سمية علي
يتحدث البعض عن حلم لطالما راود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن المستجدات التي طرأت مؤخراً على المشهد الأوكراني وضعت هذا الحلم، المتمثل بتشكيل اتحاد اقتصادي للدول التي كانت جزءاً من الإتحاد السوفياتي السابق ينافس كل من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في خانة اللاممكن. فبعض المحللين لا يقرؤون الأزمة الأوكرانية انطلاقاً من أن الغرب قرر ضرب “حلم بوتين” كهدف رئيسي لتحريك الساحة الأوكرانية ضد روسيا، بل يرون أن هذه الأزمة مرتبطة بالدرجة الأولى ارتباطاً وثيقاً بالنفوذ الروسي الذي تضخم مؤخراً ليصبح الأكثر تأثيراً في أكثر الملفات حساسية في المنطقة كالأزمة السورية تليها مجريات الأحداث في مصر.
وبحسب الباحث في شؤون الإتحاد الأوروبي والمقيم في بروكسل فادي بنعدي، فإن كل ما يجري في اوكرانيا هو “محاولة لتقليص النفوذ الروسي في تلك البلاد”، التي تعتبر ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا “كونها جزءٌ من فضائها الجيوسياسي، إضافة إلى العلاقات التاريخية والسياسية والثقافية والإقتصادية المشتركة بين الشعبين، وخصوصاً جنوب اوكرانيا حيث تشكل تلك المنطقة ممراً لروسيا إلى البحر الأسود، ومقراً لقاعدتها البحرية”.
حالياً، وعقب اتخاذ الأحداث في اوكرانيا منحى تصاعدياً، خصوصاً عقب اتخاذ الروس القرار برد الصفعة إلى الغربيين من خلال ضمّ شبه جزيرة القرم الواقعة جنوب اوكرانيا إلى روسيا بحسب استفتاء شارك فيه سكان القرم في 16 آذار/مارس الحالي، فاتحة بذلك الباب أمام سيناريو تقسيم اوكرانيا، يحضر السؤال الأبرز: ما هي أوراق القوة التي يمتلكها الطرفان؟ وبالتالي من سيرسم أفق الأزمة المستمرة في اوكرانيا؟
الغرب vs روسيا: نقاط ضعف وقوة
يشكّل انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، بعد أن قام الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف بمنحها إلى اوكرانيا السوفياتية عام 1954، اولى أوراق القوة التي استخدمتها موسكو في صراعها مع الإتحاد الأوروبي وخلفه الولايات المتحدة. ويتقاطع ذلك مع ما أكده الخبير في الشأن الروسي د. سهيل فرح في حديث لموقعنا، موضحاً أن ذلك “يضمن تواجد الأسطول العسكري الروسي على البحر الأسود، وبالتالي فإنه بعد أن أصبح القرم جزءاً من الأراضي الروسية، فوجود هذا الأسطول لن يكون مرتبطاً بأي اتفاقية عسكرية مع الحكومة الأوكرانية بعد الآن”.
من جهة ثانية، يرى فرح أن “الحاضنة البشرية في جنوب وشرق اوكرانيا، والذين يشكل الروس الأكثرية الساحقة منهم، وهؤلاء ايضاً يشكلون ورقة قوة يملكها الروس، إضافة لما يشكله انفصال هؤلاء عن الدولة الأوكرانية بما يشكلونه من طاقة علمية واستهلاكية من تأثير على الإقتصاد الأوكراني”، ويشير فرح إلى أن استمرار ضغط الفئة المتطرفة من سكان غرب اوكرانيا الموالين لأوروبا على الجالية الروسية في البلاد، سيدفع أكثر باتجاه تحرك هذه الفئة “مطالبة بالتبعية لموسكو”، مما سيضعف النفوذ الغربي وأهدافه في البلاد.
لكن وبالرغم من أنه “لا يمكن أن ننكر أن روسيا بوتين باتت مختلفة، فالإقتصاد الروسي أصبح إلى حد ما أقوى والبنية السياسية باتت أكثر تماسكاً، وهذا التحسن أثر على قوة السياسة الخارجية الروسية على المستوى الإقليمي والعالمي، مما يعكس الدور الروسي البارز في أكثر من مكان في الخمس سنوات الأخيرة”، بحسب فرح، إلا أن العقوبات المفروضة من قبل الغربيين على روسيا خصوصاً بعد المصادقة على ضمّ القرم إلى أراضيها “قد تؤذي الإقتصادر الروسي، وقد بدأت الأزمة الأوكرانية تثير بلبلة كبيرة لدى الرأي العام الروسي”، الذي يعاني من ضغوطات على المستوى الإقتصادي، بحسب فرح، والذي اعتبر ذلك واحدة من نقاط الضعف التي تشكل عامل ضغط على الروس.
كما يضيف الخبير في الشأن الروسي أنه “ليس من مصلحة موسكو أن يكون هناك حرب في فضائها الجيوسياسي، بالتالي هناك عملية شد حبال كبيرة بين روسيا والناتو والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية”، ما يُفسر ابتعاد جميع الأطراف عن خيار الحرب، بالرغم من لجوئهم إلى تحركات تصعيدية بين الحين والآخر.
التيار المتشدد والفساد المستشري..
في مقابل أوراق القوة التي يمتلكها الروس، مما لا شك فيه أن ثمة ما مكّن الغربيين من اختراق الحديقة الخلفية لموسكو وإحداث تغيير في وجوه السلطة، وفي هذا السياق يوضح الباحث في شؤون الإتحاد الأوروبي فادي بنعدي، في حديث للموقع، أن “الورقة الأبرز بيد الغرب هم اليمين المتطرف في اوكرانيا، وهي الورقة التي من خلالها فرضوا سلطتهم”، كما يرى فرح أن الوضع الداخلي في اوكرانيا قبل اندلاع الأزمة “شكّل أرضية خصبة لحصول انتفاضة شعبية، استغلها الغرب من خلال التيار المتشدد في البلاد، وهذه الأرضية سببها النخبة السياسية الأوليغارشية التي سيطرت على الحكم بعد أن أخذت اوكرانيا استقلالها، حيث أن كل رئيس يعمل وفقاً لمصالحه الشخصية ولا يهمّه اطلاقاً الشعب الأوكراني، ما ادّى بالتالي إلى تفاوت هائل جداً في مستوى الدخل، إلى جانب الفساد المستشري ايضاً”.
الحل في تسوية.. والفدراليات السيناريو الأكثر تداولاً
“الأوراق ضاعت من يد الأوروبيين”، هكذا يرى الخبير في شؤون الإتحاد الأوروبي فادي بنعدي،عازياً ذلك إلى “عدم قدرة الأوروبيين على اتخاذ رد فعل حازم” لأن “مصالحهم مرتبطة بالغاز الروسي”، لافتاً إلى الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها معظم الدول الأوروبية والتي تجعل من “العامل الإقتصادي عاملاُ مؤثراً جداً على أي قرار سياسي أو عسكري”.
في المقابل، يؤكد الخبير في الشأن الروسي د. سهيل فرح أنه من الصعوبة لروسيا أن تقوم بمعالجة المشاكل الداخلية التي تعاني منها اوكرانيا، والتي كانت سبباً اساسياً خلف اندلاع الأحداث، بدءاً من “النهوض بالإقتصاد الأوكراني وهو يعيش في العناية الفائقة، إضافةً إلى المعالجة الجذرية للطبقة السياسية الحاكمة”، كما يجب الإلتفات، بحسب فرح، إلى “موجة العداء التي يعيشها قسم من الأوكرانيين تجاه روسيا، وهذا يشكل حالياً عائقاً أمام روسيا لاسترجاع السلطة بشكل كامل”.
وانطلاقاً مما ذكره فرح، واستناداً إلى ما يذكره محللون عن أن أفق الأزمة في اوكرانيا “لا يزال ملتبساً”، فإنه من المبكر الحديث عن “انتصار روسي أو تكريس نفوذ غربي دائم في اوكرانيا”، لكن بحسب فرح، فإن أي حل “يتطلب تضافر لجهود ثلاث قوى أساسية: روسيا، الإتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة”، وأن السيناريو الأكثر تداولاً يبقى “نشوء مجموعة من الفيدراليات ضمن دولة واحدة هي الدولة الأوكرانية، فروسيا لا تستطيع حل الأزمة لوحدها في ظل وجود 25 مليون اوكراني غرب البلاد، لا يريدون عودة النفوذ الروسي”.
11/5/140323