فيروز البغدادي
كشفت التطورات المتسارعة التي شهدتها اوكرانيا خلال الايام القليلة الماضية، عن حدة الصراع الدائر بين روسيا وامريكا على مناطق النفوذ في العالم، والتي أعادت الى الاذهان أجواء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي قبل انهيار جدار برلين والكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق.
الشرارة التي اشعلت الحركات الاحتجاجية في العاصمة الاوكرانية كييف، كانت في الظاهر، رفض الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش التوقيع على اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي ، مفضلا مساعدات تقدر قيمتها 15 مليار دولار تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديمها لاوكرانيا.
القوميون والمتطرفون في المعارضة الاوكرانية ، المدعومة من اميركا واوروبا، تلقفوا رفض يانوكوفيتش لاتفاق الشراكة مع الغرب، وأشعلوا الساحة الاوكرانية تحت يافطة رفض الهيمنة الروسية، والاصرار على الانضمام الى اوروبا.
التدخل الامريكي والاوروبي في الشأن الاوكراني، هو الذي سارع من وتيرة التطورات السياسية في اوكرانيا ودفعها للانزلاق نحو العنف الذي اودى بحياة اكثر من ثمانين متظاهرا ورجل شرطة، وانتهت بفرار يانوكوفيتش، وهيمنت المعارضة على السلطة.
الدور السلبي الذي اضطلعت به واشنطن في الازمة الاوكرانية، انكشف بعد تسريب فحوى اتصال هاتفي جرى بين مساعدة وزير الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند والسفير الاميركي في كييف جيفري بيات، حيث حملت على ما وصفته بالدور السلبي للاتحاد الاوروبي في التعامل مع الازمة في اوكرانيا، وتلفظت بالفاظ نابية عن الاتحاد الاوروبي، وقالت وفقا للتسجيل الصوتي الذي تم تسريبه :"ليذهب الاتحاد الاوروبي الى الجحيم " ، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات لدى حلفاء اميركا في الاتحاد الاوروبي.
كان من الواضح ان واشنطن لم تكن راضية بالمرة بالاجراءات التي اتخذها الاتحاد الاوروبي بتسخين الازمة الاوكرانية، وكانت تطالب بالمزيد.
ان التطرف الاميركي في التعامل مع الازمة الاوكرانية، كان يهدف الى تسخين هذه الازمة الى الحد الذي يمكن ان تحرق العديد من المراحل في وقت قصير، دون مراعاة الوضع الديمغرافي والاجتماعي للشعب الاوكراني، وهو ما قد يؤدي الى تقسيم هذا البلد، كاحد نتائج السياسة الاميركية إزاء اوكرانيا.
إن من الواضح جدا ان الاحتجاجات كانت محصورة في العاصمة كييف، وان هناك الملايين من الشعب الاوكراني لا يوافق المحتجين، بل على العكس تماما هناك من يتناقض معهم، على الاقل في الموقف من روسيا، التي يتحدث الشطر الشرقي من اوكرانيا بلغتها ومتشبع بثقافتها الى حد الانصهار.
الفارق الذي يميز الموقف الاوروبي عن الموقف الاميركي، هو حذر اوروبا في التعامل مع اوكرانيا، لمعرفة الاوروبيين بالطبيعة الديمغرافية والاجتماعية للشعب الاوكراني، وهي طبيعة قد تتحول الى قنبلة يمكن ان تنفجر بكل مخططاتهم، الا ان الولايات المتحدة، وفي اطار الحرب الباردة الجديدة التي تخضوها مع روسيا وفي اكثر من مكان في العالم لاسيما في سوريا ومصر ومنطقة الشرق الاوسط وفي اميركا الجنوبية، لم تأخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار، وترى في الساحة الاوكرانية، فرصة سانحة لكسب نقاط على حساب روسيا، يمكن ان تستخدمها في الساحات الاخرى، التي خسرت فيها امام روسيا كما في سوريا ومصر.
صحيح ان اميركا نجحت في إسقاط حكومة فيكتور يانوكوفيتش المنتخبة ديمقراطيا عبر صناديق الاقتراع، من خلال تحريض المتطرفين والقوميين المتعصبين، عبر ديمقراطية الشارع ، الا انه فات اميركا والاتحاد الاوروبي، حقيقة ان حلفاء روسيا وهم اكثر بكثير من الذين نزلوا الى الساحات، ولن يتركوا الملعب لينفرد به الجانب الاخر، كما حصل في جورجيا.
ان روسيا بوتين تمكنت من لم شمل ما انفصل منها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عبر معاهدات واتفاقيات ثنائية ومتعددة الاطراف، للحيلولة دون تسلل اميركا الى حدائقها الخلفية، لن تسمح لاميركا ان تفوز عليها بالضربة القاضية في كييف ولا حتى بالنقاط، لسبب بسيط لوقوع اوكرانيا عند أسوار موسكو.
12/5/140228علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha