عادل الجبوري
تترقب المنطقة، ومنها العراق، زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المملكة العربية السعودية اواخر شهر اذار/مارس الجاري، لما يمكن ان تسفر عنه من نتائج ومعطيات من شأنها ان تحدث تغيرات في الواقع المتأزم الذي تعيشه منطقة الشرق الاوسط، وتعد السعودية طرفا رئيسيا فيه، سواء من حيث الاصطفاف في معسكر مقابل معسكر اخر، ومن حيث تقديم الدعم السياسي والمالي والاعلامي لتنظيمات ارهابية تنشط في عدة دول مثل العراق وسوريا ولبنان وغيرها.
مباحثات الرئيس اوباما مع كبار المسؤولين السعوديين، وفي مقدمتهم الملك عبد الله بن عبد العزيز، ستتمحور حول حزمة ملفات اقليمية، اذا لم تكن الرياض طرفا رئيسيا فيها، فانها معنية بها الى حد كبير، ومن تلك القضايا ، الملف النووي الايراني، والازمة السورية، وملف الصراع الفلسطيني –الاسرائيلي، والحراك السياسي في بعض دول الربيع العربي، وخصوصا مصر، وطبيعة الموقف من الحركات الاسلامية المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة ومايتفرع عنه من عناوين ومسميات، وتنظيم الاخوان المسلمين، والعلاقات بين اعضاء مجلس التعاون الخليجي، ومدى تأثيرها على المصالح الاميركية في المنطقة، وعلى الاستقرار فيها. الى جانب الملف العراقي، الذي يترقب الكثيرون ان تساهم الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد خمسة اسابيع في احداث تحولات من شأنها تخفيف حدة الاحتقانات الداخلية، والاحتقانات مع اطراف خارجية من بينها المملكة العربية السعودية.
وكما يقول زعيم سياسي عراقي "من الملاحظ أن المنطقة تعيش مخاضاً، وفي العلاقات الدولية عندما تتصاعد التصريحات حدة وتشنجاً، فإعلم أن هناك شيئاً يدور في الكواليس، وحوار يجري وصفقة تطبخ، ويدور الحديث في كواليس السياسة اليوم عن إعداد لحوار إيراني - سعودي، على غرار الحوار الإيراني - الأمريكي، والذي أفضى اليوم إلى لقاءات جدية لوضع اتفاق نووي، ونستطيع أن نفهم من بيان السعودية الأخير حول تجريمها لداعش والإخوان هو حركة استباقية للزيارة الأمريكية المرتقبة لها، وما يمكن أن يمارس عليها من ضغط".
ومجمل الاراء والقراءات العراقية تذهب الى ان زيارة اوباما المرتقبة للسعودية في الثامن والعشرين من شهر اذار/مارس الجاري، تنطوي على اهمية استثنائية في هذه المرحلة بالذات، دون ان يعني بالضرورة انها ستغلق ملفات، وتفك عقد، وتعالج ازمات، وتؤكد تلك الاراء والقراءات ان "العراق" سيشغل حيزا في مباحثات الرئيس الاميركي مع الملك السعودي، بيد ان ذلك الحيز لن يكون كبيرا، لتزاحم الملفات وتدافعها من حيث الاهمية على صدارة القائمة بالنسبة لواشنطن والرياض على السواء.
ومعروف ان الموقف السعودي حيال العراق بعد التاسع من نيسان/ابريل 2003، كان ومايزال يتسم بالتشدد والتزمت، منطلقا من عقدة خوف وقلق شديدين من التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق، والتي يمكن ان تزحف رياحها الى مساحات من المحيط الاقليمي، من بينها السعودية نفسها، التي مازال الجدل فيها قائما حول احقية المرأة بقيادة السيارة ام لا، ومنطلقا ذلك التشدد والتزمت من عقدة اخرى، وهي عقدة طائفية، تتمثل بوجود الشيعة العراقيين في السلطة، وحرصهم على بناء علاقات ايجابية جيدة مع ايران.
زيارة اوباما.. وجواب الملك السعودي حول العراق!
هاتان العقدتان جعلتا السعودية، وعلى خلاف اطراف خليجية وعربية واجنبية كثيرة، تصر على عدم استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، وعلى عدم التنازل عن الديون المترتبة لها على العراق، وكذلك التعويضات المرتبطة بحرب الخليج الثانية عام 1991، رغم معرفتها الكاملة ان العراقيين كانوا اكبر المتضررين جراء سياسات نظام صدام، وجراء الدعم الخارجي الكبير له في حربه ضد ايران، وكانت السعودية ابرز الداعمين له.
واكثر من ذلك، فإن السعودية لم تكتف بالتضييق على العراق سياسيا واقتصاديا وانما راحت تعبث بأمنه، من خلال دعم وتمويل واسناد التنظيمات الارهابية المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة وبحزب البعث المنحل، سياسيا واعلاميا وماليا وعسكريا ودينيا، وقد كان للدعم السعودي المتواصل الاثر الكبير في كل ماعاناه الشعب العراقي من الارهاب طيلة الاعوام العشرة الماضية، ولم يعد الامر يحتاج الى كثير من الادلة والحجج والاثباتات والبراهين.
ورغم ان اشارات ايجابية انطلقت من بغداد تجاه الرياض في بعض المناسبات، الا ان الاخيرة تعاطت معها بسلبية، ولعل تمثيلها المتواضع في مؤتمر القمة العربية الثانية والعشرين في بغداد في اذار/مارس 2012، ومعها قطر كانت من بين ابرز الردود السلبية الواضحة، ومن ثم مقاطعتها مؤتمر بغداد الدولي الاول لمكافحة الارهاب الذي عقد في الثاني عشر والثالث عشر من الشهر الجاري، وقد تبنت قطر نفس الموقف مثلما فعلت في مؤتمر القمة العربية!.
وعدم تبدل المواقف السعودية، والهجوم الحاد لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على كل من الرياض والدوحة في الحوار الذي اجرته معه قناة فرانس 24 الفرنسية مطلع الشهر الجاري، يؤشر الى تبدد الامال بإمكانية حلحلة المواقف السلبية المتشنجة خلال زيارة اباما المرتقبة، هذا اذا كان الاخير يسعى فعلا الى تغيير نظرة السعودية للعراق، علما انه لايبدو ان ذلك يقع في سلم اجندة زيارة الرئيس الاميركي ومباحثاته مع الملك عبد الله بن عبد العزيز.
قد تكون واشنطن مرتاحة ومسرورة للمشهد العراقي الراهن بإرتباكاته الامنية والسياسية، وهي ارتباكات ربما تراها ضرورية للمحافظة على نوع من توازن القوى القلق، الذي لابد منه في ظل المشهد الاقليمي العام، وحتى المشهد الدولي، حيث تتداخل وتتشابك الخطوط، ولايمكن عزل او فصل ملف ما عن الملفات الاخرى.
ربما سيطلب باراك اوباما من الملك عبد الله ابداء مرونة اكبر مع العراق، هذا في حال نجح في إقناعه بفائدة الانفتاح على ايران، وعدم تأثيره على العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض، واغلب الظن ان الملك عبد الله لن يتفاعل مع مثل هذا الطرح، وقد يرد على اوباما بالقول "لننتظر ما تسفر عنه الانتخابات العراقية من نتائج"!.
2/5/140324