الدكتور خيام محمد الزعبي صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية
تفرض اليوم إيران نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة، ولاسيما بعد أن إستطاعت تغيير الموقف الغربي والأميركي بشأن برنامجها النووي، وجعلت من المفاوضات ممراً إجبارياً وطريقاً وحيداً للتوصل إلى تسوية مع الأطراف التي تعارض إمتلاكها التقنية النووية للأغراض السلمية رغم القلق والرعب الذي يسيطر على إسرائيل.
يتوهم كل من يظن أن السعي الأمريكي والغربي لتسوية الملف النووي الإيراني هو الحفاظ على السلام العالمي وحماية المدنيين بإسم القانون الدولي كما يدعي به الغرب وأعوانه في المنطقة، فالهدف الأساسي والرئيسي لهذه التسوية هو لحماية أمن إسرائيل وردع كل قوى المقاومة في المنطقة خصوصاً إيران وهي القطب النووي والتكنولوجي الصاعد وهذا ما يرعب ويثير قلق إسرائيل لتتدخل أمريكا سياسياً وعسكرياً على جميع الأصعدة وعلى حساب مصالحها وفي جميع الظروف حماية لهذا الكيان، وهذا ما بدا جلياً من خلال إشتراط أميركا للتوصل لاتفاق نهائي مع إيران بشأن برنامجها النووي موافقة الأخيرة على إجراءات عملية للتحقق من تنفيذ الإتفاق وبما يضمن أمن إسرائيل، لنكشف بذلك وجه أمريكا الحقيقي وأن السلام والأمن التي تتغنى بهما مجرد وهم وكذبة تسعى فقط لحماية مصالحها في المنطقة وتحقيق أمن الكيان الإسرائيلي، ومن هنا فإن الدول الإستعمارية تسعى لتحقيق سايكس بيكو جديد، أساسه تقسيم كل دولة عربية كبيرة إلى عدة دول وهذا الهدف يجري عليه من خلال منع ظهور أي قوة إقليمية على أساس عربي إسلامي وإفراغ العروبة من محتواها الفكري والسياسي والإقتصادي وتصفية ما تبقى من بيت العرب من موروثات عالقة على غرار العمل العربي المشترك، بذلك تعتبر أمريكا وإسرائيل هي المحرك الأساسي لكل بؤر التوتر والحروب في المنطقة بدءاً من العراق مروراً باليمن وليبيا وصولاً إلى مصر وسوريا، ودليل ذلك ما أكدته مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس من خلال كلمة لها في واشنطن في حفل لإحياء ذكرى إنشاء دولة إسرائيل، أكدت فيها أن واشنطن ستتخذ موقفا متشدداً من برنامج إيران النووي يطمئن إسرائيل، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ملزمة بأمن إسرائيل وبقدرتها على حماية نفسها، وأضافت إن أمن إسرائيل يعتبر أولوية عليا في المفاوضات مع إيران حول مسألة النووي الإيراني.
وفي سياق متصل توضح إستثمارات الولايات المتحدة في مجال الدفاع الإسرائيلي مدى إلتزامها بتحقيق أمن إسرائيل،إذ وقعت إدارة أوباما وإسرائيل إتفاقية لضخ المزيد من الإستثمارات الأميركية في مشروع القبة الحديدية، التي تعمل على الدفاع عن إسرائيل ضد الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها مقاتلون في غزة وسيناء ولبنان, حيث تتعقب الصواريخ وتقصفها في الجو، هذا مما يشير إلى التزام أمريكا المتواصل تجاه أمن إسرائيل.
في هذه المرحلة تجتمع إيران ومجموعة (5+1) ، في فيينا لجولة جديدة من المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى تسوية دبلوماسية شاملة للنزاع النووي القائم منذ عشر سنوات، وفي حين يتهم الغرب وإسرائيل إيران بالسعي لإمتلاك أسلحة نووية، فإن طهران تؤكد أن برنامجها لأغراض سلمية، والهدف من هذه المفاوضات بين طهران والدول الكبرى إلى أن تعطي إيران ضمانة دائمة بشأن الطابع السلمي البحت لبرنامجها النووي، لتحصل مقابل ذلك على رفع العقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها منذ سنوات.
ويقيناً، تدعم إسرائيل أي مبادرة لإزالة القدرات النووية الإيرانية، بما في ذلك المبادرة الدبلوماسية الأمريكية الحالية، بيد أنها متشككة من نجاح أي جهود دبلوماسية في إنجاز ذلك الهدف، فإسرائيل قلقة من إمتلاك إيران لسلاح نووي يمثل تهديداً لا يمكن تقبله، وهو غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً، وتلتزم الولايات المتحدة بشكل كامل على منع إيران من تطوير أسلحة نووية، ليس لأن ذلك يشكل تهديداً لأمنها القومي بل من أجل تحقيق أمن إسرائيل في المنطقة.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن ما تقوم به واشنطن من حماية للكيان الصهيوني ودعمه بالمال والسلاح، وإصرارها على الإحتفاظ بترسانته النووية، يستدعي من المجتمع الدولي المحب للسلام والأمن والإستقرار ضرورة الضغط على الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الإستعماري للتخلي عن سياسة المعايير المزدوجة، وإلزام إسرائيل بفتح منشآتها النووية للتفتيش وإجبار إسرائيل على التوقيع على معاهدة حظر الإنتشار النووي، وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من هذه الأسلحة المدمرة ليعود الأمن والإستقرار لشعوب المنطقة والعالم.
18/5/140516
https://telegram.me/buratha