كاظم الخطيب
جسد ملقى على قارعة الطريق، ملابس رثة، رائحة غريبة- ليست بالعفنة أو الكريهة- تشبه رائحة التراب، وكهولة تتوشح بوقار لافت، وبنية هزيلة تبدو عليها عزيمة وطن، وبقايا من حطام إنسان.
ذاك هو الشبح الذي ترائى لي حينما كنت أتفقد الطرقات تيهاً، واُلهب اللحظات فكراً، علني أجد من يدلني على بارقة من أمل، أو يهدي قلبي، لحظة من أمان، أو أن يجيب عن تساؤلي.. لم نحن؟ لم ليس سوانا؟.
مررت بجانبه محاولاً أن أتجاهله، وأن أجنب نفسي عناء معرفة حقيقة أمره، لأنه لم يعد بقلبي متسعاً للوعة أو أسى، وأنا أحدثه- قلبي- يا قلب طب نفساً فلست مكلفاً إياك إلا وسعك.
ما أن تقدمت بي الخطى واجتزته- ذلك الشبح- حتى تناهى لسمعي هديراً ناعماً، وزئيراً ناغماً، من ذلك القفص الصدري الصدء، وتلك الحنجرة اليابسة، وذلك الجسد الهزيل..
سمعته يقول وهو يئن صبابة، ويكتوي شجناً.
" شراً تأبطت المنون بغيها
وتسارعت جرياً
بطي الأرض نحو عقيدتي
وتوحدت كل الإرادات
برغم شذوذها وخلافها
قد صيرت هدفاً لها
فكري وإرثي
حاضري وحضارتي
وغدت سهام العابثين تنوشني
وإحتوشت بنصالها
كل سيوف البغي
ثوب طهارتي
وإذا بمن غذته أرضي باعني
بخيانة اللقطاء
دنس تربتي. "
تسمرت قدماي، ولم تعد تعرف من أبجديات الخطى شيئاً، وهمست روحي لصيوان مسامعي أن "هلم نصغ علنا نبلغ غاية ومراداً".
دنوت منه قائلاً على وجل، هلا أجبت تساؤلي؟ وأنرت لي درب الحقيقة، بعدما تاهت مصاديق الحقائق، وإنطوت في لجة التأريخ فحوى مناقبي.
أشار لي وهو يهز برأسه مُرَحباً، وأجازني كرماً بطرح تساؤلي.
بادرته فوراً وكلي لهفة، والقلب يخفق راجيا من أن ينال جواباً.
وسألته..
من ذا الذي يسمو على ألقي؟
من ذا الذي يرقى إلى أفقي؟
من ذا الذي قد كان في لحظات منطلقي؟
من كابد الآلام والآهات والمحنا؟
من قدم الأرواح كي يبني لهم وطنا؟
من قال نحن، وجُلَ القوم قالوا أنا؟
فأجابني متسائلاً من أي أرض قد أتيت ومن تكون؟
فأجبته..
من بلد تهوى المقابر والمَنون
من بلد أيامها تعدو كما تعدو السنون
من بلد قد ساسها رهط جلاف مارقون
يا سيدي فأنا وقومي دائماً مستهدفون
من أمة ما حدها حد ولا صارت وطن
وأذاقها مليون حجاج أعاجيب المحن
من أمة شيعية ليس لها من قدر إلا القيام
من أمة ما كفرت، لكنها تبعت من الحق إمام
من أمة أزلية علوية حمراء من سيل النحور
من أمة أبنائها كانوا قرابيناً على مر الدهور
يا سيدي.. أرجوك.. أرجوك.. أجب
فليس في الأمر مزاحا أو لعب
فقال لي سوف تعانون من الظلم زيادة
فدروبكم وقلوبكـم شتى وتنقصكم قيادة
ياولدي كل الطوائف والمذاهب والنحل
ترقبكم لكن على خـوف عظيـم ووجـل
لأنكم يا ولـدي سـوف تسودون البـلاد
وتنشرون العدل في بحر وفي سهل وواد
وسوف تدعون الخلائق للفضيلة والرشاد.
ثم سكت، وهو ينظر إلي وكأنه يتفحص ملامحي، وقد بدت على محياه إبتسامة لطيفة، ثم قال مكملا لحديثه، وهو يهز رأسه بهدوء مؤكدا لأمر ما. |
يا ولدي إن لكم نهج رصين
ماضيكُمُ طلبا لثارات الحسين
حاضركم إنموذجاً للثائرين
أما غداً..
وسكت وهو يراقب لهفتي وترقبي لما سنكون عليه غداً، زم شفتيه مبتسماً، وقال
فأنتم الوارثون
من أزل لأزل صائرون
فأنتم يا ولدي خالدون.
حين ينادي في السموات ملك
ما مات قائمكم ولا بواد قد هلك
هذا إمام العصر مهدي الأمم
سيدها الحصري هذا المنتقم
هذا هو المندوب في رد الحقوق
لأمة قد مارست كل فنون العقوق
بالعدل والإحسان والعلم يسود
أنس وجان بين كفيه جنود
فأنتم في حبه مفعمون
وللقيام دائما راغبون
حتى غدت تبغضكم كل الملل
وكفروكم في المذاهب والنحل
فذنبكم حب علي المرتضى
ذاك الذي بحبه الله قضى
على الجميع حاضرا ومن مضى
ومن أبى فسوف يصلاه سقر
لواحة لمبغضيه من البشر
لا تبقي منهم آثماً ولا تذر
يا ولدي يا من تسائل دائماً
وغدى على واحة فكره هائما
لم يقتلوني رغم إني مسالما
يا ولدي يا بن عصارات الأمم
يا بن المناقب والمفاخر والشيم
يا من تزينتم بإيثار وإخلاص ودم
فأنتم يا ولدي دوما جنودا حاضرة
وللحقوق وللمظالم دائما مناصرة
لكن حذاري من طعون الخاصرة
لأن فيكم ثلة يا ولدي خائنة
مع العدى خانعة ذليلة مداهنة
عصابة ضعيفة هزيلة وواهنة
يا ولدي فالفصل في الخطاب
كي تلجموا الفساد والإرهاب
فجففوا ياولدي منابع الأحزاب
https://telegram.me/buratha