عادل الجبوري
منذ اكثر من عشرة اعوام والعراق يعيش في حلقة مفرغة من المشاكل والازمات، التي تتصدرها المشكلة الامنية .
يمكننا ان نشخص اسباب المشكلة الامنية في العراق بالنقاط التالية:
1-الاحتلال الامريكي للعراق، والسياسات التي اتبعها الامريكان في ادارة شؤون العراق، وخصوصا الجانب الامني والعسكري منها. والتي تمثلت اساسا بإبعاد الناس المخلصين والمضحين والشرفاء من مواقع المسؤولية والقرار.
2-المشاريع والاجندات الخارجية، لعدد من القوى الاقليمية التي انطلقت من منطلقات طائفية مذهبية مقيتة، ادت الى استشراء واستفحال الارهاب في العراق، والذي تسبب بإزهاق ارواح الكثير من الناس الابرياء.
والسعودية وقطر وتركيا ودول اخرى كانت ابرز القوى الداعمة للارهاب التكفيري والصدامي في البلدان.
3-غياب المهنية في داخل المؤسسة العسكرية والامنية، الى جانب استفحال الفساد الاداري والمالي، من خلال بيع وشراء المناصب بمبالغ باهضة، اضعف تلك المؤسسة، وجعلها عاجزة عن اداء مهامها وادوارها ووظائفها بالشكل الصحيح والتنافس المحموم على المواقع والامتيازات.
4-ضعف الجانب الاستخباراتي الى حد كبير، الى جانب اختراق الاجهزة الامنية والاستخباراتية من قبل الجماعات الارهابية المسلحة والاطراف الخارجية الداعمة لها، واكبر دليل على ذلك هو ان الارهابيين يصلون الى مؤسسات ومراكز حساسة جدا ، كما هو الحال مع الهجمات والاقتحامات لسجون ومراكز شرطة ووزارات ومؤسسات حكومية في بغداد وعدد من المحافظات.
5-التعيينات الكثيرة عبر الوساطات والرشى والعلاقات المصلحية بعيدا عن المهنية ومن دون التدقيق والتمحيص في السير الذاتية وملفات الكثير من الذين يتم قبولهم في الاجهزة الامنية والعسكرية.
6-بحسب الاحصائيات الرسمية، يبلغ عدد منتسبي المؤسسات الامنية والعسكرية العراقية بمختلف عناوينها حوالي مليون وثلائمائة عنصر ، وهذا عدد كبير، والمفارقة ان الاوضاع الامنية لم تتحسن مع الزيادة المستمرة في اعداد منتسبي الاجهزة الامنية والعسكرية، بل على العكس، فإنها انها لم تكن قد تراجعت، فقد بقيت على حالها من الضعف والاختراق والسلبية.
7- الجيش العراقي وبحسب ما هو معروف يتألف من 17 فرقة عسكرية الى جانب تشكيلات الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية ، وجهاز المخابرات وجهاز الامن الوطني وجهاز مكافحة الارهاب، وفي ظل كل ذلك فان مستوى الاوضاع الامنية لا يتناسب مع هذا الكم الهائل من المنظومات الامنية والعسكرية.
8-اضافة الى ذلك فان الميزانية المخصصة للمؤسسات الامنية والعسكرية من الميزانية العامة للدولة في كل عام كبيرة جدا مقارنة بالاموال التي تخصص لقطاعات التربية والتعليم والصحة والاسكان وبقية المجالات، ففي كل عام لا يقل الانفاق على تلك المؤسسات عن عشرين مليار دولار، لكن للاسف الشديد لا نلمس اية تغييرات ايجابية، فالتفجيرات مستمرة، والارهابيون يعيثون قتلا وذبحا بأبنائنا في مناطق ومدن مختلفة من بلدنا العزيز.
الامن العراقي ما هو الحل؟
تقوم الرؤية الموضوعية والواقعية لحل المشكل الامنية في العراق على النقاط التالية:
1-اختيار شخصيات كفوءة وقادرة ونزيهة وغير متحزبة لتولي مسؤولية الوزارات والمؤسسات ذات الطبيعة العسكرية والامنية، مثل وزارات الدفاع والداخلية وجهاز الامن الوطني، وجهاز المخابرات، وجهاز مكافحة الارهاب.
2-تشكيل مجلس اعلى للامن القومي-الوطني في البلاد يتألف من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع والداخلية ورؤساء اجهزة المخابرات والامن ومكافحة الارهاب، ورؤساء الكتل البرلمانية، تكون مهمة ذلك المجلس رسم السياسات الامنية والاشراف على الخطط والمشاريع الامنية والعسكرية.
3-اعادة النظر في قادة الفرق والالوية ومختلف المواقع العسكرية والامنية العليا، واختيار اشخاص مهنيين وكفوئين واصحاب تاريخ مشرف، وإبعاد العناصر البعثية والعناصر التي ثبت او يثبت تواطؤها مع الارهابيين ومع اطراف خارجية معادية للبلد، وتعمل ضد مصالحه.
4-اعطاء فرص جيدة ومناسبة للاشخاص الذين قارعوا نظام البعث السابق لسنين طويلة من مختلف مكونات المجتمع العراقي ووضع حد لسياسة الاقصاء والتهميش والابعاد التي اتبعت بحقهم طيلة الاعوام العشرة الماضية.
5-وضع الخطط والسياقات الفاعلة للقضاء على مظاهر الفساد المالي والاداري المستفحل في المؤسستين الامنية والعسكرية، ووضع حد لظاهرة بيع وشراء المناصب العسكرية والامنية بمبالغ باهضة جدا.
6-تفعيل الجانب الاستخباراتي في مقابل تقليص المظاهر العسكرية في المدن والشوارع، والمعروف انه في بغداد وحدها يبلغ عدد نقاط التفتيش اكثر من الف وثلاثمائة سيطرة، ورغم هذا العدد الكبير، الا ان التفجيرات الارهابية تحصد في كل يوم ارواح عشرات الناس الابرياء وتهدد مصالح الكثيرين وتعطل اعمالهم ونشاطاتهم الحياتية.
7-التنسيق بدرجة اكبر مع الدول التي لا تتقاطع مع العراق، والتي تعاني هي الاخرى من الارهاب، في ذات الوقت، العمل على تحييد الدول الداعمة للارهاب من خلال الضغط عليها كأن يكون بتقليص العلاقات الاقتصادية والتجارية معها، وعبر المحافل الدولية بعرض الارقام والحقائق التي تثبت دعمها وتمويلها للارهاب، الى جانب الحملات الاعلامية ضدها.
8-اعطاء دور اكبر لابناء العشائر في المناطق والمدن التي تعاني من وجود الجماعات الارهابية كما هو الحال في الانبار، لان ابناء العشائر يعرفون طبيعة مناطقهم، ويعرفون اكثر من غيرهم الاساليب المناسبة لمواجهة الارهابيين.
9-ترسيخ اللحمة الوطنية، والعمل على طرح وصياغة مواقف وطنية موحدة من قبل السياسيين ورجال الدين وشيوخ العشائر، تفضح وتعري اصحاب التوجهات الطائفية المقيتة، وتعزلهم، وتساعد على تخفيف حدة الاحتقانات، وتساعد في التمييز بين الافعال الارهابية المشينة والمرفوضة، والمواقف والافعال السليمة والصحيحة، وقد كان للمرجعيات الدينية ولشخصيات سياسية ودينية مواقف تأريخية مشرفة في المحافظة على وحدة العراقيين، وتفويت الفرصة على اعداء العراق من تحقيق مؤامرتهم ضد هذا الشعب الكريم الطيب.
وللعلم فإن الارهاب استهدف الجميع.. الشيعة والسنة، والعرب والاكراد والتركمان، والمسلمين والمسيحيين والايزيديين والصابئة، واستهدف العراق من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال، ومن الشرق الى الغرب بدون استثناء، ولم يستهدف الارهاب سوى المخلصين والشرفاء والطيبين من ابناء الشعب العراقي.
10-وضع خطط عملية وعلمية من قبل اصحاب الاختصاص لتأمين كل حدود العراق، لا سيما حدوده مع الدول التي تمول وتدعم الجماعات الارهابية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي ترتبط مع العراق بحدود طويلة ذات طبيعة صحراوية تتيح تسلل الارهابيين وتهريب الاسلحة ووسائل النقل، ومختلف الوسائل التي تساعد الارهابيين على تنفيذ اعمالهم الاجرامية.
11-تحسين اداء منتسبي الجيش والشرطة وكل الاجهزة الامنية والعسكرية، من خلال الحوافز المادية المجزية، وتعزيز الجوانب المعنوية والشعور الوطني لديهم، من خلال تكريس معايير العدالة والانصاف بينهم، ومعالجة مظاهر الفساد والمحسوبية والمنسوبية، والقضاء على ظاهرة الفضائيين (الموظفون غير المتلزمين بالدوام ويتقاضون نصف رواتبهم) التي تعتبر من بين ابرز ظواهر الفساد في مؤسسة الجيش العراقي.
https://telegram.me/buratha