لم ينتظر رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الله الثني طويلا ليعلن من مدينة غات أنه قرر خوض حرب على ما سماه "الإرهاب" في بلاده. كما طلب الثني من الخارج مساعدته في هذه الحرب وهو ما فهم منه أن "ثوار ليبيا" سيستنجدون مجددا بحلف الناتو على غرار ما حصل في عملية الإطاحة بنظام معمر القذافي.
هذا الإعلان دفع بالعديد من الخبراء والمحللين إلى التساؤل حول الجهة التي دفعت برئيس الحكومة السابق علي زيدان إلى الاستقالة وتنصيب وزير دفاعه مكانه على رأس السلطة التنفيذية. وتوجهت الشبهة إلى القوى الخارجية التي ترغب في استقرار ليبيا لتأمين هيمنتها على ثروات البلاد البترولية، وذهب البعض إلى حد وصف الثني بأنه مكلف بمهمة تتمثل في دعوة القوى الخارجية لمزيد إحكام قبضتها على بلاده.
إستياء
وعبر العديد من القيادات الإسلامية ونواب المؤتمر الوطني العام من الإسلاميين عن استيائهم من تصريحات رئيس الحكومة. كما أكدت رئاسة المؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي المنتخب) أن عبد الله الثني لم يتشاور معها قبل أن يعلن عن عزمه محاربة الإرهاب من خلال الاستنجاد بالخارج. ولعل ما جعل المؤتمر الوطني العام يصدر بيانا يندد من خلاله بتصريحات الثني، بحسب محللين، هو خشيته من أن يفهم موقفه على أنه مساندة للإرهاب.
ويرى كثير من الإسلاميين أن قرار محاربة الإرهاب الذي أعلن عنه الثني ما هو إلا عزم مبطن منه على تصفية الإسلاميين في البلاد، من خلال إجبارهم على ترك السلطة، إما بالقوة كما حصل في مصر، أو من خلال التحركات الشعبية السلمية كما حصل في تونس. أي أن الثني سيكون، وفقا لهؤلاء، "سيسي ليبيا" الذي يعيد خلط الأوراق ويقضي على التوازنات السياسية التي أفرزتها صناديق الاقتراع خلال الانتخابات الأخيرة التي شهدها بلد عمر المختار.
تداخل المصالح
ويرى محللون أن استنجاد رئيس الحكومة الجديد بالقوى الخارجية لمحاربة الإرهاب مرده إلى النفوذ القوي الذي باتت تتمتع به الجماعات التكفيرية في بلاده وإلى امتلاكها لأسلحة وعتاد حربي لا يبدو أن الحكومة قادرة على مواجهته من خلال جيشها الفتي الذي هو بصدد التشكل. فالثني كان وزير دفاع في حكومة زيدان ويدرك جيدا حجم القوات التي لديه ومدى قدرتها على خوض حرب حقيقية مع هذه الجماعات التي باتت الحاكمة بأمرها في البلاد.
كما تتهم جهات عديدة في ليبيا الجماعات الإسلامية ذات التوجهات الإخوانية بالارتباط مع الجماعات التكفيرية الجهادية حيث اختلط هذا بذاك وتداخلت المصالح حتى أصبح من العسير الفصل بين الجانبين. وبالتالي فإن أي استهداف عسكري ميداني للجماعات التكفيرية سيجابه بحرب سياسية شعواء تشن على عبد الله الثني من المجلس الوطني وقد تؤدي إلى سحب الثقة منه وهو ما يفسر لجوءه إلى الغرب من أجل الضغط على السياسيين الليبيين تفاديا لسحب الثقة منه.
احتماء بالقبيلة
كما تعاني ليبيا من معضلة يؤكد جل الخبراء أنها من أهم العوائق في عملية البناء، وتتمثل في احتماء أغلب من يخرقون القوانين بقبائلهم التي توفر لهم الغطاء في حال كانت هذه القبيلة من ذوي "الجاه والنفوذ". فالسيد إبراهيم الجظران، على سبيل المثال، والمتهم بإغلاق الموانئ النفطية، وجد في قبيلة المغاربة في أجدابيا التي ينتمي إليها، خير سند له، حيث رفض أعيانها قرارا تبنته الحكومة يقضي بفك حصار الموانئ بالقوة، ودعوا الحكومة والمجلس الوطني إلى التفاوض مع الجظران.
ويؤكد أكثر من طرف ليبي على أن هذه القبيلة والقبائل المتحالفة معها سيتصدون للقوات الحكومية في حال أصدر عبد الله الثني أوامره بفك حصار الموانئ التي تمثل مورد الرزق الوحيد في بلد بني اقتصاده على النفط دون سواه. لذلك فإن جل الخبراء والمحللين يتوقعون فشلا ذريعا لعبد الله الثني في مساعيه لمحاربة الإرهاب وفك حصار الموانئ، على غرار سلفه علي زيدان، حتى وإن استنجد بالخارج.
23/5/140325