خليل حرب
ليس خبراً عادياً أن يجري تعيين ولي للعهد في السعودية بالطريقة واللهجة التي جرى فيها، والأهم، ليس في مثل هذه الظروف الدقيقة والمضطربة التي تنبعث هواجسها من قصر روضة خريم الملكي.
بالشكل، يمكن ان يكون قرار الملك عبدالله بن عبد العزيز بتعيين، أخيه غير الشقيق، الامير مقرن ولياً مقبلاً للعهد، خطوة طبيعية، في إطار ما يوصف بترتيبات البيت الداخلي، إلا ان عناصر كثيرة تجعل من خطوة الملك السعودي التي تسبق وصول الرئيس الأميركي باراك اوباما الى المملكة بساعات، أكثر من مجرد قرار عادي.
ولعل من أبرز ما يشير اليه قرار الملك السعودي الذي أرفقه بعبارة «لا يجوز تعديله او تبديله بأي صورة كانت، ومن أي كائن كان»، الى تقدم الامير مقرن (68 سنة) بقوة نحو منصب الملك، ما يعزز التكهنات حول تدهور صحة الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي العهد الحالي الأمير سلمان (77 سنة).
وبحسب البيان الذي وزعته وكالة الأنباء السعودية وبثه التلفزيون السعودي، فإن عبدالله (90 سنة) أعلن تعيين مقرن «ولياً لولي العهد» مع استمرار احتفاظه بمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، و«ولياً للعهد في حال خلو منصب ولي العهد او منصبي الملك وولي العهد، فتتم حينها مبايعة الامير مقرن ملكاً»، مشيراً الى حصول التعيين على موافقة «ثلاثة ارباع اعضاء هيئة البيعة» وعددهم 34 أميراً.
لكن أهم ما تشير إليه خطوة الملك السعودي الى أن عهد «السديريين» يشهد تبدلات كبرى من دون أن تعني نهايته الوشيكة. فالأمير مقرن، هو أصغر ابناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، لكنه لا ينتمي الى الاخوة «السديريين»، أي ابناء زوجته حصة بنت احمد السديري، وهم الملك الراحل فهد، والأمير الراحل سلطان، والأمير الراحل نايف، وولي العهد الحالي الامير المريض سلمان، بالاضافة الى الامراء عبد الرحمن وتركي الثاني وأحمد.
وبناء على تقدّم مقرن نحو منصب الملك، فإن الطريق صارت ممهدة نسبياً امام اقتراب وزير الحرس الوطني الامير متعب بن عبدالله (نجل الملك الذي لا ينتمي الى السديريين)، نحو ولاية العهد، لتنتهي بذلك السلسلة السديرية في أعلى منصبي الحكم (الملك وولاية العهد)، اذ لا ينتمي اليها أي من الرجلين.
لكن ذلك قد يكون فاتحة صراعات جديدة في مملكة القلق السعودي، إذ ان انتهاء حكم الجيل الاول من ابناء الملك المؤسس، لا يعني بالضرورة الدخول في مرحلة استقرار ووئام داخلي بين ابناء «الجيل الثاني» الذين يُعَدُّون بالمئات.
فاذا كانت تفاهمات الاخوة السديرية المباشرة، وتسوياتها العائلية، حكمت العقود الماضية وضبطت مستوى الصراعات داخل البيت الواحد بشكل او بآخر، فإن «ابناء الجيل الثاني» أكثر تحرراً وتطلباً من آبائهم وطموحاتهم أكثر تعدداً.
ولن يقتصر الصعود في هرم الحكم السعودي على مقرن ومتعب في حال وفاة الملك عبدالله وولي العهد الامير سلمان. ولا يبدو أن «هيئة البيعة» التي شكلها الملك قبل سنوات، ستكون قادرة وفق صيغتها القائمة على احتواء ازمات الخلافة التي يمكن أن تنشب مستقبلاً. وكما هو معلوم، فإن اعضاء الهيئة الأمراء الـ 34، من احفاد الملك المؤسس، جرى تعيينهم من جانب الملك عبدالله، وتولى رئاستها الأخ غير الشقيق للملك، الامير مشعل بن عبد العزيز.
وبحسب الآلية المتبعة، فإن الملك يقترح اسماء المرشحين لتولي ولاية العهد، ويفترض ان للهيئة الحق برفض المقترحات او القبول بها او اقتراح مرشح بديل، فإذا رفضه الملك نفسه، تنتقل عملية الاختيار مجدداً الى الهيئة التي تصوّت وفق مبدأ الغالبية لتختار بين مرشحها ومرشح الملك. لكن عبارة «لا يجوز تعديله او تبديله بأي صورة كانت، ومن أي كائن كان» الواردة في القرار الملكي بالأمس، توحي بلهجة حسم، تقطع الطريق على احتمالات مستقبلية غير مرغوبة، يبدو أن الملك يتحسس مخاطرها منذ الآن، في ما قبل وفاته وولي عهده.
وغالب الظن أن استخدام الملك لهجة الحزم في اعلان قراره، مرتبط ايضاً بشكل ما بما هو معروف في الاوساط السعودية، بأن والدة مقرن يمنية الاصل، وكانت تعرف باسم «بركة اليمانية» في حين أن التقاليد المتبعة، هي ان تكون والدة الملك من قبيلة سعودية. ومن شأن هذا أن يثير الكثير من الضغائن في نفوس الخلفاء الذين يعتبرون أنفسهم أكثر أهلية للحكم، خاصة من جانب الاخوة غير الاشقاء.
والى جانب ذلك، فان ترفيع مكانة الامير مقرن في هرم السلطة، تعني في جانب آخر، تأخير حظوظ وزير الداخلية الامير محمد بن نايف لتولي الحكم. ومن الطبيعي ان يعتبر الامير محمد نفسه المرشح الأوفر حظاً لتولي منصب الملك لما يتمتع به من ثقة، داخلية وخارجية، اكتسبها خصوصاً في جهوده في مكافحة الارهاب الذي هز استقرار المملكة لسنوات، تعززت بعد توليه وزارة الداخلية قبل عامين، وزيارته الاخيرة الى واشنطن، حيث شارك في اجتماع امني دولي، رفيع المستوى، تناول ملف الازمة السورية ومخاطرها، بل جرى على ما يبدو تكليفه المتابعة الأساسية للملف السوري، وإبعاد رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر، عنه.
وكانت مصادر أميركية اشارت مؤخراً ايضاً الى ان الامير متعب سيتولى ايضاً جانباً من متابعة الملف السوري. وكان من اللافت ان نائب وزير الخارجية السعودي الامير عبدالعزيز بن عبدالله، المعروف بعلاقاته الاقليمية، مثل المملكة في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أيام، قبل وصول ولي العهد سلمان ووزير الخارجية الامير سعود الفيصل لاحقاً.
ومن الممكن ان تتقاطع هذه المعطيات بشأن تقدم شخصيات جديدة الى المشهد السعودي وإبعاد شخصيات اخرى، على غرار بندر، مع معلومات تخرج بين الحين والآخر من خلف جدران الصمت السعودي، تشير الى صراعات الأجنحة في المملكة، مع ما يعنيه ذلك من تبدلات في السياسات الخارجية للسعودية المحاطة بنيران القلق والصراعات والخلافات حتى مع أصغر أشقائها الخليجيين.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن تحول ما في الموقف السعودي من قضية الانفتاح في العلاقات الايرانية ـ الاميركية والتي ستكون بنداً رئيسياً على جدول اعمال اوباما في الرياض اليوم. وتشير المعلومات الى ان المملكة التي صعّدت لهجتها في الشهور الماضية ضد التفاهمات النسبية التي تكشفت بين الايرانيين والاميركيين قد تبدأ الإقرار بالامر الواقع، باعتبار هذه التفاهمات حقائق لا بد من الاعتراف بها باعتبارها تتسق مع المصالح الاميركية في المنطقة، وبالتالي لا فائدة ترجى من الاستمرار في إظهار سياسة العداء مع الاولويات الاميركية الاقليمية، في ظل الحاجة السعودية الملحة الى علاقة هادئة مع واشنطن في هذه الظروف الانتقالية التي تعبر فيها المملكة السعودية.
وبالتالي تصبح التساؤلات مشروعة، عما اذا كان ما يجري الآن في اروقة الحكم السعودية، يندرج في سياق إضعاف ما يمكن تسميته بـ «التيار المتشدد» في قضايا السياسة الخارجية بما يتعلق بسوريا وايران والعراق وغيرها، لمصلحة تيار اكثر براغماتية تنتمي اليه شخصيات على غرار الأمراء مقرن ومتعب وعبد العزيز بن عبدالله ومحمد بن نايف؟
في غضون ذلك، من المفترض أن يصل اوباما إلى الرياض اليوم، في زيارة سيحاول خلالها طمأنة المسؤولين السعوديين عبر تأكيد أهمية العلاقات الثنائية. وتتزامن زيارة اوباما إلى السعودية مع أزمة تعصف بمجلس التعاون الخليجي بسبب دعم قطر لجماعة «الاخوان المسلمين»، الأمر الذي تعتبره دول أخرى «تدخلاً» في شؤونها الداخلية. وقد أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نهاية الأسبوع الماضي، أنّ هذه الأزمة أدّت إلى إلغاء قمة بين اوباما وقادة الدول الخليجية الست خلال زيارته المنطقة، لكن البيت الأبيض نفى ذلك، مؤكداً أن القمة كانت مجرد فكرة ليس أكثر.
8/5/140328