التقارير

الصدر يعتزل السياسة.. ويحضر دينياً وإجتماعياً

1635 09:48:00 2014-02-23

 

على الرغم من أن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر قرر مرتين خلال الاعوام الثمانية الماضية الابتعاد عن المشهد السياسي والنأي بعيدا عن كل ما يحصل من اخطاء وسلبيات وانحرافات، الا ان قراره الاخير بمغادرة الحياة السياسية والاكتفاء بالنشاط الثقافي والديني، بدا مختلفا عن قراراته السابقة المماثلة من حيث التوقيت والظروف التي احاطت بالقرار، وما يمكن ان يترتب عليه من اثار ونتائج وتبعات على عموم الوضع السياسي في البلاد.

في عام 2006 قرر الصدر وقتذاك مغادرة المشهد السياسي والتفرّغ للدراسة الحوزوية. وقد قرأ البعض قراره بأنه هروب من الضغوطات التي كانت تمارسها ضده القوات الاميركية، في حين رأى فيه البعض الاخر تعبيراً عن رفضه لكثير من السلوكيات والممارسات الخاطئة التي مارسها أتباعه، والتي تركت ردود فعل سلبية لدى فئات وشرائح عديدة من المجتمع العراقي، علما ان قراره ذاك لم يكن بعيدا عن مذكرة إلقاء القبض التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية المختصة بزعم ضلوعه باغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في العاشر من شهر نيسان/ابريل 2003.

وفي عام 2013، وتحديدا في مطلع شهر اب/اغسطس منه، اعلن الصدر اعتزاله العمل السياسي، وتراجع عن قراره بعد وقت قصير بفعل ضغوطات وإلتماسات من داخل التيار الصدري وخارجه.

قرارات الاعتزال تلك فضلاً عن القرارات التصحيحية في التيار الصدري الصادرة عنه من قبيل تجميد "جيش المهدي" وحلّه (الجناح العسكري للتيارالصدري)، دائماً ما كانت نتيجة للسلوكيات السلبية لبعض الافراد المحسوبين عليه، سواء كانوا في الهرم القيادي، او من العناصر الشعبية في التيار. ومن تلك المظاهر اساءة استخدام السلطة والنفوذ والمواقع، وتغليب المصالح الخاصة على العامة، وارتكاب تجاوزات قانونية، إلا أن تلك الأمور قد تتواجد في معظم المنظومات الحزبية، وقد يتّسع نطاقها مع تزايد حدّة التنافس على السلطة ومغرياتها المادية، وجانب من ذلك حصل داخل التيار الصدري.

وبالعودة إلى القرار الأخير للصدر باعتزال السياسة، وإن لم يكن مختلفا في اطاره العام عن سابقاته، الا انه انطوى على حدة ووضوح وصراحة اكبر في تشخيص مواضع الخلل، ومكامن الخطر، التي حددها الصدر في بيانه بإطارين، الاول حزبي، والثاني حكومي، وبدا واضحا امتعاضه الشديد من الممارسات والسلوكيات الخاطئة والسلبية والمنحرفة في منظومته الحزبية، كما في المنظومة الحكومية على حد قوله.

ولأن جاء القرار بعد وقت قصير من تصويت مجلس النواب العراقي على مشروع قانون التقاعد الموحد، الذي تضمن منح رواتب وامتيازات تقاعدية عالية جدا للرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة، علماً ان اغلب اعضاء كتلة الاحرار الصدرية في البرلمان، قد صوتوا مع الفقرة فان البعض اعتبر ان تجاوز نواب التيار الصدري التعليمات والتوجيهات الصادرة اليهم في عدم التصويت، كان بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" والتي لم يعد بامكان السيد الصدر التزام الصمت أمامها أو تبريرها.

وبما ان قرار الصدر الذي جاء قبل موعد اجراء الانتخابات البرلمانية العامة المزمع في الثلاثين من شهر نيسان/ابريل المقبل، فإنه كان مفاجئا في بعض جوانبه، وغير متوقع، لذلك كان من الطبيعي جدا ان يخلق حالة من الارباك الشديد في مختلف الاوساط والمحافل السياسية، تجلت بالاستقالات التي تقدم بها أتباعه من المواقع الحكومية، ومن مجلس النواب، في مقابل دعوات ومطالبات بالعدول عن ذلك القرار، لما للتيار الصدري ولزعيمه من ثقل وتأثير وحضور قوي وفاعل في المشهد السياسي العراقي، وهذا ما تحدث به عدد من كبار الساسة العراقيين، فضلا عن اللغط الواسع الذي اوجده قرار الاعتزال لدى الاوساط الشعبية من مختلف المشارب والاتجاهات.

وبالفعل فان غياب التيار الصدري، الذي يمثل اليوم احد العناوين السياسية البارزة في الساحة العراقية، قد يخلق ارباكا كبيرا، وربما يحدث تغييرات في الخارطة السياسية، قد لا تكون مناسبة في هذه المرحلة.

بيد ان القراءة المتأنّية والموضوعية لقرار الصدر المفاجئ، تظهر أن الأخير كشخصية سياسية ودينية، لها امتدادها وعمقها التاريخي، وقاعدتها الجماهيرية الواسعة والعريضة، وحضورها السياسي المؤثر، لايمكن لها أن تغيب وتختفي عن المشهد العراقي العام، ولا عن التيار الصدري الواسع، على الرغم من ان تيارات سياسية بدأت التخطيط لاستقطاب اكبر قاعدة ممكنة من قيادات وكوادر التيار الصدري، سعياً نحو مكاسب سياسية انتخابية.

وتستند تلك القراءة الى جملة معطيات ومؤشرات، من بينها ان السيد الصدر اعلن في بيان اعتزاله العمل السياسي، دون ان يغيب او يختفي عن المشهد الثقافي-الديني، الذي هو في الواقع ينطوي على الكثير من الابعاد والجوانب السياسية، ولعل المؤسسات الثقافية –الدينية- الاجتماعية الـ19، التي اعلن الصدر استمراره بالاشراف عليها وإدارتها، تؤشر بوضوح الى انه سيبقى حاضرا وفاعلا ومؤثرا في مجمل الحراك العام في المشهد العراقي.

والمؤشر الاخر، هو ان الصدر دعا في كلمته الأخيرة إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة، واختيار المخلصين والنزيهين، معتبرا مقاطعة الانتخابات بمثابة "خيانة عظمى"، مؤكدا مشاركته فيها، وحث "الاصوات الشريفة" على العمل كمستقلين في خدمة الشعب العراقي، واصفا نفسه بأنه "لكل العراقيين".

وبعد ما جاء في كلمة الصدر المتلفزة، واجتماع اعضاء الكتلة الصدرية في الحكومة والبرلمان بمحافظة النجف الاشرف، تغيّر ايقاع الاحداث، وأعلن التيار الصدري مشاركته في الانتخابات المقبلة.

والمؤشر الثالث، هو وجود شخصيات من آل الصدر، يمكن ان تتصدى إلى جوانب من العمل السياسي في التيار الصدري، مثل جعفر الصدر نجل الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي كان قد خاض الانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2010 ضمن ائتلاف دولة القانون، وحصل على مقعد برلماني، الا انه سرعان ما قدم استقالته وابتعد عن مسرح الاحداث، وهذه المرة قرر جعفر الصدر خوض الانتخابات ضمن عنوان التيار الصدري، ما من شأنه أن يحافظ على تماسك التيار، فضلا عن أنه قد يزيد الزخم الشعبي للتيار باستقطابه أشخاص قريبين من أجواء "حزب الدعوة الاسلامية".

والمؤشر الرابع هو أن قرار الصدر بالاعتزال، أدى –عن قصد او غير قصد- الى تسليط الضوء على التيار الصدري مرة اخرى، وأوجد تعاطفا وتفاعلا شعبيا معه في صفوف العراقيين، وبالتحديد عند اتباع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر.

ولا شك ان القراءات الاخرى لقرار اعتزاله، كأن يكون الصدر متخوفاً من تراجع محتمل لتياره بالانتخابات المقبلة، او انه يهيئ الارضية أمام اعلان مرجعيته، كما حصل مع شخصيات دينية خرجت من عباءة التيار الصدري خلال الاعوام العشرة الماضية، كل تلك الفرضيات تبقى غير مستبعدة، بيد انها قد لا تجد لها صدى كبيرا، لافتقارها الى المعطيات والمؤشرات الواضحة، في هذه المرحلة وفق أدنى التقديرات.

 تحرير علي عبد سلمان 23/5/140223

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك