الدكتور خيام الزعبي-كاتب وباحث أكاديمي
قوضت فضيحة الفساد في تركيا سلطة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وبذلك واجه العديد من التحديات الخطيرة من قبل كل من العلمانيين المشككين بأجندته الإسلامية وحليفه السابق فتح الله غولن الذي أصبح من أكثر منافسيه، كما شجعت الإنتكاسات المتوالية في السياسة الخارجية والنمو الإقتصادي المتباطئ الكثير من الإنتقادات، وبذلك حاول أردوغان إصلاح الصورة المشوهة لحزبه “حزب العدالة والتنمية”، خاصة أن الإقتصاد لن يعطيه دفعة قوية إلى الأمام، إلا أنه من الممكن أن تسهم السياسة الخارجية في ذلك لاسيما وإن تمكن من جعل تركيا مرة أخرى لاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط.
وفي سياق متصل إنعكست الأزمة الحالية على الدور الإقليمي والدولي التركي في ضوء التراجع في العلاقات التركية مع الكثير من الدول العربية خاصة بسبب تأييدها للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، بالإضافة الى خلافات مع العراق ومصر والخليج، ومشاركة فعالة في ضرب ليبيا وتخريبها، وتورط في تفاصيل الحرب السورية التي وجهت العديد من الإنتقادات لحكومته وسياساته تجاه سوريا، وتورط حزبه في الإتفاق مع بعض المقاتلين الإسلاميين للعبور الى الأراضي السورية من خلال الأراضي التركية، وهو ما يعنى تحول تركيا الى طرف في الصراع الدائر داخل الأراضي السورية، أما على الصعيد الداخلي، يقف أردوغان عاجزاً أمام إنخفاض نسبة النمو الاقتصادي والتي، وإن كانت لا تزال تتعدى نسبة 4 بالمئة، إلا أنها تتناقص بعد عشر سنوات من النمو المطرد، كما أن أسلوب القبضة الحديدية التي إستخدمها ضد تظاهرات حديقة جيزي صيف 2013م، وتشدده في المسائل الإجتماعية صبت عليه سخط قطاع كبير من المجتمع التركي، وبالتالي يمكن القول إن سياسة تركيا في صفر المشاكل مع دول الجوار لم تعد موجودة، وبكل بساطة فشلت تركيا في التوصل الى تبني سياسة دبلوماسية واقعية حيال التغييرات التي تشهدها المنطقة على أثر الربيع العربي.
لا يخفى على أحد أن تركيا، بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر وتدهور العلاقة مع الخليج بشكل كبير وضبابية الرؤيا في سورية، تعيش الآن نوعاً من العزلة الإقليمية، كما أن إيران وفي ظل تدهور العلاقة مع السعودية إلى مرحلة غير مسبوقة والعلاقات العادية مع دول الجوار العربي بإستثناء العراق وعمان، تجد نفسها في حاجة إلى شريك «سنّي» في المنطقة، تنسج معه علاقة إستراتيجية لمواجهة الأخطار والتحديات التي تحدق بهما.
ففي المرحلة الراهنة، تسعى تركيا إلى مغازلة دول المنطقة التي كانت تختلف معها حول القضية السورية وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لذلك شكلت زيارة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف لأنقرة في 4 يناير الجاري وزيارة نظيره التركي، إلى طهران، نقطة تحول وإحياء للتعاون الإستراتيجي بين البلدين.
واليوم تأتي زيارة أردوغان إلى طهران، إلى ما هو أهم من التبادل التجاري الذي يتعدى العشرين مليار دولار والتعاون الأمني والسياسي القائم إلى ما يوصف بالتعاون الإستراتيجي، بل يأتي وعين الإيرانيين إلى مؤتمر جنيف2 لمعرفة مآل المفاوضات التي يخوضها الحليف السوري مع خصمه المعارض آملاً بوضع حد لإراقة الدماء والفوضى، فضلاً عن تطورات المنطقة بأكملها من العراق إلى لبنان واليمن، وحتى ما يجري في تركيا، بمعنى، يلتقي الإيرانيون والأتراك وكلاهما أحوج إلى الآخر، والموضوع هنا لا ينحصر بكونه سياسي أو عسكري أو إقتصادي، إنما الثلاثة معاً، لاسيما وأن البلدين يواجهان كلاً على حده، الحملة ذاتها التي تستهدف دورهما في المنطقة.
لقد كان لسياسات تركيا في تصفير المشكلات مع جيرانها أثر في إقتراب تركيا من الموقف الإيراني حيث كانت أنقرة، جزءاً من التحالف الغربي الذي يتبع سياسات معادية للقوى المعارضة للمشاريع الغربية في المنطقة لا سيما إسرائيل، لكن تطورين مهمين بدّلا من السياسات التركية المتبعة، الأول موافقة تركيا على نشر رادارات الدرع الصاروخية في الأراضي التركية في قمة لشبونة في خريف 2010 أي قبل إندلاع الثورات العربية، والتطور الثاني نشوب الأزمات والإحتجاجات في العديد من البلدان العربية ولا سيما في سوريا.
كما برز التقارب الإيراني التركي على خلفية توقيع إيران لإتفاقية جنيف النووية في العام الماضي، هذا ما أدى الى تغيير طريقة تعاطي السياسة التركية مع الأزمة السورية في المرحلة الأخيرة، وضرورات التوصل لحل سياسي لهذه الأزمة، على عكس ما إلتزمت به تركيا طوال الأزمة السورية، وإستبعاد إمكانيات التدخل العسكري لإنهائها، فضلاً عن المكاسب الإقتصادية التي ستجنيها تركيا من علاقاتها بإيران في ظل التوتر القائم بين إيران والخليج، وهو ما يدفع تركيا لأن تكون حليفاً إستراتيجىاً لإيران خاصة في حال تحرك الإقتصاد الإيراني بعد تخفيف العقوبات الإقتصادية، كما تحتاج تركيا لإيران، كونها تملك نفوذاً قوياً على الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، ولديها نفوذاً في سوريا. وهكذا، فإن تحالف تركيا مع إيران سيمكّنها أولاً من صفقات نفط حاسمة بينها وبين العراق، كما سيساعدها على ضمان نهاية الحرب الأهلية في سوريا، وبالتالي إلى تأمين وإستقرار الحدود بين الطرفين.
وبذلك يمكنني القول أن موقف أردوغان في سورية سمح له بالحصول على صداقة العديد من الحلفاء الأقوياء في بداية الأزمة السورية، ولكن هؤلاء تخلّو عنه واحداً تلو الآخر، فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تراجعا عن سياسة المواجهة مع إيران وسورية النظام، وإعادة النظر في مواقفهما السابقة، والتقرب من إيران وإعادة بناء تحالفات جديدة في المنطقة بأسرها، في ضوء هذه المعطيات ليس غريباً أن تتراجع أنقرة عن مواقفها السابقة التي إتخذتها في بداية الأزمة السورية، وتبحث عن تحالفات جديدة، هذا مما أثار إستغراب حلفائها القدامى في قطر والمملكة العربية السعودية خاصة، وجاء هذا التحول بعد إعلان المسؤولين الأتراك أن الحل السياسي هو الأساس لحل الأزمة، وهو موقف باتت تعبر عنه المواقف الإيرانية، على الرغم من عدم دعوة طهران لمؤتمر جنيف2 الذي يبحث حلاً سياسياً في سوريا.
رغم الخلاف الشديد بينهما حول أزمة سوريا، وحول كثير من ملفات المنطقة مثل العراق وآذربيجان وأقليم كوردستان شمال العراق، إلا أنهما لم يصفا بعضهما يوماً بالأعداء، دائماً هناك إصرار على صفة المنافس، وهي بالفعل تصف حقيقية العلاقة بينهما، وهي تنافس على بسط نفوذهما في المنطقة.
وبالتالي لم تنقطع العلاقة بين أنقرة وطهران، وإستمرت بالرغم من كل شيء، بل إنها كانت تتطور في كل ما ليس له علاقة بالملف السوري. وحتى سورياً، ظل التعاون في حده الأدنى في إطار تسهيل كل طرف لآخر عمليات إطلاق المعتقلين والتنسيقات الأمنية المرتبطة بالأمن القومي لكلا البلدين.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول أنّ العلاقات بين تركيا وإيران مرّت في مخاضات كثيرة، ولا سيما مع إندلاع الثورات العربية، لكنها لم تفقد يوماً روح التعاون وتحقيق المصالح المشتركة، ولا سيّما الإقتصادية منها، فالعلاقات التاريخية بين الدولتين كانت فرصة لهما لتعزيز مكانتهما الإستراتيجية، ولتعميق التعاون في مجال التنمية، ويكفي أن يتعاونا لحلّ الأزمة في سورية، وأن يجد البرنامج النووي الإيراني حلًّ سلمياً له، وبالتالي فإن تركيا ستلعب دوراً محورياً ومركزياً هاماً في المنطقة إذا إستطاعت تقوية وتعزيز علاقاتها مع إيران وخاصة بعد تراجع النفوذ الأمريكي وإتحاد الدول الخليجية مع إسرائيل في مواجهة إيران للهدنة والتواصل بين الأطراف.
19/5/140130
https://telegram.me/buratha