راسم عبيدات
هذه الأسماء كلّها ذات معانٍ ودلالات عميقة في تقرير التوازنات والتحالفات والمتغيرات دولياً وإقليمياً وعربياً، فما حصل فيها يعكس التصادم بين المشروعين الأميركي الممتدّ عبر أنقرة والرياض وقطر و«تل أبيب» والروسي الممتد عبر طهران ودمشق.
يذكر الجميع الحديث الذي دار ماضياً عن معركة القصير إذ كان حلفاء المشروع الأميركي يقولون إنها ستحسم 70 في المئة من الصراع الدائر على مستقبل سورية، ثم حسم أمر القصير، فصمت الحلف المعادي وذُهل، لكنه لم يسلّم بالخسارة واستنفر سائر قواته ومليشياته وإمكاناته لإعادة التوازنات على الأرض في سورية مع النظام، واستُقدم الإرهابيون من كل أصقاع الأرض وزُوّدوا أحدث الأسلحة في منطقة القلمون، تحديداً في يبرود وأقاموا فيها قلاعاً وتحصينات شبيهة بالقلاع والتحصينات التي أقامها القائد العسكري الألماني رومل في منطقة العلمين في مصر. تلك التحصينات التي استطاع القائد البريطاني مونتغمري اختراقها وتدميرها وقطع شريان الإمدادات فيها عن القوات الألمانية، فتاهت وتفرّقت في الصحراء المصرية مثلما تاه بنو «إسرائيل» في صحراء سيناء. وقبل الحسم في معركة القلمون أرادت أميركا وأوروبا الغربية توجيه ضربة تحت الحزام للدب الروسي الصاعد والعائد إلى العالم بقوة، إذ عمدت إلى نشر الفوضى والاضطرابات في أوكرانيا التي تشكل فضاءً جيوستراتيجياً لروسيا، ومنفذاً لها على البحر الأسود ومقراً لأسطولها وللكثير من مصانعها العسكرية والحربية الموجودة هناك، فضلاً عن تحكمها في إمدادات الغاز الروسي وقربها من خمس دول أوروبية شرقية فيها قواعد لحلف شمال الأطلسي، لذا دبروا الانقلاب على الرئيس الأوكراني وأطاحوه، معتقدين أن ذلك قد يجبر روسيا على مقايضة القضية الأوكرانية بتقديم تنازلات جدية في القضية السورية، متناسين أن الحالتين والقضيتين هما في صلب الأمن القومي الروسي، فسورية هي منفذها على البحر المتوسط ولها حدود مشتركة مع تركيا العضو في الحلف الأطلسي، لذا كان الرد الروسي بحشد القوات ودخول القرم لحماية المواطنين من أصل روسي، وليتمّ بعد ذلك استفتاء شعبي حول الانضمام إلى روسيا، كانت نتيجته 93 في المئة مع الانضمام إلى روسيا التي لم تقرر بعد ضمها، لكنها ضمنت أن تكون تحت حمايتها ونفوذها ووصايتها، وهي بالتالي جاهزة للتعامل مع أيّ عقوبات اقتصادية أو مالية أميركية أو أوروبية غربية. وما حصل في أوكرانيا هو مقدمة لانقسامات أخرى في مجموعة من الدول الأوروبية الشرقية، وبالتالي سينقلب السحر على الساحر وتصبح القضية الأوكرانية عبئاً على أوروبا الغربية بدلاً من أن تكون ورقة رابحة في جيبها.
بالعودة إلى معركة القلمون، وفي القلب منها يبرود فإن دول التحالف المعادي لسورية وجوقة رداحيها كانت تصوّر تلك المنطقة بوعورة توبوغرافيتها وجغرافيتها على أنها جبال تورا بورا في أفغانستان، وأنها ستكون «مقبرة السوري وحزب الله»، ورفعت المسّماة «جبهة النصرة» شعار «احفر قبرك في يبرود» وضخت لها قوى التحالف المعادي أحدث الأسلحة وعملت على إقامة شبكات واسعة من التحصينات العسكرية والأنفاق، حتى أن أحد القادة العسكريين «الإسرائيليين» قال إن تحصينات يبرود لو نجح حزب الله في اقتحامها سيكون قادراً على اقتحام التحصينات «الإسرائيلية». كما استقدمت عصابات مدربة على مستوى عالٍ إلى يبرود، على اعتبار أن مصير الحرب فيها يقرر مستقبل سورية. وبالفعل، حسم معركة يبرود سيحسم العديد من المعادلات والتحالفات عربياً وإقليمياً ودولياً. رأينا أن هذه المعركة التي كان يراهن التحالف المعادي أن تمتد شهوراً وتنهك الجيش السوري وحزب الله، على نحو يسمح لـ«إسرائيل» بالتدخل وفرض معادلات جديدة على الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» وفي قلبه قضية فلسطين لتصفيتها، ثبت أن رهانها خاسر، فـ«إسرائيل» حاولت جس النبض في غزة من خلال الاغتيالات وكان رد المقاومة بقصف البلدات «الإسرائيلية» بعشرات الصواريخ وموافقة «إسرائيل» على معادلة الردع بالردع على مضض.
حسم الجيش السوري وحزب الله معركة يبرود في زمن قياسي، إذ انهارت دفاعات الجماعات الإرهابية وسقطت حصونهم وقتل من قتل، وأسر من أسر، وهرب من هرب، ومثلما قالت «النصرة» هناك من حفر قبره ومن حفر نصره، ونتائج هذه المعركة ستصنع مستقبل سورية ودورها وحضورها على المستويات العربية والإقليمية والدولية، وستفتح الطريق نحو تنظيف سورية من جيوب العصابات المجرمة، وستقطع عنهم شريان إمداد رئيسي عبر لبنان منطقة عرسال ، شريان المال والسلاح والرجال، وبالتالي ستجف منابع تمويلهم ودعمهم، وأرى أن الجيش السوري سيستمر في تحقيق المزيد من الانتصارات وصولاً إلى تخليص الوطن من تلك الأدران المسرطنة والآفات الضارّة كلها، وعندما يصل استحقاق الرئاسة يكون وضع سورية في أفضل حال، وعندئذٍ يصطف الشعب خلف رئيسه مدركاً حجم المؤامرة التي تعرضت لها سورية والتي استهدفتها بحرب كونية أريد أن تجعل منها دولة فاشلة على غرار الدول التي استهدفها المشروع الأميركي المغلف بما يسمى بثورات «الربيع العربي»، فتلك الدول كلها تواصل النزف وجزء منها، مثل ليبيا، أصبح مسرحاً للعصابات والميليشيات القبلية والدولية ومقسماً ثلاث ولايات ولا قوة ولا سلطة فيه للحكومة المركزية. ومصر تشهد مخاضها بعدما أسقطت الجماهير في 30 يونيو الماضي حكومة «الإخوان» وتتجه مصر اليوم نحو استعادة دورها وثقلها العربي والإقليمي.
تشهد المنطقة تطورات وتحولات عاصفة، ونشهد نحن تراجع التغوّل والتوحّش والسطوة الأميركية على العالم، وهذا يستتبع تغيرات عربية وإقليمية ودولية، ما يعني أن المنطقة ستفرز أشكالاً جيدة من التحالفات في مقدمها التسليم الأميركي بأن إيران قوة إقليمية مقررة في المنطقة لها مصالحها ونفوذها، كذلك سورية وحزب الله الذي سيمتلك دوراً ليس لبنانياً فحسب بل وإقليمياً.
من المترتبات على النصر السوري أفول نجم حركة «الإخوان» وتراجع شعبيتها وحضورها بعد تكشّف حقيقتها ودورها كحركة ساعية فحسب إلى مصالحها حتى لو تحالفت مع الشيطان لذلك. فبعد سقوطها المدوي في مصر بات حكمها على كف عفريت في تونس وتركيا.
روسيا وسورية وإيران وحزب الله ومعسكر المقاومة والممانعة كلّه هو الرابح من الحسم العسكري في سورية لمصلحة النظام، وتداعيات الحسم ستنعكس على عربان النفط والكاز ومشيخاتهما، وثمة خطر جدي على عروش أنظمة الحكم هناك. أيضاً «إسرائيل» وتركيا لن تكونا في منأى عن تلك النتائج.
البناء
3/5/1403020
https://telegram.me/buratha