التقارير

مئوية الحرب العالمية الأولى.. ماذا ينتظر العالم.. بلا سلام؟

1574 19:21:00 2014-01-29

100 عام مرت على الحرب العالمية الأولى التي غيّرت جذرياً النظام الدولي الذي كان سائدا آنذاك.

حصدت الحرب 40 مليون قتيل، ودمرت أربع إمبراطوريات: الألمانية، المجرية، الروسية والعثمانية. قبل اندلاع الحرب العظمى، كان مركز توازن القوى العالمي في أوروبا؛ وبعدها ظهرت الولايات المتحدة واليابان كقوتين عظميين. كما بشرت الحرب أيضاً بالثورة البلشفية في العام 1917، ومهدت الطريق للفاشية وأسست للحرب العالمية الثانية، وانعكست مصيرياً على المشرق العربي، فقسمته سياسياً ومجتمعياً بموجب اتفاقية «سايكس بيكو» و«وعد بلفور» وأنظمة الاستبداد والتبعية.

وزير الخارجية البريطاني سير إدوارد غراي «توصل إلى اعتقاد مفاده أنه لم يكن بوسع أي إنسان أن يمنع اندلاع تلك الحرب».

سؤال ما زال مطروحاً الآن مع تزايد المخاوف من تكرار الحرب الساخنة بعد أن عرف العالم حرباً باردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي تتجدد ملامحها اليوم. وينقسم العالم بين نظرة متشائمة تتوقع الحرب ونظرة متفائلة تبشر بعالم أفضل أكثر أماناً.

هل نحن على أبواب حرب عالمية ثالثة؟ أهل التكفير يشنون شكلاً من حرب إرهاب عالمية ضد كل من يخالفهم الرأي. حركات المقاومة تتحول إلى نوع من الحرب العالمية ضد المظالم والاحتلالات. فضلاً عن عولمة الإرهاب والمقاومة، يرسم آخرون سيناريوهات حرب عالمية كلاسيكية متوقعة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، ويتساءلون: هل يمكن تفاديها؟.

مارجريت ماكميلان، مؤلفة كتاب «الحرب التي أنهت السلام» تقارن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة اليوم بالعلاقات بين ألمانيا وبريطانيا قبل قرن من الزمان. مقارنة مماثلة أجرتها مجلة «الإيكونوميست». أما جون ميرشايمر، من علماء السياسة في جامعة شيكاغو، فيتوقع أن «الصين من غير الممكن أن تصعد بشكل سلمي».

لكن الحرب مستبعَدة لأن الفجوة الإجمالية في القوة اليوم بين الولايات المتحدة والصين أعظم من الفجوة التي كانت بين ألمانيا وبريطانيا في العام 1914.

منذ صعوده إلى أعلى مناصب الحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني 2012، اعتمد شي جين بينغ إستراتيجية سياسية استلزمت تشديد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الإيديولوجيا، وشن حملة صارمة ضد الفساد الرسمي، وقمع المعارضة، ومناصرة سياسة خارجية أكثر قومية، وخطة جريئة إلى حد غير عادي للإصلاح الاقتصادي. لمواجهة هذه التحديات يتخوف المتشائمون من أن ينزلق «شي» إلى نزاع مع اليابان قد يتطور إلى حرب عالمية.

إن إعلان الصين مؤخراً عن إقامة منطقة تحديد دفاع جوي تغطي جزر سينكاكو المتنازع عليها، يشير إلى أن العلاقات الثنائية -التي بلغت أدنى مستوياتها في أربعين عاماً- سوف تستمر في التدهور. والمتشائمون يتوقعون أن تضطر الولايات المتحدة إلى دعم اليابان وإلحاق هزيمة عسكرية مذلة بالصين. بينما المتفائلون واثقون من أن شي لن ينجرّ إلى خوض مغامرة عسكرية مأساوية.

«التشاؤل» يتنازع جبهة الصين وأميركا، ماذا عن جبهة روسيا وأميركا؟..

يتخوف المتشائمون من أن قرار بوتين بالعودة إلى الصحوة الروسية وإحياء إمبراطورية من جديد قد يهدّد بإشعال حرب عالمية. ويذكر بأنه منذ قرن من الزمان كانت بداية حريق مدمر في أوروبا انطلاقاً من البلقان، فهل تتجدد الحرب العالمية الأولى انطلاقاً من روسيا بوتين؟.

يرد المتفائلون بأن عالم اليوم يختلف عن العالم 1914.

إيديولوجية الحرب باتت أضعف في الوقت الحاضر. في العام 1914، ساد تصور أن الحرب حتمية، وهي نظرة قَدَرية عززتها الحجة الداروينية الاجتماعية بأن الحرب مرحب بها، لأنها تعمل على «تنقية الأجواء»، مثل عاصفة الصيف، كما كتب ونستون تشرشل في كتابه «أزمة العالم». لذلك اندفعت الأمم بشراسة نحو النزاع والدمار، كأن العالم كان راغباً في المأساة.

لا شك في أن القومية تنمو اليوم خاصة في الصين وروسيا وقد تتواجه مع مصالح قوميات أخرى. شنت الولايات المتحدة حربين بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. لكن الدول الكبرى ليست مولعة بالقتال أو راضية عن الحروب المحدودة. لكن أي خطر مصيري بالمواجهة يمكن الحد منه باللجوء إلى الخيارات السياسية السلمية. وإمكانيات التعاون ما زالت أقوى من احتمالات الحرب في ما يتعلق بالعديد من القضايا. وانتهاج أي سياسة مغامرة من شأنه أن يعرّض مكاسب البلدان في الداخل والخارج للخطر. لذلك لديهم الخيارات والوقت لإدارة العلاقات بينهم بنجاح.

من بين الدروس التي ينبغي لنا أن نتعلمها من أحداث 1914 أن الحرب لا تكون حتمية أبداً، ولو أن الاعتقاد بكونها حتمية قد يصبح أحد أسبابها.

يصادف هذا العام حلول الذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى، ويُقال إن العام الذي شهد اندلاع تلك الحرب هو الأسوأ في تاريخ البشرية.. ولكن هل أصبح العالم مكاناً أكثر أماناً بعد مرور مئة عام؟..

إن الحرب العالمية الأولى لم تخلف نحو أربعين مليون قتيل فحسب؛ بل كانت أيضا مقدمة للحرب العالمية الثانية، وكانت سبباً في إطلاق سلسلة متوالية من إراقة الدماء التي بلغت حصيلتها نحو مئة مليون قتيل بحلول العام 1945 وتسببت في معاناة إنسانية على نطاق واسع.

بحثت أجيال من المؤرخين والخبراء وصناع السياسات بكل دقة في أصول الحربين العالميتين والتأمل في إيجاد صيغة بين القوة والعدالة في إدارة شؤون الحكم العالمي.

كانت الجهود المضنية التي بُذِلَت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لبناء مؤسسات حكم إقليمية وعالمية فعّالة، سبباً في الحد بشكل كبير من خطر وقوع كوارث مثل الحروب العالمية. بعد «عصبة الأمم» و«الأمم المتحدة» لا بد الآن من إصلاح المؤسسات الأممية وإيجاد صيغة أفضل لإدارة الأمم تكون أكثر فعالية ومشاركة وتعاوناً من أجل حل النزاعات وإيجاد عالم أكثر رفاهية.

عندما تقرأ صحيفة أو تشاهد الأخبار فسوف يبدو لك دوماً أن العالم ينتقل من سيئ إلى أسوأ. وتُسَلَّط الأضواء على المشكلة تلو الأخرى. وكلما كان الموت والدمار واليأس أعظم كان ذلك أفضل. يقول صحافي دنماركي: «القصة الجيدة هي عادة خبر سيئ».

بالمقابل، يجب الاعتراف بأن مؤشرات عدة تدلل على أن العالم يتحسن:

- تُظهِر بيانات صادرة عن البنك الدولي أن نسبة شديدي الفقر انخفضت إلى أقل من النصف خلال الأعوام الثلاثين الماضية.

- الأمية اليوم لا تزال تبتلي 20 في المئة من سكان العالم، ولكن هذه النسبة تشكل انخفاضاً حاداً على نحو 70 في المئة عن العام 1900.

- في القرن العشرين حصدت الصراعات أرواح 140 مليون إنسان، منهم 78 إلى 90 مليوناً في الحربين العالميتين.

- تكاليف الحرب العالمية الأولى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين بلغت تكاليف الحرب العالمية الثانية الضعف تقريباً، وهي اليوم نحو 1،7 في المئة. ومن المتوقع أن تصل بحلول العام 2050 إلى 1،6 في المئة.

يؤكد المتشائمون أن العالم لا يزال زاخراً بالمشاكل، كما تشير وسائل الإعلام كل يوم. لكن المتفائلين يركزون على اجتثاث الفقر، والقضاء على الأمية، وتعزيز السلام، ويذكرون أن العالم أصبح في المجمل مكاناً أفضل مما نتصور.

بعيداً عن التشاؤم، العالم أصبح بحاجة إلى رؤية أكثر إنسانية وأخلاقية لبناء إنسان جديد يعترف بالآخر ويضحي من أجل الغير ويهزم الأنانية وقادر على إطلاق ثورة ثقافية لعالم جديد.

هل نشهد موت الإنسان الفرداني الإلغائي للآخر العدواني الذي يزرع الحروب والدمار والخراب، كما بشرنا فوكوياما في ما سماه «نهاية التاريخ»، أم دخلنا مرحلة تاريخية لإنقاذ الحضارة والإنسانية بولادة إنسان جديد يعمل على إيجاد سبل جديدة للتعاون؟..

100 عام مرت على الحرب العالمية الأولى وما زال الإنسان يعيش صراعاً بين الحرب والأمان بين نزعته الداروينية العدوانية وبين توقه إلى تجسيد الأخلاق والقيم السامية في عالم جديد.

هل مات الإنسان أم ولد من جديد؟ سؤال يستحق التأمل والبحث في مئوية حرب، حتى لا تتكرر!!.

35/5/140129/ تحرير علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك