وأنت تمر في منطقة الانفجارين يتملكك شعور عارم بالغضب وباتجاهات متعددة نتيجة لحجم الدمار والمأساة المصنوعة هناك.
كنت قد سارعت بالوصول إلى المنطقتين فركضت من بيتي وأنا المذعور من هول صوت الانفجار الذي أطاح بي من مكتبي، ومن ذهولي لم أفكر حتى باستخدام السيارة وسرعان ما دلّني الدخان والنيران إلى مكان الحادث حيث بنايتي وزارة العدل ووزارة البلديات الكائنة في رأس جسر الأحرار وقد وصلت بعد الإنفجار بحوالي نصف ساعة أي تقريبا في الحادية عشرة صباحا كانت الصورة ترسم مأساة كاملة لشعب قدّر له أن يعيش بين عنتريات الارهاب وعنتريات قيادات الأمن، وبين دعارة الإرهاب البعثي والتكفيري لا تحتاج إلى كثير وقت لكي تسمع القادة الأمنيون وهم يقولون سنضرب بيد من حديد، وسنفعل وسنترك!! وسرعان ما تسارع الأبواق من هنا لكي تقول الأبواق البعثية والإرهابية إن أسباب التفجير تعود لصراع الأحزاب فيما بينها، وأبواقنا من هذا الجانب لتتوقع اطلاق البالونات الفارغة والتي يحاول مسؤولوا القيادات الأمنية أن يحركوها ليحرفوا عنهم الحساب.
الأشلاء المحترقة والجرحى والدماء والدخان والصرخات والأنين والمذهولين والدمار في الوزارتين وما جاورهما هي المسيطرة على كل المشهد، وحين كنت أساهم في عمليات الاخلاء كان قلبي يلهج بمشاعر متناقضة ولا أشك أن دمي قد بلغ الغليان، ولا ادري على من كنت أبكي! ءأبكي على هؤلاء المظلومين الذين قطعهم فجرة التكفيريين وزبانية البعث؟! أم أبكي على العراق كيف يتحول إلى سوق نخاسة بيد هؤلاء الفجرة يبيعونه لكل شار ويلتهمونه مع كل آكل؟ أم أبكي من شدة الغضب حينما أتصور الأداء الأمني المخزي لأبطال فرض القانون؟!
كنت أبكي وأصيح في وجه كل من يتقدم حتى رجال الأسعاف والدفاع المدني الأبطال كنت أصرخ بوجههم ولا أدري لماذا؟ ومن كان معي لم تكن حالته بعيدة عن حالتي، ووسط الاعياء ورائحة الدم والدخان جلست في حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر أستعيد جانباً من استقرار نفسي ولربما لأحاول أن أجد بعضاً من السلوى لأني اشتركت بما استطعت من خدمة أبناء جلدتي من أبناء شعبي المظلوم حينما شاركت بإخلاء من استطعت اخلاءه من الجرحى وعدت لكي أرتب أفكاري وأرسم ما يمكن لي ان ارسم في لوحة تحليل ما حدث، وقد وجدت التالي:
أولاً: المنطقة محاطة بالقوات الأمنية وتعتبر من المناطق المركزية جداً في بغداد، خصوصاً إذا ما ربطت الانفجارين ببعضهما فالأول في وزارتي العدل والبلديات والثاني في مجلس محافظة بغداد، وهما في امتداد واحد ولا يفصل بينهما إلا قناة العراقية، ولا أحتاج هنا لكي أتساءل أين القوات الأمنية وهي تخترق بهذه الطريقة؟! وبشكل طبيعي وكإجراء صحيح وغير صحيح في نفس الوقت ستتخذ القيادات الامنية محاسبة سريعة للضباط والأفراد المتواجدين في المنطقة، وهذا الاجراء صحيح ولكنه غير صحيح من الجهة الأخرى، فهو صحيح لأن الحساب مطلوب، ولكنه غير صحيح لأن المطلوب محاسبة من هو أعلى منهما والذي وثق بهما وأوقفهما في هذه المنطقة التي تحيط بها الحاضنات الارهابية بشكل مكثف فالانفجارين يرتبطان مع منطقة شيخ علي وشارع حيفا، وما هو أهم بالمحاسبة من هؤلاء هو من رسم الخريطة الأمنية بهذه الشاكلة التي تسمح لاختراق كهذا، ومن وافق على هذه الخريطة ورضي بها!!
فهؤلاء القادة بفضلهم تحقق لنا عز الأربعاء الدامي ولهذا هم من أوجدوا لنا فخر الأحد الأسود، ولا أدري لماذا يحضر على بالي مسرحية ضيعة تشرين لغوار الطوشة فالطوشة هناك اعتبر متهكماً إن النصر قد أحرزه القائد لأنه لم يمت حينما سرقت ضيعة تشرين والمؤامرة لم تكن للسرقة والاحتلال بل كانت على القائد العظيم وعليه فتشرين لم تضيع لأن القائد بسلامته نجى من الانفجار في الأحد الأسود!!
وثانياً: وسيقف بشكل سريع الرفاق ظافر العاني وصالح المطلك والشيخ أبو عزام وطه اللهيبي والولي الصالح حسن ديكان وخلف العليان والصوفي المتبتل حارث الضاري وعبد الناصر الجنابي وكل اخوة صابرين وأبو تبارك وجميع المساهمين الجديين في الانفجارات والارهاب لكي يلقوا بالمسؤولية على المقتول ملعون الوالدين لأنه تواجد في أرض المعركة، فكما قتلوا الحسين ع بسيف جده، هاهم سيقولون بأن الجريمة هي من صنع الأحزاب التي قاتلت ضد المجرم صدام، ولهذا قررت أن لا افتح العربية والشرقية والحرة والجزيرة لكي أسمع هذه الأخبار لأني أعرفها سلفاً.
وثالثاً: تخيلت السيد علي الدباغ والسيد رئيس الوزراء والسيد وزير الداخلية والسيد وزير الدفاع والسيد مدير جهاز المخابرات والسيد وزير الدولة لشؤون الأمن الوطني والسادة أبو اللبن وأبو الركي وفطيمة في سوق الغزل وجبار الكصاب وآمر جيش محمد العاكول وكل أجهزة ياسين مجيد المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء وهم يجتمعون لتقرير من المتهم في هذه العملية، فكما نجحت فقاعة المحكمة الدولية في تخدير الضمير الشعبي لكي ينسى الأربعاء الدامي واستحقاقاته وينشغل بالمعركة المجيدة ضد سوريا، فها إن الوقت معدّ لفقاعة جديدة تنسي الشعب المسكين لهيب الأحد الأسود وضرام آلامه!!
فهؤلاء لن يقولوا للشعب إنا نعتذر ولن يعتذروا أبداً، ولكن الشعب ما دام صالحاً لكي تمرر عليه آلاعيب التبريرات المألوفة فلم الاعتذار إذن؟!
فلقد وجدوا إن الاربعاء الدامي قد مرت بسلام تام وخرج المسؤول الأول عن الأمن فاشلاً بإمتياز لكي يكلل بتيجان الرياحين على تصريحاته العصماء ضد سوريا والمطالبة بالمحكممة الدولية، ولم يدرك هذا الشعب إنه بفرحته بالتصريحات الرنانة إنما يؤسس لأربعاء دامية أخرى، فالمرض إن لم يشخص لا تتوقعوا ان يهجم مرة أخرى ولكي نرى المشهد على حقيقته تعال وتبصر وقل لي ما هو السر في التحول الاستراتيجي!! بين يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء الدامي الذي لحق به، ففي يوم الثلاثاء كان رئيس وزراءنا المحبوب في سوريا يقدم البشارة للشعب وهو يتحدث عن التحالف الاستراتيجي مع الجارة سوريا، وفي يوم الأربعاء الدامي أي بعد سفرته بأقل من 24 ساعة كان يتحدث عن العداء الاستراتيجي، ولم ينبس أحد ببنت شفة ليعرب عن سبب هذا التغيير المفاجئ وبين أقصى اليمين إلى أقصى الشمال! ولم يسمح لأحد أن يهمس بهذا التساؤل فلقد انطلت اللعبة على الشعب المسكين!
وبالرغم من إننا لا نبرئ الدولة الجارة من إسهامها الكبير في صنع آلامنا ومآسينا، ولكن هل إن هذا الاسهام لم يعيه حبيبنا أبو إسراء إلا حينما حصل الانفجار؟! فإن قال لا، وهو واقع الحال وإلا كيف يتحدث عن ملفات ووثائق يمتلكها العراق ضد سوريا؟ قلنا: إذن فيم كان الحديث عن التحالف الاستراتيجي مع سوريا قبل الانفجارات بيوم؟! فهل ذهب ليبيع آلام العراقيين ودمائهم ونسي كل هذه الملفات والوثائق والتي تتحدث عن ألاف التفجيرات وعشرات الآلاف من الشهداء؟! أم إنه لم يك يملك أي وثيقة والحال هو العكس بحيث ذهب لكي يتحالف استراتيجيا مع صانع آلامنا والناهش في لحومنا؟ وإن كانت مقتضيات الدبلوماسية تستدعي ـ وهو حق ـ أن يحفظ الود مع الجيران أفلا كان الحري به أن يتدرّج في العلاقة فبدلاً من التحالف الاستراتجي كان بالإمكان التحدث عن نمط متدرج في العلاقات!!
وجاءت بعدها اضحوكة المحكمة الدولية واسمحوا لي اخواني في أن لا يتمادى غيظكم من الجابري حينما أعبر عن أضحوكة المحكمة الدولية، فهي واقعا ضحكة كبيرة بل ومدوية ولكنها أضاعت ألباب من سمعوا بها بدويها ولم يلتفتوا لمطباتها الهائلة فهي اولاً أرادت البعثيين لأنهم هم من وراء الجريمة، وهو أمر دقيق، ولكن بالله عليكم كيف يمكن لنا ان نقبل بالمطالبة بالبعثيين الموجودين في الخارج ولا نعمل على محاسبة البعثيين الموجودين في الداخل؟! وهؤلاء أغلبهم تم اعادته في زمن حكومتنا المنتخبة!! والأنكى أنهم حمّلوا المسؤولية الأمنية العليا في عهد هذه الحكومة فلا أياد علاوي فعلها ولا الدكتور الجعفري عملها، فهل هؤلاء يختلفون عن أولئكم؟! أبلغني يا حبيبي يا أبو إسراء؟!
وهي ثانياً: عودة إلى الوراء في مسألة السيادة، لأن المحكمة الدولية في واقع حالها هي فصل سابع بامتياز ولكن هذه المرة بطلب عراقي؟؟!
وبعيداً عن تهريجات محسن الجابري وفذلكاته هل كانت الدولة مستعدة لشأن المحكمة الدولية؟ ولا تستغربوا دقة ما انقله لكم حينما أقول لكم بأنه لا توجد أي دائرة من دوائر الدولة المعنية ولحد كتابة هذه الأسطر قد تقدمت إنملة واحدة في شأن الإعداد للمحكمة الدولية، فالمحكمة الدولية كانت قد وصلت إلى بيوتنا وإلى أسماعنا نحن الشعب المسحوق، ولكنها لم تصل لحد هذه اللحظة إلى مجلس الأمن الدولي ولا الانتربول ولا محكمة العدل الدولية في لاهاي ولا ولا؟! وأنا بودي ان أبلغكم بأنه لن تكون هذه المحكمة اطلاقاً، لأنها لم تكن إلا مجرد فقاعة إعلام ليس إلا!!
أقول ذلك يا أبناء البايرة من هذا الشعب المسكين، لأني أتوقع غداً فقاعة جديدة لكي ننسى يوم الأحد الأسود ولا ندري لربما لنتهيأ ليوم آخر من أيام الأسبوع لنستيقظ من نومنا على أصوات انفجارات جديدة ولكي نزف جموعاً جديدة من الشهداء الأبرار لكي يبقى المسؤول متمتعاً ببركات المنصب، ولكي يبقى المحروم متسكعاً يقرأ جريدة او يفتل بسبحته أو بسلسلة الحديد التي بين يديه وهو يتثاوب في مقهى عبوسي لأنه لا يفهم عبوسي إلا حجي راضي!، والحاج راضي منقوم عليه فكلما تكلم قيل استهداف سياسي وابتزاز انتخابي وبوزة دعائية و.. ووو إلخ.
وفي الختام دعوني أطالب لا بحق الدماء التي نزفت في صباح هذا اليوم ولا بالجراح التي نكأت معها ولكن أطالب بحقي أنا الذي ركضت لكي أنقذ جريحا مات بين يدي لماذا أتألم عليه ولا تتألمون أنتم يا مسؤولوا الأمن؟ قد تقولون إننا تالمنا ولكن يا فخامة القائد العام للقوات المسلحة إن وزير دفاعك وداخليتك وأمنك الوطني وجهاز مخابراتك فاشل بإمتياز فهل ستقيلهما وتحاسبهما؟
وعذراً للبولاني والعبيدي والوائلي والغرباوي إن القائد لكم كان أفشل منكم فكلكم فشلتم فهل ستريحون الشعب وتسمعونه ولو لمرة واحدة ما يعبر عن إنكم تتألمون حينما تقولون له: إننا نعتذر إذ لم نؤد المسؤولية!!
أنا أعرف إن هذ الكلام سيعقبه أوامر مشددة من قبل القيادات العليا المعنية بضرورة التحري عن المجرم محسن الجابري، لأنه لم يقل يسقط الشعب ويعيش الزعيم!!
محسن علي الجابري
النجف الأشرف ـ ثلمة العمارة
https://telegram.me/buratha