للشاعر مرتضى شرارة العاملي
معْ كلِّ شمسٍ فالدماءُ تسيلُ = ومدى الزمان تفجّعٌ وعويلُ
لا بدَّ تلقى كلُّ نفسٍ حتفَها = وإلى الترابِ ترابُها سيؤولُ
تسعى بيومٍ، ثمّ يُسعى فوقَها = كم حاملٍ وإذا بهِ المحمولُ!
تُطوى حياةٌ ثمّ يُنشرُ غيرُها = والجيلُ يُفرشُ فوقَه الجيلُ
نُنسى، ونُصهرُ في الغيابِ كأنّنا = لم يحظَ فينا بالحياةِ فتيلُ!
إلاّ الحسينَ، فحينَ سالَ وريدُهُ = غدَتِ الحياةُ إلى الوجودِ تسيلُ
معْ كلِّ جُرحٍ فيه داوى أمّةً = إلاّ عليلَ العقلِ، فهو عليلُ
فالشمسُ في وهَجِ الحسينِ شحيحةٌ!= والبحرُ في كرمِ الحسينِ بخيلُ!
وتحلّلُ الأقلامُ طيلةَ أدهرٍ =هذا العطاءَ، فيعجزُ التحليلُ
وتفكّرُ الأجيالُ في عليائِهِ =فإذا التفكّرُ عاجزٌ وكليلُ!
تتحيّرُ الأفهامُ مهما أمطرتْ = يتحيّر التفسيرُ والتأويلُ!
* * * * *
ماذا يقولُ الشِّعرُ مهما قد حكى؟! =والنثرُ ماذا بعدَه سيقولُ؟!
دمُكَ الذي كتبَ الصحائفَ كلَّها = كلُّ الحروفِ صدىً، وأنتَ أصيلُ
أنتَ السليلُ لأحمدٍ خيرِ الورى = والخيرُ، كلُّ الخيرِ، منكَ سليلُ
كلَّ المنايا قد جرعتَ، أخفُّها = تلكَ التي كانتْ وأنتَ قتيلُ!
فجرعتَ موتَ الصحبِ تترى والألى= عطشَ الصغارِ، له الجبالُ تهيلُ!
ثُكلَ النساءِ، دموعَهنَّ، وإنْ بدتْ =ليستْ دموعاً، فالعيونُ محولُ!
وصراخَهنَّ، وإنْ تكتّمَ في الحشا =إذْ هُنَّ خِدرٌ، جدُّهنَّ رسولُ
والأكبرَ الوهّاجَ، بين سيوفِهم = نهْبٌ، علَتْهُ أسنّةٌ وخيولُ!
والأصيدَ العبّاسَ، ظهرَك مذْ سعى،= قمرَ العشيرةِ إذْ عراهُ أُفولُ
* * * * *
إنّ الخطوبَ، وإنْ تعاظمَ هولُها، =في جنبِ خطبٍ في الطفوفِ قليلُ!
لمّا النبالُ تخيّرتُ لنصالِها = أنْ ترشُقَ الإيمانَ وهو يصولُ !
وكذا السيوفُ، ولم تكنْ مجبورةً، =إذْ أصبحتْ وخضابُها التهليلُ!
ثمّ الأسنّةُ بعدَ طعنٍ للهدى = شرَعتْ بهاماتِ الصلاةِ تجولُ!
لكنّ ما جعلَ العيونَ سحائباً = للدمعِ: زينبُ، إذْ جرى الترحيلُ!
مِن بعدِ أنْ حرقوا الخيامَ خساسةً! =فيها على ضَغنِ الحشا تدليلُ
وعَدَوْا وراءَ الطاهراتِ! كأنّهم = ما مرَّ في أسماعِهم تنزيلُ!
سَلَبوا، وسَبُّوا، واستهانوا. بئسما =طُويتْ عليهِ من الضلالِ عقولُ!
آهٍ، وأيَّ الخطْبِ أذكرُ؟! إنّهُ = في كلَّ خطْبٍ فالمُصابُ مَهولُ!
أَدَمَ الرضيعِ؟ وقدْ رماهُ إلى السما =عَجَباً فلا ترميهِمُ السجّيلُ!
أَفَكانَ أكرمَ مِن حسينٍ وابنِهِ = - في قومِ صالحَ – ناقةٌ وفصيلُ؟!
كلّا، ولكنْ حكمةٌ خفيتْ، فلا = يرقى إليها العقلُ وهو كليلُ
أمصابَ زينبَ؟ إذْ ترى إخوانَها = لا اللحمُ لحمٌ، لا العظامُ مُثولُ!
وتروحُ تبحثُ بين قتلاها، وإذْ = كفُّ الكفيلِ، ولا هناكَ كفيلُ!
أوّاهُ، ما هذا المصابُ!! قلوبُنا = لحمٌ، وهذا النّارُ والتنكيلُ!
وأكادُ أزعُمُ أنّهُ مُذْ كربلا = فالغيثُ دمعٌ، والرعودُ عويلُ!
وإذا تعنُّ على الخيالِ رقيّةٌ = فإذا فصولٌ للأسى وفصولُ!
وإذا التفجّعُ في القلوبِ كخفقِها = وإذا التوجّعُ في الحشا تقتيلُ!
أمّا بذكرٍ للعليلةِ فالنّهى = لتحارُ أنّ الأرضَ ليسَ تزولُ!
ولذاكَ، فالسجّادُ ظلَّ سحابةً = للدمعِ جالتْ حيثُ كان يجولُ!
ولو البحارُ دموعُه، بل ضعفُها = فلصبّها، ولقالَ: ذاكَ قليلُ!!
* * * * *
سأقولُ للنحرِ الذي روّى الهدى: = لولاكَ فالإسلامُ فينا قتيلُ !
لولا دماؤُكَ أضرمتْ جمرَ الإبا = فينا، فإنّا: خانعٌ، وذليلُ !
واللهِ، لولا كربلاءُ حسينِنا = فلَما استمرَّ بثغرِنا الترتيلُ !
ولما المآذنُ كبّرتْ مذْ يومِها! = هذا أقولُ كما الصلاةَ أقولُ
* * * * *
تلك الوغى ليستْ تفارقُ بالنا = يبقى لها فينا دمٌ وصهيلُ !
تبقى القَنا وكأنّها بصدورِنا = ويظلُّ في أُذُنِ الزمانِ صليلُ !
تبقى دماءُ السبطِ تجري مُلهِماً = في كلِّ يومٍ مِن دماهُ سيولُ !
تحمي الولاية والولاءَ، وإنّها = إرثُ الرسولِ، وإنّها لَرسولُ !
* * * * *
يا ليتني كُلّي أيادٍ ترتوي = من لمسِ قبرِكَ، ليس عنكَ رحيلُ
أو أنّني كلّي شفاهٌ، شغلُها = فوق الضريحِ اللثمُ والتقبيلُ
أو أنّني كلّي خُطىً تسعى، وما = بحياتِها إلاّ الحسينُ سبيلُ
لهفي على نفسي، جفوتُكَ سيّدي = وعطاءُ نحرِكَ في الحياةِ هطولُ !
لكنْ أحبُّكَ. ليس من قلبٍ بهِ = بعضُ الشذى إلاّ إليكَ يميلُ
https://telegram.me/buratha