة ترشيد الاستهلاك، وإلا فإننا قد اعتدنا إن ما رزقنا الله أن نرى نور الكهرباء الوطنية ان نمعن في استهلاك كل ما نستطيع من أدوات الانارة وغيرها حتى من دون الحاجة إليها.

سابعا: تخلف آليات تزويد الوقود عن ملاحقة صناعة الكهرباء، فمن المعروف إن أي محطة كهربائية تحتاج إلى كميات كبيرة جدا من الوقود الغازي او النفطي او ما إلى ذلك، وحين تعاني الصناعات النفطية لدينا كل هذه المعاناة، نعرف ان الصناعات الكهربائية هي الأخرى ستتلكأ.

فإذا ما ادخلنا إلى كل هذه العوامل عنصري الارهاب الذي تعمد كل هذه الفترة على ضرب بنية الكهرباء، والفساد الذي أكل هذه الصناعة، ترى كيف سيكون حكمنا على الواقع عندئذ؟

انا لست خبيرا اقتصاديا، ولا اعرف اي شيء عن صناعة الكهرباء، ولكن الواقعية اخذتني إلى مكامن الداء، وبالنتيجة مكنتني من ان أكون أكثر اعتدالا في الحكم على القضايا.

هذا مثال اخوتي ولا يعدم الأخوة كيفية تطبيق هذه الطريقة على بقية الأمثلة، والله المستعان..

محسن الجابري

وكالة أنباء براثا (واب)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
مخلدالبصري
2008-09-17
الحقيقةاننا لم نخطىء بدعمنا لقادتنا في الائتلاف ولكن نتمنى ان يعوا حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم لان مستقبل العراق الان مناط بهم,مثلا ان قلة الخدمات سيدفع بالناس البسطاء وما اكثرهم الى القاء اللوم بشكل مباشر ورئيسي على الائتلاف دون التفكير كتفكير محسن الجابري ودون التفكير الى ان هناك عوامل عديدة ادت للفشل منها حرص اعداء الائتلاف على افشال واسقاط الائتلاف وما اكثرهم ومنها ان الحكومة ليست فقط للائتلاف, اظن انهم اخطئوا لانهم لم يفكروا بكل التحديات فعليهم العمل بجد اكبر للتغلب على التحديات.
madhloom
2006-08-14
سلاما اخي محسن لم نخطيئ بتأييدنا لهم ولكنهم خذلونا في عدم تحقيق ما قطعوا من وعود على أنفسهم في أحقاق الحق وانصاف المظلومين الذين خاطروا بحياتهم ليدلوا بأصواتهم انتصارا للعراق الجديد ولكن المصيبة أن أستمر قادتنا وساساتنا على هذا المنوال فلن تكون لنا ولهم قائمة لأن الذبح بالسكينة الأمريكية السلفبعثية لن تفرق بين سياسي ورجل عادي يتنمي للطائفة المظلومة عليه يجب مراجعة الحسابات وتشخيص الخلل الذي وقعو فيه الساسي يجب ان يكون صريحا ويطلع أخوانه على الحقائق وان يتجنب المراوغة والضحك على الذقون
الكوفي
2006-08-13
السلام عليكم . تحياتي للاخ محسن الجابري . كل ما تناولته في مقالك شيء جميل ولطيف وهذا واقع من جهة الحملة المسعورة ضد قادة الائتلاف من اطراف عديدة داخلية وخارجية ولا سيما التكفيريين والصداميين الضلاميين واتباع عبد الوهاب من ال سعود . لكن يبقى سؤال يحير السائل هل عجز قادة الائتلاف من تنفيذ بعض من وعودهم اتجاه المظلومين علما ان جميع محافظات الجنوب ومجالس بلدياتها تحت تصرف الائتلاف اذا ماالذي حال دون تقديم الخدمات للمظلومين وذهابها الى غيرهم وتحصيل حاصل ان تكون ردود فعل غير مرضية اتجاه الائتلاف .
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك