أحمد الربيعي
"أخي المتقاعد الكريم ساهم بجزء من راتبك التقاعدي لمساعدة نواب البرلمان ولك الأجر والثواب" هذه العبارة خُطّت على لافتة كبيرة تم رفعها في شارع المتنبي وسط العاصمة بغداد.
اللافتة جاءت كتعبير فنطازي ضمن "حملة مساعدة نواب البرلمان الخيرية" التي أطلقها عدد من المتقاعدين احتجاجاً على تصويت مجلس النواب العراقي على المادة "37" من قانون التقاعد الموحد.
فبعد أن يأس المواطنين والناشطين في المجتمع المدني على حد سواء من إسلوب الانتقاد السياسي الجاد والتراجيدي، لجأوا إلى الاحتجاجات الفكاهية الساخرة، متخلين بذلك عن الوجوه العابسة بعيداً عن الغضب والعنف في التعبير عن رفضهم للقرارات السياسية.
الإسلوب الجديد الساخر الذي بات يستعمله العراقيون يندرج ضمن روح النكتة التي يتحلّون بها والمنبثق من مقهى "الحشاشة" كما يحب للعراقيين تسميته، لكن هذه المرة استعمل "كـتحشيش" سياسي.
يقول ضياء الشمري أحد منظمي الحملة لـ"نقاش" إن السياسيين الجدد باتوا يتجاهلون رأي الشارع العراقي، فكلما نتكلم بالإسلوب الجاد يقابلوننا بتصريحات "تافهة" وساخرة من الشعب، لذلك استقبلنا تلك السخرية بسخرية أكبر منها.
وأضاف "حملة مساعدة نواب البرلمان الخيرية" هي جزء يسير من التعبير عن الكبت والمظلومية التي يتعرض لها الشعب العراقي "على أيدي الطبقة السياسية الحاكمة"، حيث قررنا فيها جمع تبرعات مادية وعينية كتعبير عن شجبنا لامتيازاتهم.
جبار سهم السوداني أحد المتقاعدين ومن رواد شارع المتنبي أعجبته الفكرة كثيراً، حتى إنه تبرع لها من تقاعده بمبلغ "250" دينار عراقي والذي يقدر بـ "25" سنت تقريباً.
السوداني وفي الوقت الذي استهجن فيه المادة "37" من قانون التقاعد، ضحك بقهقهة وصوت عال معبراً عن إعجابه بفكرة "استخدام السخرية كتعبير عن الرأي بدلاً من الهتافات والصراخ".
الكاتب والصحفي هادي جلو مرعي اعتبر السخرية والفكاهة في الاعتراض على القرارات السياسية "حالة تعبير عن وجدان مكتئب وحركة تغيير تنزف ألماً من خلال ضحكات مفجوعة".
وحول إمكانية إحداثها تغييراً على أرض الواقع لتلك القرارات قال مرعي لـ"نقاش" إن السخرية قد تكون ورقة من أوراق الضغط، وهي لا تمثل حلاً جذرياً للمشكلة لكنها "نوع من التخفيف عن النفوس الباحثة عن الأمل في محيط يائس".
"تجسدت فكرة الحملة بتبرع عدد من المتقاعدين الذين يواظبون على الحضور إلى شارع المتنبي كل يوم جمعة بما تبقى من أموال بسيطة في جيوبهم لأعضاء مجلس النواب كي يصدق البرلمانيين أنهم أفرغوا جيوب أبناء شعبهم ولم يتبقَ فيها أي شيء" يقول علي عبد أحد منظمي الحملة لـ"نقاش".
وأكد أنهم لم يلجأوا إلى هذه التظاهرة الساخرة إلا بعدما ضرب أعضاء مجلس النواب إرادة الشعب بإلغاء امتيازاتهم عرض الحائط، كاشفاً إن الحملة ستقوم الجمعة بجمع "الأحذية" القديمة والملابس البالية، كجزء من التبرعات للنواب.
فيما أرجع الكاتب والصحفي مازن الزيدي المعروف بمقالاته وتعليقاته الساخرة الاعتراض الساخر على تقاعد البرلمانيين وذوي الدرجات الخاصة إلى الإحباط الكبير الذي يعيشه الشارع العراقي من أداء الكتل البرلمانية التي تحايلت على جمهورها وقامت باقرار الامتيازات وشرعنتها بطريقة فجة.
ويقول الزيدي أن هكذا حملات ساخرة تحتاج إلى تحويل التظاهر ضد تقاعد النواب إلى وعي جمعي "يحاكم الكتل على أدائها في الدورة البرلمانية الحالية، ويقوم بتصحيح البوصلة في الانتخابات المقبلة.
رسام الكاريكاتير حمودي عذاب قال لـ"نقاش" إن الإسلوب الساخر الذي استخدمه منظمو "حملة مساعدة نواب البرلمان الخيرية" يقترب من الفنطازيا التي يستخدمها رسامو الكاريكاتير، لكن باستخدام الكلمات والتعبير بدلاً من الرسم، والذي يجعل السياسي في وضع لا يحسد عليه.
وكانت المحكمة الاتحادية قررت في (23 اكتوبر 2013) إلغاء تقاعد البرلمانيين الحاليين والسابقين، وجاء قرارها على خلفية تظاهرات حاشدة خرجت في العاصمة بغداد ومعظم المحافظات في 31 آب 2013 وفي 5 تشرين الأول 2013 للمطالبة بإلغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين والدرجات الخاصة.
وعدّ العراقيون قرار المحكمة الاتحادية انتصاراً لحراكهم الشعبي، لكنهم فوجئوا بأن قانون التقاعد الموّحد الذي صوت عليه البرلمان في الثالث من شباط الحالي منح امتيازات ورواتب تقاعدية للبرلمانيين وأصحاب الدرجات الخاصة.
ورغم تنظيم ضياء وعلي وغيرهم للحملة وتبرع جبار وآخرين، إلا أن السخرية الأكبر صدرت عن أحد المتسولين حيث قام بلصق مبلغ 1000 دينار عراقي على اللافتة التي خطها القائمون على الحملة.
22/5/140221
https://telegram.me/buratha