التقارير

تجارب التدخل السعودي في العقود الثلاثة الأخيرة !

1676 09:14:00 2012-07-21

 

في تجارب التدخل السعودي في العقود الثلاثة الأخيرة يمكن ذكر ثلاثة نماذج:  النموذج الأفغاني، الذي بقدر ما وهب النظام السعودي فرصة للحد من تأثيرات الثورة الايرانية في العام 1979، حيث أن الساحة الأفغانية ساهمت في الابقاء على دور الرعاية لدى آل سعود في المجال الإسلامي السني، الى جانب نقل مجاميع شبابية الى منطقة نائية يزاولون فيها (سياحة) الجهاد على طريقتهم، عبر الانخراط في الصراع الدولي بين القطبين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيياتي. ولكن هذا النموذج ما لبث أن تحوّل الى كابوس فاق عليه العالم في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وبات النظام السعودي يحصد ثماره المرّة منذاك حتى الآن، وهو ما يجعله حذراً في تنشئة عفريت آخر لتخويف الآخرين منه ثم يصبح هو مصدر خوفها الدائم.

2/ النموذج العراقي: منذ سقوط النظام الصدامي في 9 إبريل 2003، بدأت البيانات الصادرة عن مشايخ الصحوة والتشكيلات الناشئة عنهم تشحن الأجواء السلفية بموجات تحريض ضد معادلة الحكم التي أعقبت سقوط النظام، وراح المشايخ يهللّون بلغة طائفية منفلتة تحت عنوان (الدفاع عن أهل السنة في العراق)، الى حد أن الاعلام السعودي الرسمي بات أسير خطاب غرائزي بنكهات طائفية مقيتة. وفيما كانت التعبئة القتالية وفتاوى التكفير وحملات التبرّع بالمال للجماعات القاعدية تنتقل الى العراق، وتحصد أرواح العراقيين دون تمييز العسكري عن المدني، والمرأة عن الرجل، والطفل عن الشيخ، والسني عن الشيعي، والمسلم عن المسيحي، والمرافق الحيوية للمجتمع (المدارس، والشوارع، ومحطات الكهرباء، والجسور، ومنابع المياه، ورياض الأطفال)، عن المنشآت الحكومية والعسكرية..كلها كانت أهداف مشروعة بالنسبة للمقاتلين والجماعات القاعدية التي تتلقى الدعم المالي والمعنوي والعقدي من مشايخ المؤسسة الدينية ومن مشايخ الصحوة أيضاً الذين يناصرون الثورة والحرية والديمقراطية حالياً..!

كان النموذج العراقي في التدخّل السعودي من أسوأ أنواع التدخل، لأنه كان يستهدف النيل من حق الحياة، ويطمح إلى إفراغ كل ما تربى عليه الأفراد في المدرسة السلفية من تعاليم راديكالية واستئصالية ضد الآخر قام بتطبيقها عملياً، فكان يقود الشاحنات الانتحارية لتفجيرها وسط الأسواق، وبالقرب من المدارس، ووسط طلاّب الجامعات لأن جميعها تعتبر في نظره أهدافا مشروعة ترضي الرب وتوصل الى الجنة على الفور وتضمن وجبة عاجلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!

حشود العناصر المقاتلة التي انتقلت الى الساحة العراقية تحت عنوان مقاتلة (الصليبيين والروافض..) لم تكن دونما غطاء رسمي ديني وسياسي، بل إن الساحة التي يقاتل فيها القاعديون الآن من سعوديين وأجانب أي حمص وحماة ودير الزور والقامشلي، كانت في يوم ما قاعدة لانطلاق المقاتلين الذين يتقاطرون عبر طائرات تأتي من جدّة ودون هويات ووثائق سفر وتحط في تلك المدن حيث يعبر منها الى الساحة العراقية لتنفيذ عمليات التفجير والتفخيخ..

ولكن أثبت غالبية الشعب العراقي بأنه شعب يريد الحياة، ويرفض دعاة الموت، ونجح في كسر مخطط السعودية ودول خليجية أخرى مثل قطر والإمارات التي كانت تساهم في تمويل الجماعات المسلّحة، وتراجعت موجات العنف، مع أنه لاتزال مجموعات القاعدة والعناصر المقاتلة المدعومة من دول الخليج " الفارسي "تعمل الى جانب فلول النظام البعثي السابق من أجل تخريب العملية السياسية وإعادة عقارب الساعة للوراء.

3/ النموذج السوري: قبل أكثر من عام، كان الحديث السائد وسط التيار السلفي السعودي يدور حول سبل مساعدة ما يسمى بالثوّار السوريين، وليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أن يكون اختيار المناطق و"الثوّار" انتقائياً، فأين ما تواجدت عناصر للتنظيمات المرتبطة بالقاعدة، كان استهدافها بالمساعدات والتعبئة والنشر مركّزاً..لمناطق، ومدن، وحتى قرى سورية رمزيتها في الوعي السلفي الوهابي، لأن بعضاً من رموز السلفية تتحدّر من بلاد الشام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن القيم والشيخ ابن كثير والشيخ ناصر الألباني والشيخ جمال الدين القاسمي وغيرهم..على أية حال، فإن غالبية الشعب السوري تنتمي الى المذهب الشافعي وهناك من أتباع المذاهب الاسلامية الأخرى أيضاً..

حلم لطالما راود التيار السلفي الوهابي بزوال النظام السوري الحالي، وإقامة دولة على المذهب السلفي، رغم أن أتباعه أقلية في سورية، ولكن كما هي عقل (الفتوحات) وأدبيات (الغزو والرباط)، فإن الأمل الذي يحدو السلفيين هو تغيير وجه سورية الحالي.

منذ انطلاق الثورة الشعبية في درعا وانتقالها الى الشمال الشرقي بدت عمليات التعبئة والاستنفار في الوسط السلفي على المستويين الرسمي والأهلي، بل ثمة في تصرّفات المشايخ والدعاة وحتى رجال الحكم السعوديين من اعتبروا ما يجري في سورية معركتهم وحدهم دون سواهم، ولذلك يكاد ينحصر التفاعل مع الحدث السوري في هذا البلد، وفي منطقة وجماعة واحدة.

مبادرة تسليح "الثوّار" سعودية بامتياز، رسمية وشعبية، لم تنطلق دعوة بهذا الوضوح والزخم الشعبي والديني كما انطلقت في نجد، فيما يعارض عدد كبير من قادة المعارضة السورية الانزلاق بالثورة الشعبية السلمية الى العنف.

ما يجري الآن من حملات التحريض والتعبئة والتحشيد والخطاب المنفلت يستعيد أجواء الثمانينات حين كانت الدولة بمؤسساتها الدينية جمعياتها الخيرية تعمل دون هوادة لنقل الفائض من المال والسخط والشحن الديني الى الساحة الأفغانية لمواجهة القوات السوفييتية، في سياق مشروع أميركي أوسع.

يدرك النظام السعودي مخاطر هذا الجو المصنّع حالياً في معقله التقليدي، أي نجد، ووسط أنصاره، فيما المناطق والفئات الإجتماعية الأخرى لا تكترث لمزايدات النظام الذي يحارب بالثورة السورية من أجل مآرب أخرى..ولذلك، فإنه وحده من يستشعر خطر هذا النوع من التعبئة غير المنضبطة التي يقودها مشايخ ودعاة بعضهم يريد الشهرة، وآخر يريد الثراء، وثالث يريد توظيف التفاعل الشعبي لدعم مشروع القاعدة وتمرير أموال الى جماعاتها في الخارج.

بدا آل سعود كما لو أنهم قادرون على خطف اهتمام الرأي العام المحلي ونقله الى خارج الحدود، ومشاغلته بالثورة السورية التي تكاد الوحيدة التي حظيت باهتمام رسمي سياسي وديني بخلاف الثورات العربية الأخرى التي إما بقيت منبوذة الى حين تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في شكل الحكم، أو خضعت لتدخل سعودي عسكري أو مالي أو أيديولوجي أو مجتمعة.

فقد نشرت صحيفة (التايمز) اللندنية في 28 مايو الماضي تقريراً أكدت فيه تصعيد الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطر من دعمها لما أسمته الصحيفة بالارهابيين في سورية عبر تزويدهم بكميات كبيرة من الأموال تتجاوز كثيراً تعهدات الدولتين العلنية في مؤتمر (اصدقاء سورية) في اسطنبول شهر نيسان (إبريل) الماضي. وقالت الصحيفة ان الارهابيين حصلوا على تعزيزات جديدة مع استلامهم لأموال مهربة من دول الخليج  وبدء تدفق المجموعات المتشددة دينيا ناقلة عمن وصفته منسّق (الجيش الحر) في الخليج قوله إن (الرواتب التي تدفع لهم تضاعفت تقريبا هذا الشهر مع عبور كميات كبيرة من الأموال الحدود حالياً)، مشيرا الى أن هناك طرقاً عديدة لإيصال المال إلى البلاد يتم استغلالها جميعها الآن.

واضافت الصحيفة إن السعودية وقطر هما اللتان تقودان الاندفاعة لتمويل (الجيش الحر) في نفس الوقت الذي القت فيه المجموعات الدينية وعلى رأسها الاخوان المسلمون بثقلها المعتبر خلف جهود التمويل أيضاً مشيرة إلى أن قطر والسعودية ودولاً خليجية اخرى تعهدت بتقديم 100 مليون دولار في اجتماع (اصدقاء سورية) في اسطنبول، لكنّ ممثلي (الجيش الحر) أكّدوا بأن الرياض والدوحة مضتا أبعد بكثير من التزامهم ذاك وأنهما تعملان حالياً مع الولايات المتحدة والحلفاء الاقليميين لنقل السلاح إلى سورية. وأشارت الصحيفة إلى أن الدولتين كانتا متلهفتين للمساعدة في اسقاط القيادة السورية وغضتا الطرف عن المتبرعين الاثرياء والمجموعات المتشددة دينيا مستغلتين اطلاق ادارة أوباما العنان لهما للمضي في ذلك. وأكدت التايمز حصول المسلحين على أسلحة أحدث وأفضل ومن ضمنها قذائف مضادة للدبابات.

لا يكاد تقرير الصحيفة ينتشر حتى ارتفعت وتيرة حملات التبرع بطريقة فوضوية وغير مسبوقة عقب مجزرة حولة بالقرب من حمص، وانطلقت الدعوات من كل الأرجاء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تحث الناس على التبرع والتسليح بل والجهاد. وعاد مشايخ الصحوة بكل أطيافهم، فقد شارك الشيخ الصحوي سلمان العودة في لدعم الجيش السوري الحر منها (‎‫الشعب يريد تسليح الجيش الحر) وعارض في موضع آخر (‏منع التبرعات)، وكتب مقالاً في موقعه (الاسلام اليوم) بعنوان (الأسد فقد صوابه ودعم الجيش الحر صار واجباً). وا قتفى أثره مشايخ مثل ناصر العمر وعوض القرني وعايض القرني ومحمد العريفي.

الإعلامي جمال خاشقجي، مدير قناة العرب التابعة للوليد بن طلال، شارك على طريقته في التحشيد والتعبئة، وكتب في 29 مايو تغرّيدة بما نصّها (أهم دعم يجب ان يوفر للجيش الحر هو شبكة اتصال آمنة وفعالة تمكنهم من التنسيق بينهم في الداخل ومع المعارضة في الخارج وتمنع احتمال الخلاف بينهم). وكانت تغريدة لافتة، خصوصاً حين تصدر من رجل شبه رسمي، أو على الأقل محسوب على الرسميين. الناشط السياسي البحريني علي ربيعة تساءل: ألا يعتبر هذا تدخلاً في شئون دولة مستقله وذات سياده؟ فأجاب خاشقجي: ‏نعم ولكن لم تعد ذات سيادة؟ فدفع هذا الجواب فضول الناشط ربيعة لسؤال عن مزيد من التوضيح: نورنا يا أستاذ كيف لم تعد ذات سياده؟ وانقطع الحوار، ربما لإحساس خاشقجي بأن الوقت ليس للحوار وإنما لبث أفكار في كيفية إيصال السلاح والمساعدات، وسبل تكتيل وتوحيد صفوف قوى المعارضة.

كان يمكن أن يكون 27 مايو يوماً حاسماً في المجتمع السلفي، حيث أمكن استغلال الإنفجار العاطفي لصالح ما كان يضمره الصحويون والقاعديون وحتى اللصوص في ثياب دينية من خطط. اللافت، أن سبل المساعدة تبدأ بالمال وتنتهي بالمال أيضاً خصوصاً في الوسط الصحوي، أما المقاتلون فيتكفّل به أفراد آخرون خضعوا تحت تأثير مغنطة التوجيهات الدينية المزخومة بالوعد والوعيد..

كان يمكن أن يكون ذلك اليوم بداية مرحلة جديدة يستعيد فيها المشايخ زمام المبادرة وتحييد الدولة وعزلها تدريجاً، وما يضمره ذلك من تنشئة أجواء مناسبة لولادة شكل متطوّر من القاعدة تكون فيها سورية منطلقاً لكل خارطة العمليات العسكرية العابرة للدول والقارات..ولكن على ما يبدو، تنبّهت الحكومة الى خطورة خروج مشروع توجيه وتمويل وتسليح الثورة السورية من يدها، فقرّرت أن تأخذ إجرءات فورية وحاسمة

12/5/721

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك