تَدْري ! صَمَتَّ ، فقال الناسُ : لا تَدْري
لَمْ يقْرؤوا صَحْوَةَ المَعْنى على الثَّغْرِ
وكُنْتَ بَحْراً سماوِيَّ النَّدى سَمِحاً
وقَوْلُكَ الفَصْلُ كالمَرْجانِ في القَعْرِ
جفَّ الغَمَامُ ، فَعَلَّمْتَ المدى لُغَةَ
الماءِ الفَتِيِّ ، فَبَشَّتْ ضِفَّةُ النَّهْرِ
يا سَيِّدَ السِّرِّ : مَنْ يُنْبي طُفُولَتَنا
عَنْ ضِحْكَةِ العِيْدِ ؟ عَنْ تَعْويذَةِ السِّرِّ ؟
قُلْ كَيْفَ أَيْنَعْتَ في صَحْراءِ حَيْرَتِنا ؟
وكيْفَ أنْبَأْتَنَا عَنْ مَطْلَعِ الفَجْرِ ؟
وكَيْفَ أمْطَرْتَنا فِكْراً ، وها عَبَسَتْ
قَوَافِلُ الغَيْمِ إلا غَيْمَةَ الفِكْرِ
كُنَّا غَفَوْنا عَنِ الأَحْلامِ
مُذْ سَرَقوا بَحْرَ الحِكَاياتِ
لَمْ نَسْأَلْ عَنِ البَحْرِ !
رَسَمْتَ فينا شِراعَ الأمْنِياتِ على
سَفينَةِ الأَمَلِ المَوْعودِ باليُسْرِ
قُبْطانَ آهاتِنا : أَبْحِرْ ،
نَمَا أُفُقُ الإشراقِ
صُبَّ هُدًى في حلْكَةِ العُمْرِ
يا نَخْلَةَ العُمْرِ قولي : ما انْتَهى عُمْري
أنا ابْنَةُ الشَّمْسِ ، لَنْ تَسْتَمْرؤوا تَمْري
لَنْ تَجْرَحوا الرَّمْلَ ، فَهْوَ الآنَ مُنْشَغِلٌ
بالحُسْنَيَيْنِ : عطاءِ الرُّوحِ والنَّصْرِ
لي كَرْبَلاءُ ، وللخَيْباتِ خَيْبَرُها
ولَسْتُ أحني وبي بأسُ الأُلى يَسْري
لوْ نَازَعَتْنِيَ ريحُ الغَرْبِ أُرْسِلُها
الرِّيحَ العَقيمَ على حَمَّالَةِ الغَدْرِ
ولا تَقُولي لهذي الأرْضِ : يا بَلَدي
إلَّا إِذا اسْتَعَرَتْ جَمْراً على الجَمْرِ!
للأَرْضِ رائِحَةُ الأصْلابِ ، إنْ نَزَفَتْ
قيلَ الإباءُ تَنَدَّى ، قيلَ : والعَصْرِ
وقيلَ مَرُّوا - رِجالٌ - فانْثَنى وَجَعٌ
وقِيلَ يَبْتَكِرونَ الوَرْدَ في الوَعْرِ
داسوا على المَوْتِ والأَقْدارُ في يَدِهِمْ
أَنَّى اسْتَدَاروا فَأنوارُ الهُدى تُثْرِي
هُمُ الأَبابيلُ ، إمَّا ضَلَّ أَبْرَهَةٌ
راحَتْ تُبَعْثِرُهُ ذَرّاً على القَفْرِ
وهُمْ صِلابٌ ، فُراتيُّونَ قَدْ جُبِلوا
بالأقحُوانِ فلا تَعجبْ مِنَ العِطْرِ
عِطْرُ الكراماتِ مسفوحٌ على مُدُنٍ
صيغَتْ مهابَتُها بالأذْرُعِ السُّمْرِ
هُمْ وثبةُ الضَّوءِ
لمَّا اللَّيلُ باغَتَهُمْ
تَوزَّعوا في المدى كالأنْجُمِ الزُّهرِ
مضوا إلى حيثُ كانَ الموتُ مُحتَشِداً
مُذْ قالتِ الأرضُ : أجسادُ الأُلَى مَهري
وكانَ فيهِمْ فتًى مِنْ فَرْطِ لَهفَتِهِ
لبَّى النِّداءاتِ مَشنوقاً على الجِسْرِ
لا يُقْفِرونَ منَ الإيثارِ ..
أهلُ نَدًى
حتَّى وَلَوْ لَوَّعتهُمْ طَعنَةُ الفَقْرِ
حَشْدٌ مِنَ الظَّفَرِ المكنونِ في رئةِ
الأرضِ الشهيدةِ
حُرّاسُ المدى الثَّرِّ
وهُم أفانينُ مَجْدٍ شاهقٍ خَضِلٍ
مُخَضَّبٍ بِدمِ العالينَ .. مُخْضَرِّ
لا يُجْدِبُونَ ، وإنْ أزرى الزَّمانُ بِهِمْ
ولا يصيرونَ مِنْ أوراقِهِ الصُّفْرِ
شَبُّوا على عِزَّةٍ
واجَّاذبوا مَطَرَ المجدِ الأثيلِ
وخَطُّوا سورَةَ الدَّهرِ
أنَا الجَنوبِيُّ ، إِسْرائيلُ تَعْرِفُني
مُرّاً ، وما كُنْتُ أُعْطِيها سِوَى مُرِّي
كانَتْ شَظَايايَ في الوِدْيانِ مُوْلَعَةً
بالسِّنْدِيانِ ، وُكُنْتُ النَّهْرَ إِذْ يَجْري
لمَّا مَرَرْتُ على القِنْدَوْلِ حَمَّلَني
شَوْكَ الإباءِ ، وأشْلاءً مِنَ الزَّهْر مَضَيْتُ أَحْمِلُ في اليُمْنى مُقاوَمَةً
وَضِيئَةَ الفِكْرِ ، إِرْثاً مِنْ أَبي ذَرِّ
وريشَةُ الحُبِّ في يُسْرايَ راعِفَةٌ
لِتَرْسُمَ المَجْدَ مِنْ جُرْحي على الصَّخْرِ
https://telegram.me/buratha