أمين أبو راشد
من المُلفِت، أن الرئيس ميشال سليمان خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، كثَّف من إطلالاته الخطابية سواء من جبيل أو الجوار، وأن مسألة أساسية باتت مادة لخطابه السياسي هي موضوع المقاومة، خاصة بعد عودته من السعودية بالمليارات الثلاث لدعم الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية، مشروطة فرنسياً بألاّ تتضمن هذه الأسلحة ما قد يُهدِّد أمن “إسرائيل”، وإننا إذ نستذكر ملاحم البطولة التي سطَّرها الجيش في تلاحمه مع المقاومة سواء في عامي 2000 و 2006 أو ما قبلهما وما بعدهما، فإننا مع تجهيز هذا الجيش الوطني السياديّ وتطويره باستمرار لمواجهة أي عدوان، رغم أنَّ ما تمّ إنجازه على صعيد تحرير الأرض اللبنانية من رجس الإحتلال لم يتطلب مساعداتٍ من أي مصدرٍ عربي، وحقَّقت المقاومة بالتنسيق مع الجيش ما عجِزت وتعجز عنه بعض الأموال الخليجية.
هذه الإستفاقة للرئيس سليمان على المقاومة هي مسألة شخصية تُلزمه هو دون سواه، ولسنا نتوقَّف عند رأيٍ شخصي أراده الرئيس ردِّاً على غياب احتمالية التمديد، وفاتحةً ومفتاحاً للمرحلة المقبلة بعد التقاعد، خاصة أن الإطلالة الأخيرة من جبيل جاءت محلية بامتياز، بحجم الإنجاز المحلي الذي تحقق عبر قرية رياضية تُخلّد إسم الرئيس في منطقته، بصرف النظر عن الحجم الشعبي والتمثيلي والسياسي لشخصه سواء في جبيل أو كسروان، لأن النبض هناك كما في كل لبنان، لا يُبدِّله إنشاء ملعبٍ رياضي، ومعايير التقييم الوطنية هي التي تحدِّد أداء الشخص ومقدرته كلاعبٍ على المستوى الوطني، خاصة عندما يكون في سدّة الرئاسة الأولى للجمهورية اللبنانية.
وعندما نسلِّم جدلاً بأن البعض يرى الذهب خشباً، فليكن الحُكم للتاريخ الذي وحده يُصنِّف خشب الأرز من الحَورِ والصفصاف، وإذا كان الرئيس بدأ كلمته الأخيرة في جبيل بالقول: “لا يجب أن يذكر التاريخ وقت انتخاب الرئيس ووقت انتهاء ولايته فحسب” في إشارة الى ما يجب تحقّيقه من إنجازات خلال الولاية، فإننا نُحيل العهد “الراحل” لِحُكم التاريخ، لأن طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس ليتوِّج بها عهده كإنجازٍ يتيم، نسفها قبل رحيله، وهي عجِزَت أصلاً عن تحقيق أي هدف لأن خطئاً مبدئياً إرتُكِبَ من البداية من خلال طرح مسألة سلاح حزب الله وليس بناء “إستراتيجية دفاعية”، في بلدٍ ما زالت أجزاء عزيزة من أرضه محتلَّة، مما كان يستلزم “إستراتيجية هجومية” وليس دفاعية لإسترداد ما هو مسلوب.
وإذا كانت المقاومة، من منطلق الحرص على سلامة الوطن والشعب في الداخل، وبوجود سياسة النعامة الذليلة في المحيط العربي، تأخذ الأمور بروِّية في ما يتعلق باسترداد ما تبقى من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، فهذا لا يعني أن يُسمح للبعض ممن ينادون بلبنان الـ 10452 كلم مربع من المقاهي والصالونات، باستغلال سِعَة الصدر وأن يتفوَّهوا حتى بإبداء رأي في الإستراتيجية الدفاعية، أو أن يُسمح لهم بالبحث في سلاح المقاومة الذي يُشكِّل توازن رعب بوجه أعتى جيش عنصري في العالم، وبات من حقِّنا أن نواجه المتطاولين، بالحجَّة والمنطق والحقّ، …وهنا يكمن بيت القصيد.
ضمن المعادلة الثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، هناك الشعب، فأين رأي الشعب المعني أولاً وأخيراً كجزء من هذه الثلاثية؟ بل أين العدالة في الهجوم على هذه الثلاثية بغياب رأي الشعب مباشرة، ولنتوقّف هنا وليتوقَّف الزمن الذي سَمَح بمصادرة رأي الناس، ومع كل احترامنا وتقديرنا لعدَّة أشخاص يشكِّلون طاولة الحوار، لكننا نتساءل هل رأي البعض منهم يمثِّل رأي الشعب الذي يمثِّلون في ما يتعلَّق بالدور الوطني الملقى على كاهل المقاومة؟
يحلو لسيِّد المقاومة أن يكرر عبارة “المقاومة وأهلها وناسها”، ويحلو لنا كلبنانيين سماع هذا التعبير الجامع من سماحته، وإذا كانت المقاومة كمقاومين، هي هذا المجتمع المدني الذي يمارس حياته الطبيعية من أعلى الهرم في السياسة الى القواعد الشعبية المتواجدة في الجامعات أو العاملة في مختلف المِهَن والحقول من طبيبٍ ومهندسٍ ومحامٍ وإعلاميٍّ وحرفيٍّ وتاجرٍ، أو مزارعٍ عينه ليست فقط على نبتة التبغ بل على حدود حقله وسيادة أرضه.
وإذا كان أهل المقاومة هم عوائل مقاوميها وشهدائها وحزام احتضانها الشعبي المباشر، فأين هم ناس المقاومة وحلفاؤها والمؤمنون بواجب وجودها وما هي نسبتهم قياساً للشعب اللبناني؟!
وحده الإستفاء الشعبي الذي يسمح منذ الآن وصاعداً بالبحث في سلاح المقاومة، إستفتاءٌ شعبيٌّ على مستوى لبنان دائرة واحدة أو محافظاتٍ أو أقضية لا فرق، وليكن للشعب رأيه على الأقل في مسألة سيادية ترتبط بمصير الوطن والأرض والكرامة، وحقُّنا أن يحسم الشعب الذي يضم ناس المقاومة إظهار قيمة المقاومة في وجدان هؤلاء الناس، وحاجتهم إليها درع حماية وسيادة وعنوان كرامة، سواء كان هذا الشعب في أقضيةٍ شيعية أو سنِّية أو مسيحية أو درزية، وليسمع المشكِّكون في الداخل والخارج، ما تعنيه المقاومة لحاضر ومستقبل الشعب اللبناني وسط هذه البراكين الإقليمية التي تقذف الوطن الصغير بحِمَم العنصرية ولَهَب التكفير، وعندها تتحقَّق الثلاثية العادلة عبر إشراك الشعب في حسمِ حوارٍ بات جدلية عقيمة، وعلى ضوء قرار الشعب الذي سيصدُم الخصوم السياسيين، بالنظر الى الحجم الكبير لناس المقاومة في مناطق بعيدة عن حاضنتها المباشرة وأهلها، عندها يغدو الحوار بين الكبار مُجدياً، سواء في الإستراتيجية الدفاعية أو في سواها من القضايا الوطنية الكبرى والسلام ….
المنار
16/5/140517
https://telegram.me/buratha