زاهر الزبيدي
لا يمكن عدّ المرات التي ألتهمت بها نيران الحرائق، المفتعلة وغير المفتعلة، بعضاً من المجمعات التجارية من منطقة الشورجة التي تعد احدى أهم المناطق الإقتصادية في العراق .. ففيها يتم التداول التجاري بمبالغ كبيرة جداً .. وعلى الرغم من أن الخراب قد داهم تلك المنطقة المهمة منذ زمان طويل إلا إن الحرائق بدأت تأتي بثمار بطعم العلقم في ضرب عصب الإقتصاد العراقي من خلال تدمير تلك الكميات الهائلة من البضائع التي لا يعرف أحد كمياتها ولا أقيامها، فالمشاهد المؤلمة للكثير من أصحاب تلك المحال والبسطيات الصغيرة وهم يرون عصارة سني عمرهم أمامهم تلتهمها النيران المستعرة ولا حول ولا قوة لهم إلا بالله؛ تنبئ بحجم الخسائر التي تكبدوها .. وسيستمرون بتكبدها مادمنا غير قادرين على وضع أيدينا على مشعل فتيل تلك الحرائق.
الشورجة في بغداد قد يمكن أن نطلق عليها لقب "أسوأ مكان تجاري في العالم" قياساً بإمكانات العراق الإقتصادية والحضارية المعمارية فهي عبارة عن مجموعة من الأبنية المتهالكة التي تفتقر لإدنى مقومات السلامة على الرغم من كل أهميتها وفعالية المواد المخزنة في مخازنها للحرائق.. فأسواق العطور والمواد الكيمياوية والأصباغ والألياف وعبوات مادة الكحول الكبيرة على إختلافها كلها تخزن بطرق مخالفة لقواعد السلامة وكأن خازنها هذا يتعمد أن توضع في مثل تلك المناطق قريباً من آلاف الأسلاك الكهربائية المتهرئة التي تتقاذفها الرياح حيثما هبت .
أما "الجنابر" فهي عبارة عن صناديق حديدية محكمة التثبيت في الأرض وهي تتوسط شارعاً بأربعة أمتار مما يجعل الممر الذي يسير فيه الناس والعربات والحمالين لا يتجاوز المتر الواحد ومن هنا ندرك صعوبة الوصول الى أماكن الحرائق، على الرغم من قرب مركز الدفاع المدني من المنطقة، في وقت لا تتوفر فيه أنظمة الإنذار المبكر أو حتى فوهات الحريق أو وسائل إطفاء الحريق البسيطة، ناهيك عن قدم الأبنية التي تتسبب الحرائق والمياه في تهدمها بسرعة .
منذ آخر حريق حصل في المنطقة، على ما أعتقد في آيار 2013، كان الأولى بالسلطات المسؤولة أن تعي أهمية المنطقة وأن تجري مسحاً شاملاً لكل ما يعترض طرق إخماد الحرائق، ناهيك عن السيطرة الأمنية بصورة مطلقة على البضائع الداخلة والخارجة منها وهي منطقة يعلم الجميع أن بيت مال العراقيين، مصرف الرافدين، يقع فيها وهي منطقة تعد من أهم أهداف العمليات الإرهابية التي طالما تمكنت من الوصول إليها وحتى محاولة السيطرة على المصرف الكبير ولكن الى متى نبقى بهذا السوء من القابلية على إحكام قبضتنا الأمنية على المناطق المهمة ؟.
ومع ضياع الصلاحيات و وصف المهام بين أمانة بغداد ومجلس المحافظة .. لا نعلم من المسؤول عن كل تلك الفوضى التي تسمى الشورجة حتى أصبح أسمها يطلق على كل نوع من أنواع الفوضى بكل شيء فلا أسواق حديثة ولا شوارع نظيفة ولا مجارٍ صحيحة ولا خطوط كهربائية ولا أحد قادر على تنظيم الحركة فيها بفعل الخلط الكبير بين شوارع سير المتبضعين والعربات على أنواعها حتى تلك التي تجرها الحمير ! مع العلم أنه مركز المدينة الذي من المفترض أن يكون من أرقى المناطق فيها. الحمد لله أن فرق الإطفاء تمكنت وبعد 23 ساعة من إطفاء الحرائق مبدية شجاعة كبيرة وفدائية عالية في الوصول الى الجيوب النارية ومنع وصول ألسنة اللهب الى كل المحال الملتصقة ببعضها وإلا لكانت الخسائر تفوق كل التوقعات ومازال إكتشاف جثث الأبرياء من أتت على أجسادهم النيران المستعرة مستمرا، حيث كشفتْ مديرية الدفاع المدني العامة "عن العثور على 4 جثث جديدة واشلاء مقطعة دون التعرف على هوياتهم في حريق الشورجة، واشارت الى وجود مخطط لاحراق السوق العربي بالكامل " وهذا ليس بجديد فالمخططات أكبر من السوق العربي أو سوق الشورجة، المخطط يهدف الى حرق العراق بأكمله مما يستدعي أن يكون الجميع على أهبة الإستعداد وأن تتضافر جهود الجميع في سبيل قطع دابر تلك العمليات الإجرامية وكل من موقعه.
نحن في حاجة الى وقفة جادة لا نبخل بها على تلك المنطقة المهمة من إعادة التخطيط وإعادة بناء البنية التحتية لها من الجذور، فالمنطقة في حاجة الى أن يتم إقتلاعها بالكامل وإعادة تصميمها وفقاً لأحدث المقاييس العالمية آخذين بنظر الإعتبار أسلوب العمارة والجمالية العالية والتوزيع المنظم لأسواقها ومخازنها وطرق النقل التي تساعد على إنسيابية حركة البضائع بأحدث التقنيات وخطوط الكهرباء ومنظومات الإنذار المبكر الحديثة وأن يتم رفع البسطات منها الى سوق قريب ينظم لهذا الغرض فمن المجحف حقاً أن تتم مصادرة وإزالة الآلاف من "الجنابر" التي تم شراؤها من قبل أصحابها والتي تمثل مصدر رزق لآلاف العوائل بمجرد أن نكون قد أخطأنا في تقدير أهمية هذا السوق و وضع الحد لتلك الحرائق القاتلة التي لا تقل خطراً من أية عملية إرهابية أخرى.
21/5/140220
https://telegram.me/buratha