الدكتور خيام محمد الزعبي-صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية
تشهد منطقة الشرق الأوسط تغييرات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، وإعادة هيكلة التحالفات وإستبدال الحلفاء القدماء بآخرين جدد، وفقاً لإعتبارات تقتضيها مصلحة الدول.
يأتي على رأس هذه التغيرات التقارب الروسي الإيراني الصيني، فقد شهدت العلاقات بين موسكو وبكين تطوراً ملحوظاً بعد تولي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا، وإزاد التقارب بين البلدين في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، والتي أثارت قلق واشنطن بشكل كبير، وقيل عنها إنها مشروع لحلف عسكري أسيوي كبير تقوده روسيا والصين معاً، كما إتضح التقارب بين روسيا والصين في المواقف السياسية إلى حد التطابق، وقد شاهدنا الفيتو الثنائي المتكرر منهما في مجلس الأمن الدولي في الأزمة السورية، وموقفهما المشترك من أحداث الربيع العربي، ومن أزمة البرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي يثير شكوكاً وقلقاً لدى الغرب وواشنطن من مشروع تحالف إستراتيجي بين البلدين قد يضم معهما بلداناً أخرى مثل إيران وغيرها.
كما إن حاجة روسيا إلى حلفاء إقليميين في الشرق الأوسط لتجديد عودتها إلى المنافسة على الزعامة الدولية دفعها لتمتين علاقاتها مع دول في الإقليم تقف بالمرصاد ضد السياسة الأمريكية، ولم تجد أفضل من إيران المحاصرة أمريكياً، والحريصة على التحالف مع أطراف دولية قوية قادرة على دعمها في مواجهة التسلط الأمريكي، هنا يمكن القول إن روسيا اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لترسيخ علاقتها بالصين وإيران لتكوين جبهة قوية ضد الهيمنة الأمريكية، ووضع حد لإنفرادها بالسيطرة على العالم من دون منازع وكسر سياسة الإحتواء والطوق الذي تريد أن تضربها على هذه الدول بسياسات مختلفة، وكانت القيادة الروسية قد أشارت إلى تأسيس مثلث استراتيجي يجمع الصين وروسيا وإيران وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة لأنه يقلص من هيمنتها ويقزم دورها في المنطقة، ولذلك فهي تعمل على إغراء إيران بكل ما تحتاجه حتى لا تعطى لها فرصة الإنضمام لهذا الثالوث الإستراتيجي العملاق، لذلك إنطوى التقارب الأمريكي الإيراني في حقيقته عن إبعاد طهران عن موسكو أو إضعاف العلاقة البراغماتية بينهما، خاصة في أوضاع منطقة وسط آسيا وبحر قزوين، وكذلك الساحة السورية، ومنها أيضاً الملف النووي الإيراني وتكريس العلاقة مع الإتحاد الأوربي و الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) بطريقة إضعاف روسيا في هذا الملف الذي باتت فيه تستخدم أسلوب المساومة والمقايضة حيال القضية الأوكرانية. لذلك حاولت روسيا أن تجعل من إيران شوكة في حلق أمريكا وورقة ضغط رابحة تستخدمها في كل الظروف وفي كل الأزمات، وهي كذلك موقع استراتيجي متقدم من الحدود وحزام من الأحزمة الواقية لروسيا، ولذلك فإن الدور الإقليمي الذي يمكن أن تقوم به إيران مهم بالنسبة إليها وجزء لا يتجزأ من إستراتيجيتها العسكرية. وفي هذا الإطار تسعى كل من روسيا وإيران والصين إلى تشكيل تحالف إقليمي ليكون صداً في وجه الإختراق الأميركي للمنطقة، خاصة في المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي سابقاً والتي فرط عقدها إثر انهياره، وقد عمدت هذه الدول إلى تأسيس بعض المنظّمات الإقليمية و تفعيل البعض الآخر لهذا الغرض. وفي سياق متصل شهدت الأسواق الأوروبية حالة من الإضطراب مع تباين مواقف القادة حول كيفية فرض عقوبات على روسيا بشكل لا ينعكس سلباً على إقتصادياتهم في الوقت الذي تشعر فيه بعض الدول الغربية بالقلق إزاء الآثار طويلة الأمد المترتبة على التوترات المتزايدة بينها وبين روسيا، وسيكون بالتأكيد لكل ذلك تأثير كبير على الأسواق الصينية والإيرانية وسينعكس إما من خلال إنكماش التجارة العالمية أو تراجع التجارة الإقليمية، وقد تلحق هذه العوامل ضرراً بالنمو الإقتصادي في الصين الذي يمر أصلاً بحالة من التراجع، كما يمكن القول إن الصين هي الرابح الأكبر من الأزمة الأوكرانية ودعم الموقف الروسي، حيث ستستفيد الصين بشكل مباشر من الأزمة بين روسيا والقوى الغربية حول أوكرانيا، كونها في السابق تفاوضت الصين مع شركة غازبروم الروسية، وهي واحدة من أكبر شركات إستخراج الغاز الطبيعي، أما على المدى الطويل ترغب الصين في بناء علاقات مستقرة مع أوكرانيا وأوروبا والاتحاد الأوروبي وروسيا، وتمثل جميع هذه البلدان أطرافاً وشركاء إقتصاديين يمكن أن تستفيد منهم لتحقيق نموها، لذلك تقف الصين موقف المتفرج على الأزمات الحالية، ولكن عينها تظل مفتوحة على المشهد العالمي على المدى الطويل، وتعتبره مكسباً كبيراً في المستقبل القريب.
وفي هنا يمكنني القول إن الموقف الصيني له دور في لجم الإندفاع والتهور الأميركي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، وتجاه العديد من المواضيع المثارة على كل المستويات الأممية، وقد كان الملف النووي الإيراني واحداً منها، حيث سقطت سياسة التهديد العسكري الأميركي ضد إيران. وهو ما دفع بالرئيس الأميركي ''باراك أوباما'' طوال حقبته الرئاسية الأولى، لتفضيل الخيارات الدبلوماسية، وتركيزه على العمل مع حلفائه سياسياً ودبلوماسياً كبديل عن استخدام القوة، في رؤية لا يستطيع من خلالها تجاهل الدور الروسي وحتى الصيني في معالجة معظم القضايا الدولية.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن العالم يشهد اليوم أربع قوى إستراتيجية كبرى المتمثلة في أمريكا، أوروبا، الصين، روسيا، وتعتبر أمريكا وأوروبا حليفان إستراتيجيان، وإن تقارب روسيا وإيران والصين من شأنهما أن يؤثرا على المكانة الإستراتيجية الأمريكية، والتحفيز الكبير ليس فقط بالنسبة لأمريكا ولكن بالنسبة للعالم الغربي، حيث يحوم حالياً شبح الحرب الباردة الثانية ، بسبب الصراع الروسي الأمريكي بشأن الأزمة الأوكرانية، أو وصول علاقة اليابان مع دول الجوار إلى نقطة التجمد، وبموجب هذا السيناريو أصبح التقارب الإستراتيجي بين روسيا وإيران والصين مرساة استقرار للعالم، وهي ضمان إستراتيجي لمنع نشوب حرب باردة جديدة، كما أن النهوض الصيني الإيراني يشكل تحدياً لا مثيل له بالنسبة للغرب وأمريكيا على وجه الخصوص.
20/5/140506