في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ العمل السياسي، يُعلن مرشح لرئاسة بلاده عن ترشحه من بلد آخر. فها هو القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع والانتاج الحربي المشير عبد الفتاح السيسي فعلها أمس في موسكو.
ما أن حطت طائرة وزيرَي الدفاع والخارجية المصريين المشير السيسي ونبيل فهمي في مطار موسكو حتى بدا واضحاً انّ عدة الشغل الروسية جاهزة لاستقبال رئاسي بكل المعايير المتعارَف عليها في عاصمة الصقيع.
وعلى رغم انّ الشوط الاول من المحادثات المصرية ـ الروسية حصل بصيغة “2+2″ على مستوى وزاري، الّا انّ الشوط الثاني كان كفيلاً بكشف المستور في زيارة الوفد المصري لموسكو، إذ توجه بعد انتهاء اللقاء الوزاري مباشرة الى ضاحية موسكو ليلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عزبته الشتوية، حيث كان الاستقبال البرتوكولي حاسماً في تكريس الموقف الروسي الداعم لترشيح المشير للرئاسة المصرية، فالرجل جلس وجهاً لوجه مقابل بوتين على طاولة الرئاسة البيضاوية، في اشارة واضحة الى انّ السيسي وبلا لبس رئيس مصر القادم.
وما أن انتهى اللقاء الذي شارك فيه الوزراء لافروف وفهمي وشويغو، اتخذ المشير كرسي الرئاسة الى يمين بوتين مكاناً له لالتقاط الصور التذكارية، وهو الكرسي المخصص للرؤساء الاجانب الذين يحلّون ضيوفاً على بوتين.
لم يفاجئ بوتين المشير بقوله في بداية اللقاء بينهما: “أعلم يا سيد وزير الدفاع المحترم انكم اتخذتم قراراً بالترشح لرئاسة مصر، وهذا قرار مسؤول، وباسمي شخصياً وباسم الشعب الروسي اتمنّى لكم النجاح في هذه المهمة”، فالابتسامة الخجولة التي ارتسمت على وجه السيسي كانت كفيلة بكشف خفايا ما جرى بعيداً من الانظار بين الطرفين.
اذاً فعلها السيسي، ولكن بلسان بوتين بوصفه قرار المشير بالترشح للرئاسة المصرية بأنه “قرار مسؤول”، علماً انّ الرجل وعلى رغم كلّ التكهنات والتوقعات لم يعلن ترشيحه رسمياً في القاهرة، وكلّ ما تمّ تداوله من معلومات في هذا الشأن كان من خارج المؤسسة العسكرية، اي بعيداً من ملعب السيسي. من جهة اخرى فإنّ سلوك المشير خلال اللقاء مع بوتين كان ايضاً رئاسياً بامتياز، إذ إنّ الرجل، وفي معرض رده على الرئيس الروسي، هنّأ بوتين بإجراء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة سوتشي، مقدراً “التنظيم الرائع للاولومبياد”.
وهنا لم يتأخر بوتين بردٍ من العيار الرئاسي ايضاً، بحسب ما هو متعارف عليه في العلاقات بين الدول، أمل فيه “أن يتمكن البلدان من تشغيل كل آليات التعاون القائمة بينهما بطاقاتها الكاملة، بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مصر المقررة في الصيف المقبل”، وهو ما يعتبر خطاباً تقليدياً في اللقاءات الرئاسية المتاحة لوسائل الاعلام.
ما جرى امس في موسكو هو اعلان واضح لخوض المشير السيسي معركة الرئاسة المصرية، وإن كان ذلك بقصد، او بغير قصد، او إن كان ذلك محاولة لبوتين لتسجيل هدف في المرمى الاميركي من خلال اعلان ترشيح السيسي مِن على الطاولة الرئاسية الروسية، وذلك رداً على هجمة الرئيس باراك اوباما الاخيرة على بلاده، فإنه و ممّا لا شك فيه ومن باب مراعاة الحد الادنى للاعراف، كان من المفترض أن تكون زفّة الترشح للرئاسة المصرية في القاهرة، وفي مضارب الشعب المصري تحديداً، وعلى ألحان وكلمات الفنانة الراحلة ليلى نظمي “ادلّع يا عريس”، لأنّ ابناء الكنانة يستحقون على الاقل زفّة فلكلورية تعوّض عنهم آلام التغييرات التي تعصف ببلادهم، وتعيد اليهم بعضاً من ملامح البهجة التي لطالما تميزت بها بلادهم الغارقة في رياح الثورات منذ “25 يناير” 2011.
7/5/140214
https://telegram.me/buratha