جميل الخوري
لم يرث أمير قطر الأمير حمد بن خليفة آل ثاني الحكم عن والده كما هي العادة في الحكم الملكي، فقطر لها تاريخ حافل بانقلابات الأسرة الحاكمة، وبعد انقلاب حمد أتى انقلاب تميم بن حمد ولو بشكل ناعم، فما هي القصة الكاملة لانقلاب الأمير حمد بن خليفة على والده وانقلاب الأمير تميم على حمد أيضاً؟.
بدأت سلسلة الانقلابات في قطر عندما عيّن الشيخ حمد آل ثاني شقيقه علي خلفاً له لأنه أصلح من ابنه خليفة ليتولى العهد من بعده، لكن الشقيق ترك الحكم لإبنه هو ولم يعده لإبن شقيقه. وهذا الأمر كان سبب الانقلابات العائلية فيما بعد.
عندما استقلت قطر عن بريطانيا عام 1971، كان الحكم تحت رعاية الشيخ أحمد بن علي آل ثاني الذي أطيح بانقلاب نفذه ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. حمد كان أكبر أولاد خليفة وأفشلهم بالدراسة، فأرسل الى كلية عسكرية في بريطانيا ولم يتمكن من إنهاء الدراسة فيها وفُصل بعد 9 أشهر ليعود الى قطر برتبة جنرال ويستلم قيادة الجيش وولاية العهد عام 1971.
تزوج حمد من ثلاث نساء، آخرهن كانت موزة بنت ناصر المسند، واعتبر هذا الزواج بمثابة صفقة سياسية لوضع حد لآل مسند. وكان حمد قد تزوج من ابنة عمه وأنجب منها الشيخ مشعل والشيخ فهد، كما تزوج من ابنة عمه الثانية أيضاً وله منها خالد وعبد الله ومحمد وخليفة. الشيخة موزة كانت الرأس المدبر لعملية انقلاب حمد على أبيه، فهي لاحظت اهتمام خليفة بحفيده الشيخ مشعل كحاكم قادم خصوصاً بعد إصابة حمد بمرض في الكلى.
اتهمت موزة الشيخ مشعل بالتآمر مع جده على أبيه حمد، فعزلته من جميع مناصبه العسكرية ووضعته قيد الإقامة الجبرية بإشراف ولدها جاسم الذي كان يتولى جميع الشؤون الأمنية في المشيخة بما في ذلك رئاسة المخابرات القطرية. وكان مصير الأخ الثاني لمشعل الشيخ فهد مشابهاً لمصير أخيه فقد جُرد من مناصبه العسكرية بعد اتهامه بالجنون وبدعم الأفغان العرب بسبب علاقته الوطيدة بأسامة بن لادن. وكان الشيخ فهد قد مال بأيامه الأخيرة الى التديّن فاتهم بالجنون وتم وضعه قيد الإقامة الجبرية، كما اتهم يإجراء إتصالات سرية مع جده عندما كان مقيماً ولاجئاً في الإمارات بهدف استقطاب العائلات القطرية المقيمة في أبو ظبي والتي كانت قد هاجرت اليها في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي بعد خلافها الشديد مع آل ثاني.
بدأ الانقلاب يوم الثلاثاء في 27 يونيو عام 1995. كان الشيخ خليفة قد غادر قطر الى سويسرا في رحلة استجمام، وهنا كانت خطة حمد للإطاحة بأبيه قد أنجزت برغم ظهور الأخير وهو يقبل يد أبيه خلال توديعه في المطار. في صبيحة يوم الثلاثاء قطع التلفزيون القطري إرساله لاعلان البيان رقم واحد، وعرض التلفزيون صوراً لوجهاء الامارة وهم يقدمون البيعة للشيخ حمد خلفا لأبيه وقيل فيما بعد إن المشاهد التي عرضت كانت مزورة وممنتجة. وقالت مصادر قريبة من الشيخ خليفة إن إبنه حمد وجه الدعوة لوجهاء الإمارة وقام التلفزيون بتصويرهم وهم يسلّمون عليه من دون أن يكونوا على علم بما يجري وهذا ما جعل بعض الإعلاميين يصفون الانقلاب بانقلاب تلفزيوني.
أسفر الانقلاب عن اعتقال 36 شخصاً من المقربين للشيخ خليفة وتم الزج بهم في سجن بوهامور، وكانت هذه هي بداية الانهيار الجديد في الأسرة الحاكمة كما كانت سبباً في انكشاف الكثير من الأسرار خصوصاً بعد ان رفض الأب خليفة الرضوخ للأمر الواقع بداية. ومن أهم الأسرار التي كُشفت هي أن عائدات النفط تذهب بالكامل الى حساب شخصي باسم الامير، وأن اقل من عشرين بالمئة من هذا الدخل يُصرف على شعب قطر والأجهزة الخدماتية فيها، وتبين أيضاً أن للأمير حصة في جميع المؤسسات والشركات العاملة في الإمارة وأن جميع عمولات صفقات السلاح وغيرها تذهب الى الأمير وأولاده.
طالب الامير حمد بالحجز على أموال والده في المصارف السويسرية باعتبار أنها تعود الى إمارة قطر إلا أن هذا الأمر لم يحصل بعدما تم الاتفاق برعاية عربية أن تبقى الأموال مع الأب الشيخ خليفة مقابل امتناعه عن القيام بأي تحركات مريبة أو اتصاله بمؤيديه في الداخل والخارج وموافقته على تسليم كبار معاونيه الذين كانوا يقيمون آنذاك في أبو ظبي.
وكشفت مصادر عربية أن الشيخة موزة كانت عراب الانقلاب، مضيفةً أن الانقلاب نُفذ عبر رأس حربة هو الشيخ حمد بن جبر آل ثاني وزير الخارجية، وهنا تجدر الإشارة الى أن الشيخ المعزول خليفة هو زوج أخت الشيخ حمد، ويقال إن الأخت قاطعت أخاها وأصدرت بياناً داخلياً في أوساط العائلة وزعته من مكان إقامتها في أبوظبي أعلنت فيه براءتها من حمد ومن ولديها عبد الله ومحمد الذين انضما الى الشيخ حمد في انقلابه على أبيه.
ونجحت موزة في تنصيب ولدها جاسم ثم تميم لولاية العهد، إلا أن تميم استلم ولاية العهد من أخيه جاسم لأسباب غامضة وقام بزيارة واشنطن لأخذ الدعم منها سياسياً وعسكرياً من خلال الوجود العسكري الأميركي في قطر بحسب ما كشفه أحد الشيوخ القطريين المعارضين. ويضيف هذا الشيخ أن تميم عرض مقابل هذا الدعم تطبيع علاقته مع إسرائيل وفتح أنابيب الغاز الأوروبي لتغذية أوروبا وتحويل الوجود العسكري الأميركي في قطر الى وجود دائم بشكل يفوق بحجمه الوجود الأميركي في البحرين.
ولأن الانقلابات صفة ملازمة لحكام قطر، فقد أحبط أمير قطر السابق حمد بن خليفة عام 2009 محاولة انقلاب عليه نفذها قائد أركان الجيش القطري في حينه اللواء حمد بن علي العطية وتم بعدها عزل ما لا يقل عن ثلاثين ضابطاً في عملية شاركت في تنفيذها عناصر أميركية بلباس مدني. كما أن قوات اميركية انتشرت في شوارع الدوح وحول النقاط والمناطق الحساسة خصوصاً بعد النجاح الجزئي للانقلاب الذي ترافق مع وثيقة وقعها أكثر من 66 معارضاً قطرياً يعلنون فيها عدم اعترافهم بشرعية الأمير حمد بن خليفة آل ثاني.
في يونيو 2013 انقلب الأمير تميم على أبيه حمد، واستلم الحكم بطريقة “ناعمة” كما وصفتها أكثر من جهة دولية، فالأمير تميم تمكن بمساعدة والدته الشيخة موزة من تحقيق ما حققه والده من قبله، أي الوصول الى الحكم بالإنقلاب على الوالد. لم يُعلن الكثير عن “الانقلاب الناعم” الذي نفذه تميم إلا أن مصادر مطلعة كشفت أن عدداً من الفاعلين داخل العائلة القطرية الحاكمة قرروا أن الآوان قد حان لتنحي الأمير حمد بن خليفة عن الحكم بالإضافة الى تنحي الشيخ حمد بن جاسم عن مسؤولياته أيضاً. تلقف الأمير حمد الأخبار التي تشاع عن قُرب الانقلاب ما جعله يبادر الى تسليم الحكم لإبنه تميم بشكل “سلس”.
الا ان الأمور لم تتوقف عند هذا الحد فمشاكل الإبن مع والده مستمرة وآخرها كان قيام تميم بإطلاق الرصاص في الهواء فوق والده داخل القصر، والسبب بحسب مطلعين داخل الديوان الأميري القطري هو الزيارات الكثيرة للشيخة موزة برفقة رئيس الوزاء القطري السابق حمد بن جاسم، والتي كان آخرها زيارة إلى تل أبيب، حيث يوجد مصنع خمور تملكها الشيخة موزة.
6/5/1403017 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha