تونس ـ روعة قاسم
أجمع جلّ الخبراء والمحللين على أن ما تشهده ليبيا من اضطرابات هو امتداد لما عرفته المنطقة من تحولات في مشهدها السياسي في الآونة الأخيرة. فعجز الإخوان على الحفاظ على عروشهم في تونس ومصر، وعدم حصول أي تغيير في الجزائر ببقاء الأوضاع على ما هي عليه بعد التجديد للرئيس بوتفليقة، يدفعان باتجاه الحد من الهيمنة الإخوانية على ليبيا.
فاللواء خليفة حفتر الذي يحارب الموالون له تنظيمات متطرفة في الشرق الليبي وتحديدا في إقليم برقة وعاصمته بنغازي، والذي اقتحمت قواته مقر المؤتمر الوطني الليبي (البرلمان) الذي يهيمن عليه الإخوان وحلفاؤهم، لا يبدو أنه يتحرك بمعزل عما يجري من حوله. حتى إن البعض يذهب باتجاه التأكيد على أن الجيش المصري بصدد تقديم الدعم للواء حفتر في المنطقة الشرقية الليبية المحاذية لمصر.
"الجيش المصري الحر"
يؤكد الخبراء أن ما تشهده ليبيا هو التقاء مصالح بين مجموعة من القوى اتفقت فيما بينها على ضرورة تغيير المشهد السياسي في ليبيا حتى يساير المتغيرات في المنطقة. فالجماعات المتطرفة قامت بتشكيل ما يسمى "الجيش المصري الحر" وكانت غايتها الزحف باتجاه القاهرة ومحاربة الجيش المصري النظامي أسوة بما يحصل في سوريا، وبالتالي فقد بات القضاء على هذه الجماعات مصلحة مصرية كما هي أيضا مصلحة لجهات ليبية بعضها علماني ليبرالي وبعضها الآخر وطني لا يعتنق إيديولوجيا الجماعات المتطرفة ولا حتى الإخوان الذين تمكنوا بقوة المال من الهيمنة على أغلب مقاعد المؤتمر الوطني العام في ليبيا.
كما إن القضاء على الجماعات المتطرفة هو مصلحة غربية، حيث لا يتصور أغلب الخبراء والمحللين أن يكون اللواء حفتر بصدد التحرك من تلقاء نفسه وبصورة عفوية. فالولايات المتحدة وبعد حادثة سفارتها في بنغازي التي سحل خلالها وقتل سفيرها من قبل الجماعات المتطرفة التي أحرقت أيضا سفارتها في تونس، ترسخت لديها قناعة مفادها أن من تسميهم " الإسلاميين المعتدلين" (الإخوان) غير قادرين على لجم وكبح جماح المتطرفين (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، تنظيم أنصار الشريعة...). وبالتالي فإن واشنطن لم تعارض حراكا حصل في تونس الصائفة الماضية أسقط حكومة علي العريض المشكلة بالأساس من حركة النهضة ذات التوجهات الإخوانية، والتي كانت تدعمها إلى وقت غير بعيد، كما أنها لم تتصدّ للواء خليفة حفتر في ليبيا، وهو يستهدف من بدا أنهم حلفاؤها وقد فعلت الشيء ذاته في مصر مع الجنرال السيسي.
السيناريو الأسوأ
لذلك يعتبر البعض أن اللواء خليفة حفتر الذي قاد في السابق عملية انقلابية فاشلة على المؤتمر الوطني العام وعلى الحكومة في طرابلس، هو "سيسي ليبيا" القادم أو رجلها القوي الذي تراهن عليه القوى الإقليمية والدولية ليفرض الأمن والاستقرار في هذا البلد المترامي الغني بالثروات الطبيعية. لذلك فإن تغييرات عديدة من المتوقع أن تطرأ على المشهد الليبي ليتلاءم مع ما شهدته المنطقة باتجاه القضاء على هيمنة الإخوان أو الحد من نفوذهم خصوصا بعد تراجع الدور القطري الداعم لوجودهم في سدة الحكم.
ولعل السيناريو الأسوأ الذي تخشاه قوى الداخل والخارج الإقليمي هو انزلاق ليبيا في أتون حرب أهلية مدمرة. فالجماعات المتطرفة مدججة بأعتى أنواع الأسلحة الثقيلة من تركة جيش القذافي وليس من السهل على اللواء حفتر القضاء عليها من دون مساعدة خارجية. كما أن ليبيا بلد شاسع وحتى لو تم طرد هذه الجماعات من كبرى المدن فإنها ستستقر خارجها وستتمكن من بناء معسكراتها بعيدا عن أعين الدولة وفقا لأغلب الخبراء وستبقى باستمرار مصدرا لتهديد الأمن والاستقرار خاصة وهي تضم في صفوفها مقاتلين ليبيين وأجانب من دول الجوار على وجه الخصوص يتم إرسال الكثيرين منهم إلى سوريا عبر تركيا لقتال الجيش النظامي.
42/5/140520
https://telegram.me/buratha