بغداد ـ عادل الجبوري
"التحالف الوطني".. ربما كان المفردة الاكثر تداولا من على المنابر السياسية وعبر وسائل الاعلام العراقية بعد انتهاء معركة الانتخابات، والانتقال الى مرحلة المفاوضات والمباحثات حول الحكومة المقبلة، ومجمل البناء المؤسساتي للدولة العراقية.
ليس غريبا ان يعود "التحالف الوطني" ليتصدر واجهة العناوين والاهتمامات، بعد أن كاد يطويه الاهمال والنسيان في مرحلة معينة.
استحقاقات مرحلة ما بعد الانتخابات تتطلب من بين ابرز ما تتطلبه الاتجاه الى بناء تحالفات وتكتلات واصطفافات على ضوء حقائق ومعطيات الواقع، وبما ان المكون الشيعي يعد مكونا رئيسيا واساسيا من حيث الثقل الكمي، والتأثير النوعي، وبما ان "التحالف الوطني" مثل لفترة زمنية الاطار العام لذلك المكون، واكثر من ذلك مثل جواز المرور للحكومة السابقة، فإنه من الطبيعي جدا ان يعود الى الواجهة، ولا سيما ان اغلب التوقعات والقراءات تذهب الى ان سيناريو تسمية رئيس الوزراء المقبل سيكون من داخل التحالف الوطني وليس من خارجه.
الائتلاف العراقي الموحد اولا
واذا اردنا ان نعود الى الوراء قليلا نجد ان جذور التحالف الوطني الشيعي تعود الى عام 2004 حينما توافقت واتفقت القوى السياسية الشيعية المختلفة، وابرزها، المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، وحزب الدعوة الاسلامية بعناوينه المتعددة، وحزب الفضيلة الاسلامي، وعناوين سياسية اخرى، على تشكيل تحالف واسع لخوض الانتخابات الاولى في مطلع عام 2005 والتي انتجت الجمعية الوطنية الانتقالية (البرلمان المؤقت)، واطلق على ذلك التحالف "الائتلاف العراقي الموحد"، ونجح في حصد اكثر من نصف مقاعد الجمعية الوطنية، وهو ما جاء منسجما مع حجم المكون الشيعي ضمن التركيبة السكانية للشعب العراقي، ووفقا لنتائج الانتخابات، طلب من الائتلاف تسمية مرشح لرئاسة الحكومة، وبالفعل تم ترشيح القيادي في حزب الدعوة الاسلامية حينذاك ابراهيم الجعفري للمنصب، وبعد اقل من عام، وعلى ضوء الدستور الدائم الذي تم التصويت عليه في الخامس عشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر 2005 اجريت الانتخابات البرلمانية الثانية، وخاضها الشيعة مرة اخرى ضمن عنوان "الائتلاف العراقي الموحد"، علما انه في هذه الانتخابات والانتخابات التي سبقتها تم اعتماد نظام القائمة المغلقة واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، ومرة اخرى حصل الائتلاف على اكثر من نصف مقاعد البرلمان البالغة مئتين وخمسة وسبعين مقعدا.
التحالف الوطني .. الامر الواقع!
ولم يبق الحال على ما هو عليه بعد اربعة اعوام، اذ افضى الاختلاف بين الشركاء الى انشطار الائتلاف العراقي الموحد لائتلافين، الاول ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وضم عناوين حزب الدعوة الاسلامية، وتيار الاصلاح الوطني، والمستقلين، والثاني هو الائتلاف الوطني الذي ضم المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ومنظمة بدر والتيار الصدري وحزب الفضيلة، وعناوين سياسية اخرى، وحصل "دولة القانون" في انتخابات 2010 على تسعة وثمانين مقعدا، بينما حصل الائتلاف الوطني على 70 مقعدا، وبما ان القائمة العراقية حصلت على واحد وتسعين مقعدا، وبما ان المحكمة الاتحادية العليا قررت ان الكتلة النيابية الاكبر هي التي تتشكل بعد الانتخابات وليس التي تحصل على العدد الاكبر من المقاعد، فقد دفع ذلك الامر الائتلافين (دولة القانون والوطني) الى التحالف حتى لا يفقدا منصب رئاسة الوزراء لصالح " العراقية". وبالفعل وبعد مفاوضات شاقة تشكل التحالف الوطني العراقي ليكون الكتلة البرلمانية الاكبر (159 مقعدا). ويكلف بتسمية رئيس الوزراء الجديد، وهذا ما ادخل الجميع في دوامة الرفض والقبول في ظل طرح عدة اسماء، لتؤول الامور بعد تسعة شهور لمصلحة رئيس الوزراء نوري المالكي.
التحالف الوطني العراقي
ولان ترشيح المالكي لولاية ثانية كان على مضض وبمثابة امر واقع بالنسبة لمكونات الائتلاف الوطني (المجلس الاعلى والتيار الصدري)، فإن ذلك كان اشارة مبكرة الى ان التحالف الوطني سيكون وجوده شكليا، وهذا ما تبين فيما بعد، في ظل غياب الثقة بين مكوناته الداعمة للمالكي، والاخرى المتحفظة على اسلوب ادارته ومعها الرافضة له، والذي دفع الاخيرة الى اتخاذ خطوات عملية مع قوى كردية وسنية لسحب الثقة من الحكومة وإقصاء المالكي، وبقيت الامور تدور في حلقة مفرغة، فلا الرافضون للمالكي تمكنوا من اقصائه، ولا هو نجح بتجاوز العراقيل والمعوقات التي وضعوها في طريقه، ولا كان مستعدا ان يعيد النظر بأسلوب ادارة بعض الملفات لا سيما الملف الامني، وملف النفط والطاقة، وطبيعة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبدا التحالف الوطني عاجزا عن صياغة رؤية موحدة وواقعية تخرج البلاد من دوامة ازماتها، ومن المنطقي ان يعجز عن ذلك في ظل غياب الثقة بين مكوناته وفقدان الاطر والسياقات المحددة لدوره وتحركه.
مشهد وسيناريو 2010 يعيد نفسه
ويبدو ان مشهد وسيناريو 2010 سيعيد نفسه في عام 2014، وخصوصا ان الانتخابات البرلمانية الاخيرة افرزت نتائج لا تختلف الا بنسبة قليلة عن نتائج انتخابات 2010.
فائتلاف دولة القانون حصد خمسة وتسعين مقعدا، بينما حصد كل من المجلس الاعلى والتيار الصدري اللذين كانا يشكلان الائتلاف الوطني قبل اربعة اعوام، خمسة وستين مقعدا. والى جانب هذه العناوين الرئيسية حصلت كتل صغيرة كانت ـ وما زالت ـ ضمن مكونات التحالف الوطني مثل تيار الاصلاح الوطني وحزب الفضيلة، على اثني عشر مقعدا، ستة لكل منهما، وحصلت حركة اهل الحق (المنشقة عن التيار الصدري) على مقعد واحد، ليكون مجموع مقاعد الائتلاف الوطني ثمانية وسبعين مقعدا، ومجموع مقاعد كلا الائتلافين اللذين يشكلان التحالف الوطني، مائة وثلاثة وسبعين مقعدا.
الصورة العامة التي افرزتها انتخابات 2014، تكشف ان ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، الفائز الاول، لا بد ان يبحث عن اخرين لبناء تحالف يؤمن له تشكيل كتلة اكبر يعجز المنافسون والخصوم عن بناء كتلة اكبر منها من الناحية العددية.
وهنا فإن "دول القانون" امام خيارين، اما التفاهم مع شركائه واعادة احياء وترميم التحالف الوطني الشيعي، او اعطاؤهم ظهره والاتجاه الى اطراف من المكونين السني والكردي للتحالف معها.
وطبيعي ان كلا الخيارين تواجههما مصاعب وعراقيل عديدة، بيد ان السير في الخيار الاول يبدو اقل صعوبة وتعقيدا، لكنه ربما يفرض طرح مرشح اخر بديل عن المالكي من قبل ائتلاف دولة القانون ـ وتحديدا من نفس فضائه الحزبي ـ او الذهاب الى مرشح تسوية من داخل التحالف الوطني من دون ان يكون محسوبا على كتلة معينة فيه، وفي ذات الوقت يحظى بقبول السنة والاكراد، علما ان فرص المالكي بالحصول على ولاية ثالثة ليست قليلة، لا سيما بعد الفوز الكبير نسبيا لائتلاف دولة القانون، بعيدا عمّا يقال من حصول عمليات تلاعب وتزوير، وهو أمر غير مستبعد بالمطلق.
وإعادة بناء التحالف الوطني وترميمه، من خلال وضع نظام داخلي له، والتوافق على ادواره ومهامه ومساحات تحركه باعتباره الكتلة الاكبر التي ولدت ـ او ستولد ـ من رحمها الحكومة المقبلة، كل ذلك يتطلب وقتا طويلا، الى جانب التوافق على شخص المرشح المقبل لرئاسة الحكومة، ان كان المالكي او غيره، ومن المهم عدم نسيان السيناريو الذي ازاح الجعفري في عام 2006 ودفع بالمالكي الى الواجهة، هذا السيناريو يمكن ان يتكرر، لان ما يقرره التحالف الوطني، في حال اعيدت له الروح، لن يكون نهاية المطاف، وانما بداية الطريق نحو الحسم، فإقناع الفرقاء من المكونات الاخرى امر لا بد منه، وخصوصا ان اختيار رئيس مجلس النواب وانتخاب رئيس الجمهورية يسبقان وفق السياقات الدستورية تسمية رئيس الوزراء، وهو ما يعني امكانية ـ او يفرض ـ حسم الرئاسات الثلاث بصيغة الصفقة الواحدة، وربما تكون العقد والاختلافات في اطار المكونين السني والكردي اكبر منها في المكون الشيعي.
https://telegram.me/buratha