ماذا وراء التصعيد الرئاسي العراقي؟
بغداد ـ عادل الجبوري
يبعث التصعيد الاخير في المشهد السياسي العراقي على قدر غير قليل من القلق والتوجس، مما يمكن ان يفرزه من تداعيات من شأنها رفع مستويات التأزم والتصادم بين الفرقاء.
طيلة الاعوام الاحد عشر الماضية، وهي مجمل عمر التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق، لم تغب مظاهر الخلافات والاختلافات والتقاطعات والمناكفات بين الفرقاء، سواء بين الممثلين للكتل والمكونات الرئيسية، او في داخل كل كتلة او مكون، وبعض تلك الخلافات والاختلافات والتقاطعات والمناكفات ارتبطت بقضايا سياسية وامنية وخدمية، من الطبيعي جدا ان تتعدد وتتنوع زوايا النظر اليها، وتختلف سياقات التعاطي معها، والبعض الاخر حكمته ووجهته قوى وارادات واجندات خارجية.
اذن ما الجديد في التصعيد الاخير؟.. هذا هو التساؤل الذي يطرح نفسه لاول وهلة، حينما يكون القلق والتوجس واضحا وكبيرا لدى اوساط ونخب سياسية مختلفة، وفي الشارع العراقي برمته.
الجديد في التصعيد الاخير يتمثل بالمسائل التالية:
-انه جاء من اعلى المستويات القيادية في الدولة العراقية، وفي المشهد السياسي، فرئيس الوزراء نوري المالكي، انتقد بشدة مجلس النواب، وتحديدا رئيسه وهيئة الرئاسة، متهما اياها بتأخير تشريع القوانين المهمة، لا سيما مشروع الموازنة المالية للعام الجاري، وبتشريع قوانين تثقل كاهل الدولة، بصورة يراد منها اضعاف وافشال الحكومة، وتعد تجاوزا وانتهاكا للدستور، مع تأكيده ان مجلس الوزراء سيقوم بإنفاق الاموال على الجوانب والمجالات التي يراها ضرورية حتى قبل اقرار الموازنة، ومن دون الرجوع للبرلمان.
في المقابل، رد رئيس البرلمان اسامة النجيفي على المالكي بحدة، نافيا اتهاماته للبرلمان، ومعتبرا ان الخلل والتقصير والتأخير تتحمله الحكومة لا البرلمان.
اما رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، فقد هاجم الحكومة الاتحادية، وهدد باتخاذ خطوات غير متوقعة قريبا اذا لم يتم تلبية المطالب الكردية في الموازنة، علما ان النائب الثاني لرئيس البرلمان والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني عارف طيفور صرح قبل بضعة ايام، قائلا "ان الحل الامثل للمشاكل بين الاكراد والحكومة الاتحادية، هو اقرار النظام الكونفيدرالي في العراق".
في حين حذر رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم من خطورة القفز على الدستور، ايا كانت الحجج والذرائع والمبررات.
واكثر من ذهب بعيدا جدا، هو رئيس القائمة الوطنية العراقية ورئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، حينما دعا الى اسقاط الحكومة قبل الانتخابات، ودافع عن السعودية التي اتهمها المالكي بدعم الارهاب في العراق الى جانب اطرف اخرى مثل قطر.
ومن الطبيعي ان التصعيد على اعلى المستويات يحرك ويحفز المستويات السياسية الادنى على الذهاب بنفس الاتجاه، علما ان مناخات التأزم والتصعيد والاحتقان هي المظهر الابرز في المشهد السياسي على طول الخط.
-إرتبط التصعيد هذه المرة في جانب كبير منه بملفات حساسة ومهمة تمس الاوضاع الحياتية للشعب العراقي، وبالخصوص ملف الموازنة المالية، فقد برز الخلاف بين المركز واقليم كردستان حول حصة الاقليم والاستحقاقات المترتبة عليه، وتداخل هذا الموضوع مع موضوع اخر لا يقل حساسية واهمية وخطورة، ألا وهو ضوابط ومحددات استخراج وانتاج وتصدير النفط من قبل الاقليم، ولان ذلك الخلاف تسبب في تعطيل ارسال مشروع الموازنة من قبل مجلس الوزراء الى البرلمان، ومن ثم عدم قراءتها او طرحها للمناقشة بسبب مقاطعة النواب الاكراد ونواب اخرين لجلسات البرلمان، ما تسبب باختلال النصاب في عدة جلسات، وقد انتقلت حمى المعارك الكلامية بين بغداد واربيل الى حلبة الحكومة الاتحادية والبرلمان، وهو ما دفع بالامور الى المزيد من التشنج والاحتقان، الذي وصفه احد الساسة بأنه "حملات انتخابية مبكرة".
-والنقطة الاخرى، تتمثل في ان التصعيد السياسي الاخير تزامن مع تراجع واضح ومقلق في الاوضاع الامنية بشكل عام، فبينما لم تصل ازمة الانبار حتى الان الى نقطة حسم فاصلة، ولا توجد مؤشرات في الافق على ان هذا الحسم قريب، اخذت بعض مناطق ومدن محيط العاصمة بغداد تشهد تصاعدا لنشاطات الجماعات الارهابية المسلحة، والذي اختلفت القراءات حول اسبابه وخلفياته ومحركاته، كما هو الحال مع محافظة بابل، التي يبعد مركزها عن العاصمة 120 كم ، في حين لا تبعد ناحية الاسكندرية التي لم تسلم من العمليات الارهابية سوى 50 كم. فقد تعرضت تلك المحافظة خلال الثلاثة اسابيع الاخيرة لتفجيرات ارهابية كان اخرها تفجير سيارة مفخخة عند نقطة التفتيش الرئيسية بمدخل المحافظة من جهة العاصمة بغداد، صباح يوم الاحد الماضي، التاسع من الشهر الجاري، ادى الى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة، ولعل خطورة التداعيات الاخيرة دفعت رئيس الوزراء الى اقالة قائد شرطة بابل العميد عباس عبد زيد، وتعيين مدير استخبارات المحافظة العميد رياض عبد الامير الخيكاني بدلا عنه.
العراق
-ما بين التلاسن الكلامي الحاد بين بعض كبار القيادات السياسية العراقية الاخيرة، وموعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع اجراؤها في الثلاثين من نيسان/ابريل المقبل، اربعة وخمسون يوما، وهو ما يدفع للنظر الى ذلك التلاسن-التصعيد من زاويتين، الاولى، انه مثلما قال السياسي المشار اليه انفا انه "حملات انتخابية مبكرة" قبل حلول موعد انطلاق تلك الحملات بشكل رسمي، والثانية، خلط للارواق غير محسوب العواقب والنتائج، فيما لو قرر الفرقاء الذهاب به بعيدا الى الامام، بدلا من تطويقه واحتوائه، والذهاب به بعيدا الى الامام يعني فيما يعنيه امكانية تعطيل وتأخير الاستحقاق الانتخابي القادم، وهو ما يفتح الباب واسعا للاحتمالات والخيارات السيئة.
ربما يرى بعض المراقبين ان التصعيد والتشنج وتبادل الاتهامات شيء طبيعي في ظل اجواء التنافس الانتخابي، وهذا صحيح وطبيعي جدا، بيد ان الخطير فيه حينما تكون مصالح الناس ادوات ووسائل للكسب السياسي والمزايدات الحزبية، لا غايات يتنافس السياسيون للوصول اليها.
هذه المعطيات ترسم صورة قاتمة الى حد كبير للمشهد السياسي العراقي، مشهد تبدو نهاياته مفتوحة على كل الاحتمالات. وهذا هو موضع القلق والخطر الذي يستشعره الجميع، دون ان تتخذ اجراءات وخطوات عملية لاحتوائه وتطويقه.
قد نشهد انفراجات بعد الانتخابات فيما لو اجريت في موعدها المقرر بعد سبعة اسابيع، حينما يتحرر المتنافسون من حمى التنافس للدخول الى البرلمان بأكبر ثقل ممكن، ويتجهون الى التفكير والشروع ببناء تحالفات لا بد منها لاستكمال خطوات صياغة ملامح ومعالم المرحلة السياسية المقبلة، من خلال تشكيل الحكومة وتوزيع المواقع العليا بين الفرقاء، لا سيما الذين سيتصدرون نتائج الانتخابات، ولكن من يضمن ان التصعيد الحالي لن يتزايد ويرتفع حتى يبلغ النقاط الحرجة والمواضع الخطرة، او قل يصل الى نقاط اللاعودة؟...
في السياسة، مثلما لا توجد صداقات دائمة وعداوات دائمة، فانه لا ضمانات فيها، وخصوصا حينما تكون الامور قلقة وعائمة وغائمة وقاتمة!.
1/5/1403013 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha