عمر الصلح
تُحاول موسكو التي كانت ولا تزال تلعب دور البوصلة السياسية للأزمة السورية منذ اللحظة الاولى، وبكلّ قدراتها التوصّلَ الى أيّ اتفاق مبدئي حول أيّ ملف من الملفات العالقة بين طرفي الأزمة لتتوّج به اعمال الجولة الثانية في جنيف.
ويدرك الديبلوماسيون الروس جيداً انّ تحقيق تقدم ايجابي في المفاوضات يحتاج الى تنازلات، حتى وإن كانت “مميتة”، أي خارج سياق الايديولوجيات التي تتبعها روسيا في ثبات إزاء كثير من الملفات، وتحديداً مع ظاهرة “الارهاب”، فالقيادة الروسية اثبتت مراراً منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين الى السلطة عام 2000، أنّ الحوار مع الارهابيين لا يندرج في قاموسها السياسي، بصرف النظر عن الكلفة والنتائج، وهذا ما تجلَّى في عملية “مسرح دار الثقافة” في موسكو عام 2002، عندما ضخّت القوات الخاصة الروسية غازاً كيماوياً عبر انابيب التهوية في القاعة، تلتها عملية اقتحام كبرى للمبنى الذي سيطر عليه 50 مسلحاً شيشانياً، ما ادى الى مقتل واختناق اكثر من 170 شخصاً.
تجربة روسيا الثانية تجسّدت عام 2004، بعد تمكن 31 إرهابياً من احتجاز اكثر من 1100 شخص في مدرسة “بيسلان”، وعلى رغم خطورة الموقف اقتحمت القوات الروسية الخاصة المدرسة بالدبابات والاسلحة الثقيلة، ما ادى حينها الى مقتل 320 شخصاً من المحتجزين من بينهم 186 طفلاً، ناهيك عن مئات الجرحى.
ولكنّ اعلان الخارجية الروسية أنّ “التوصل الى اتفاق لوقف العمليات العسكرية لثلاثة ايام بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة التي تسيطر على مدينة حمص القديمة لايصال المساعدات الانسانية واجلاء المدنيين، جاء بفضل الجهود التي بذلها الديبلوماسيون الروس وممثلو الامم المتحدة”، يشير الى انّ موسكو تعمل جاهدة لارساء توافق الحد الادني في أيّ من مسارات الازمة السورية وفق مبدأ “الغاية تبرّر الوسيلة”.
ولكنّ ثمّة مَن يرى أنّ “دخول الديبلوماسية الروسية على خط التفاوض مع المجموعات المسلحة التي وصفتها موسكو مراراً بالمتطرفة والارهابية، او حتى رعاية مفاوضات من هذا النوع ومباركتها وإن كان الهدف “هدنة إنسانية” يأتي خارج سياق النهج الروسي”.
ولعلّ المؤشرات السلبية التي تدور في فلك جولة جنيف الثانية دفعت موسكو الى تخطي الخط الاحمر في تعاطيها مع الارهاب، وتحديداً تشبّث طرفي النزاع في مواقفهما السابقة، اذ إنّ وفد الحكومة السورية المفاوض نائب وزير الخارجية فيصل المقداد عشية توجهه الى سويسرا ربط انجاح المؤتمر بوقف نشاط المجموعات الارهابية ومَن يدعمها اقليمياً ودولياً، ما يعني في اختصار انّ النظام السوري يذهب مجدداً الى جنيف على قاعدة “راوح مكانك” في العملية التفاوضية.
وعلى المقلب الآخر، فإنّ مواقف الإئتلاف المعارض ليست افضل حالاً، إذ إنّ مروحة مواقفه لم تتخطَّ اقصاء الرئيس بشار الاسد عن السلطة، وهذا ما بدا واضحاً خلال زيارة رئيس الإئتلاف احمد الجربا لموسكو وسعيه الى اقناعها بالموافقة على وضع “مرحلة الحكم الانتقالية” ضمن اولويات جولة جنيف الثانية، ما يعني أنّ مواقف طرفي الازمة لا تزال تراوح ضمن المربع الاول الذي انطلقت منه في آذار 2011.
ولا شك في انّ موسكو لم تُغير نهجها في التعاطي مع الارهاب، لكن بحسب مراقبين، فإنّ ما قام به اركان السفارة الروسية في دمشق على خط التفاوض مع المجموعات المسلحة في حمص هو بمثابة “خطوة بعكس السير” ولمرة واحدة، بهدف ردم الهوّة الكبيرة بين طرفَي الأزمة السورية.
18/5/140208
https://telegram.me/buratha