لطيفة الحسيني
من يُواكب الحراك الثوري في البحرين منذ بدايته في فبراير/شباط 2011، يدرك الحاجة الملحّة لتحقيق المطالب الشعبية بالتحوّل نحو الديمقراطية. المعارضة لم تحرّك جماهيرها عبثاً.. مظلومية الشعب وصلت الى حدٍّ لا يُطاق: تهميشٌ وقمعٌ وإهانةٌ يتعرّض لها البحرينيون يومياً. تمادي السلطات في الاستخفاف بحقوق الشعب لا يٌقابل إلّا في لغة الميدان، الشوارع تمتلئ أسبوعياً بالمتظاهرين وبمسيرات تنظّمها مختلف القوى السياسية تمسكّاً بحريّة التعبير عن الرأي وتأكيداً على ضرورة تبادل الثقة بين مصدر الحكم ومن يدير البلاد.
يُسجّل المشهد البحريني بعد مضيّ ثلاث سنوات على انتفاضة شعب المنامة مزيداً من عمليات إسكات الصوت الآخر، صوتٌ غير موالٍ لسلطات آل خليفة.. الهدف هو التحرر من تمجيد للعائلة الحاكمة وتقديس لكلّ فعلاتها وانتهاكاتها في الشوارع ومداهماتها للبيوت الآمنة ومفاصل الدولة ووظائفها العامة ومدارسها وجامعاتها وأسواقها وحتى في سجونها ومعتقلاتها المكتظّة. واقعٌ مأزومٌ تعيشه جزيرة الـ55 كلم، لا حلولَ تلوح في الأفق، والحوار المزمع لا أمل له بالنجاح فالسلطات لا تبذل مجهوداً في سبيل إنجاحه وتحقيق تطلّعات شعبها، بل تستمرّ في انتهاج مناورات سياسية تضمن لها كلّ ما يصبّ في مصلحتها، ويهدّئ من حركة الشارع الثائر ضدّها، في ظلّ استهانتها بشعارات البحرينيين ومطالبهم.
على هذا الأساس، يصف الكاتب السياسي في صحيفة الوسط هاني الفردان وضع البحرين بـ"المحتقن"، ويستبعد تحسّنه قريباً "لذلك سيستمرّ الحراك طويلاً".
يعتقد الفردان بأن "السلطة البحرينية لا تبحث عن حلول بل عن مخارج ظرفية للأزمة السياسية"، ويضع في هذا الاطار "موافقتها على مجيء لجنة تقصي الحقائق الى المملكة التي تستطيع التحكم بها، وكذلك فعلت في قضية منظمة العمل الدولية والمفصولين من وظائفهم"، ويقول "لو أرادت إيجاد حلول لبانَ ذلك منذ فترة طويلة".
الأزمة البحرينية الى مزيد من التعقيد
بناءً على أداء السلطة على مدى ثلاث سنوات، لا يرى الفردان وجوداً لأي حوار في المملكة، "فعندما يقرّر الحكم حلّ أزمة بلاده سيجري حواراً جاداً يوصل الى نتيجة"، ويلفت هنا الى أن "السلطات تستغلّ الحوار هرباً من أزمة معيّنة وهي تبحث اليوم عن مخرج ينقذها من "ورطة الحوار"، وهذا يمكن أن يُترجم من خلال حدث أمني كبير كانفجار أو تصعيد الى الأرض"، في إشارة منه الى تفجيرات الدية التي وقعت هذا الشهر.
الفردان يتحدّث عن "دخول البحرين مرحلة جديدة وخطيرة بعد تلاحق الأحداث الأمنية مؤخراً، وانتقال الأزمة الى تصعيد أكثر شدّة وعنفاً وأكثر دمويةً أكان الفاعل شعبياً أم رسمياً".
من بوابة الأمن، يتوقف الفردان عند مقتل الضابط الاماراتي في عملية التفجير في العاصمة قبل أسبوعين، لينبّه الى أن "الامارات وقعت في مأزق كبير جراء كشفها بنفسها عن تورطها في قمع المسيرات في البحرين، خاصة أنها أعلنت سابقاً عن مشاركتها في قوات درع الجزيرة بحجة حماية المنشآت الحيوية في البحرين، إلّا أن تواجد أحد ضباطها في قرية سكنية وشعبية بامتياز دحض ادّعاءاتها وأثبت أن لا مبرر لوجود جنودها في البحرين، وهذا ما يؤكد حضور القوات السعودية والاماراتية في مناطق شعبية لممارسة مهام القوات الأمنية البحرينية، وصولاً الى ارتدائها الزي نفسه للشرطة البحرينية ففي هذه الحالة لن يجري التفريق بين جنسيات عناصر درع الجزيرة".
الأزمة الخليجية المستجدّة مع قطر، من وجهة نظر الفردان، لا تؤثّر على الوضع السياسي الداخلي في البحرين، فقيادات مجلس التعاون الخليجي متفقة رغم كلّ ما يحكى عن خصومة وسحب للسفراء، على الحفاظ على سلطاتها الحاكمة وعدم المساس بأي منظومة تخصّها.
لا يفصل الفردان بين إعلان تنظيم "داعش" عن عزمه التمدّد الى الجزيرة العربية وبين الأنباء التي تردّدت عن تأسيس "داعش" في المنامة، بل أكثر هو يظنّ أن "الارض مهيّأة لولادة "داعش" على الاراضي البحرينية".
بالموازاة، يبدو أن التورّط الخليجي في القتال في سوريا له قراءة مختلفة في البحرين، بحسب ما يقول مصدر مراقب في المملكة، فرغم تجريم المنامة قتال رعاياها خارج البلاد على غرار ما فعلت حليفتها السعودية، لا يمكن الحدّ من هذه الظاهرة أبداً وكلّ ما تستطيع فعله محاربة دعاة الجهاد، أما تصنيف الرياض للاخوان المسلمين كجماعة إرهابية، فقد أربك المنامة، لأنه لا ينسحب عليها، ولأن نظام الحكم فيها قائم على إدراج الاخوان في السلطة، وعليه هناك وزيران في الحكومة تابعان لـ"إخوان" البحرين.
من هنا يُفهم أن السلطة لا ترغب اليوم في خوض معركة مع هذا التنظيم داخل أراضيها بل تفضّل الإبقاء على تحالفها مع التيار السلفي والاخوان في المملكة. المراقب يخلص الى أن تنظيم الاخوان داعم قوي للنظام البحريني والانقلاب عليه سيضرّ الأخير كثيراً، خاصة أنه وضعه حساس وليس بمقدروه الاختلاف مع السعودية، وعليه، يمكن تفسير التناقض بين تصريحات وزير الخارجية البحريني قبل أيام، فمن جهة يدافع عن "الاخوان" ومن جهة أخرى يرتبك عند الحديث عنهم.
المصدر يلفت في الختام الى أن "موقف نظام آل خليفة من الاخوان سيستمرّ ملتبساً: لا حرب معهم حفاظاً على مصالح السلطة في الكثير من المؤسسات الرسمية التي يسيطرون عليها".
5/5/140326