الشعر

هوامش الشجن في نواح (الأبوذية)...

2607 2020-12-18

 

نعمه العبادي|

 

يعد (الأبوذية) أحد اقدم وأهم اشكال الشعر الشعبي، ومع الاختلاف في سرديته التاريخية، فإنه يرتبط موطناً بجنوب العراق، وتحديدا بأهواره، ويرى البعض، ان جذوره الاولى تعود الى الشعر النسائي، وهو صورة وجدانية غارقة في الحزن والرهافة، ومترع بالمشاعر والاحاسيس، ويكفي ان اسمه يقترن ب (الاذى)، فهو كناية عن الالم الذي يعبر عنه، والشكل المعهود لهذا اللون الشعري، يتكون من اربعة اشطر، تنتهي الثلاثة الاولى منه بكلمة متشابهة في اللفظ ولكنها تستعمل بمعاني مختلفة في كل شطر، ثم الشطر الرابع وهو (القفل) وينتهي بحرف الهاء، لكي تستقيم موسيقاه، ويغنى بطريقة جميلة، واذكر احد ابيات الابوذية انموذج للتطبيق على ما تم توضيحه أعلاه:

صديج اللي يودنه مر علينه (أي زارنا من المرور)

لفه وألگه وكتنه مر علينه (من المرارة وهي كناية عن عسر الحال)

مره إلنه الليالي ومر علينه (أي تتناوب المرات فمرة يسر ومرة عسر)

يروحي لا تلوحچ مهضميه..

ويمثل الابوذية مادة الغناء الريفي، وهناك اطوار وألوان مختلفة لغنائه أشجاها الطور العلواني، والذي يغنيه ببراعة اهل الاهواز.

يعمد معظم مغني الابوذية لاضافة عبارات شعرية، والتي اسميتها بهوامش الشجن، والتي يذكرها (غناءاً) بين الاشطر او بين بيتين، وبحسب معرفتي، لا يوجد رصد بحثي لهذه الهوامش التي تمثل عبارات شعرية مضغوطة معبئة بدلالات حزينة ومؤثرة، ربما تفوق اثر الابوذية نفسه، ومعظمها تقال بلهجة شعبية يصعب فهمها على من ليس له احاطة بالكلام الشعبي المعتق، فمن هذه الهوامش (كاغد وجاسه الماي گلبي)، والكاغد هو الورقة، وهنا يصف حال قلبه، بأنه اشبه بورقة اصابها الماء، (كل البله منك يا عيني)، اي كل مصدر اذيتي من عيني، (جامه وسحگها الريل گلبي)، الجامة هي الزجاجة، والريل هو القطار، ولك ان تتصور كيف يصبح حال الزجاجة عندما يدوس عليها القطار، (جندوب أگولن بعد روحي)، اي الى متى اتوسل الاخرين في اموري، (يمرون ويشلعون گلبي)، وهو كناية عن تأثره من رؤية الاحبة، (أهلنا يا.. الضيعونه)، اي اهلنا هم الذين تسببوا في اوضاعنا، وهكذا، توجد عشرات الهوامش الوجدانية المؤثرة التي تمثل اقرب الى الضرورة اللحنية اثناء الغناء، ولكنها في ذات الوقت، تكشف عن احساس مجروح تترجمه هذه العبارات المؤثرة والمميزة..

كثيرا ما استوقفتني هذه الهوامش في صياغتها المكثفة، والتي تعبر عن حالات مختلفة من الالم والحزن والعشق، وبطريقة تنساب مع سياق النماذج المختلفة من الابوذية، والتي يمكن احصائها في دراسة ثرية نفسية وادبية واجتماعية، تكشف عن المكون النفسي للمجتمع..

اتمنى ان تكون الوجبة خفيفة الظل على قلوبكم...

الصورة لشاعر الابوذية الشهير ابن سوق الشيوخ (ابو معيشي)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك