الدكتور خيام محمد الزعبي*
بعد الإطاحة بحكم الإخوان ورئيسهم محمد مرسي، وسقوط الرهانات على إنهيار وشيك للنظام السوري خسرت حماس حلفاءها في المنطقة وباتت تبحث عن مخرج يحفظ بقاءها، وخاصة بعد إغلاق أنفاقها في رفح التي تعتبر شريان حيوي للإمدادات القادمة لغزة ، كما وأصبح عناصرها وقياداتها مشتتون ومعزولون ومطاردون في مصر وخاصة بعد الإعلان عن القبض على عناصر من حماس تشارك في التظاهرات وأعمال الشغب، مما خلَق رأياً عاماً مصرياً ضد الفلسطينيين عموماً، والحمساويين خصوصاً، ومع هذه التطورات بدأت الحركة تتطلع حديثاً لإصلاح العلاقات المتضررة مع الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط وهم سوريا وإيران وحزب الله اللبناني، وبالمقابل وجد محور المقاومة نفسه أمام خيارين، إما ترك حماس لمصيرها وهو خيار فيه مصلحة للمعسكر الآخر، أما الثاني فهو العمل لإعادتها إلى موقعها الطبيعي كقوة مقاومة في المنطقة.
أمام هذا الواقع الجديد والظروف المستجدة، يبدو أن حماس تعيد تموضعها تدريجاً خشية من الإختناق، وتخوض مفاوضات مع طهران بغية العودة إلى الحضن السوري، لكن طهران تشترط موقفاً واضحاً من الأزمة السورية لاستئناف الدعم والتمويل، فإشادة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بالرئيس الأسد أثناء لقائه مع مساعد وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، وقوله صراحة "إن حماس لا يمكن أن تنسى دعم الرئيس الأسد وشعبه للمقاومة والقضية الفلسطينية"، ولم يكتف مشعل، بذلك بل حرص أيضاً على القول إن "قدرات حزب الله والفصائل الفلسطينية في محور المقاومة هي محل فخر"، وترحيبه بحل الأزمة عبر الحل السياسي، هي كلمة السر لإعادة فتح أبواب دمشق أمام حركة حماس مجدداً، وخاصة بعد بدء عودة المياه إلى مجاريها بين حركة حماس ومحور المقاومة وخاصة مع ايران، وإستعداد إسماعيل هنية رئيس حكومة قطاع غزة لزيارة طهران، وربما يلحق به السيد الزهار الذي خسر عضويته في المكتب السياسي بسبب معارضته لقطع العلاقات مع ايران وسورية وحزب الله، فضلاً عن وجود وفد من الحركة في العاصمة الإيرانية لبحث ترتيب هذه الزيارات وإزالة كل العقبات في طريقها، كل هذه التحولات التي لا يمكن فصلها عن السياق العربي والفلسطيني الداخلي، فلا يخفى أن سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وتأثيرات الوضع الفلسطيني السياسي المتأزم الذي دفع كلاً من حماس وفتح إلى المصالحة، عاملان يدفعان بالتأكيد إلى أن تتمسك حماس بقشة تنقذها من حصارها، وتعيد في سبيل ذلك إحياء التحالفات القديمة بعدما أخفقت شبكة العلاقات الجديدة (القاهرة - الدوحة - أنقرة) في إنقاذها من أزماتها.
فالجرح الذي سبّبته تلك الحركة لحزب الله وإيران كبير جداً لكنه بالنسبة إلى سوريا يبدو أكثر وضوحاً وعمقاً ، إذ تؤكد الحكومة السورية إن أعداد كبيرة من عناصر حماس أو مناصريها قتلوا إلى جانب المسلحين في مختلف المناطق السورية، وبالتالي أرى أن التسوية مع سورية تحتاج إلى عدة مبادرات من قبل حماس منها على سبيل المثال الإعتذار علناً من الشعب السوري عن كل الممارسات التي قامت بها ضده، والإعلان عن تحييد نفسها عن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهو ما عبّر عنه الأسد بأن على حماس أن تقرر إن كانت تريد أن تكون مقاومة أو إخوان، بالإضافة إلى سحب فوري لجميع مقاتلي الحركة من المعارك والنأي بأنفسهم عن الحرب الدائرة في سوريا، وبالتالي يمكنني القول إن إستقرار الأوضاع بسوريا سيساهم في عودة العلاقات ما بين سوريا وحماس أقوى من الفترة السابقة.
وفي إطار ما سبق فالأرجح أن تنجح المفاوضات في إعادة بروز صورة جديدة للحركة، تختلف عمّا بدت عليه في السابق، وبالمقابل لم يقطع "حزب الله" إتصالاته بالحركة، وحافظ على الإيجابيات وحاول تنظيم العلاقة والخلاف، وهو مرشح لأن يلعب دوراً إيجابياً في التقريب بين طهران وحماس من جهة، وبينها وبين دمشق من جهة ثانية.
وهنا ينبغي الإقرار بدور حزب الله وإيران وسوريا في مواجهة كيان الإحتلال، والإعتراف بأن الكثير من العتاد العسكري الذي تم إستخدامه في مقاومة الإحتلال، وخصوصاً في الحرب الأخيرة نهاية عام 2012م، ذو صناعة إيرانية، ناهيك عن الخدمات الفنية التي تولت إيران وسوريا تقديمها وتزويد المقاومة الفلسطينية بها طيلة المرحلة الماضية.
وأخيراً أستطيع القول إن حماس تجري مراجعة شاملة إستناداً إلى ما تشهده المنطقة من تغيرات, إنطلاقاً من حاجتها إلى محور طهران – دمشق –حزب الله، وبذلك تتهافت حالياً على تغيير موقفها من القضية السورية عموماً ومن نظام الأسد على وجه الخصوص، وذلك بهدف التودّد مجدداً لإيران على أمل أن تعيد طهران دعمها المالي السخي للحركة، فجميع الأطراف لهم مصلحة في هذه الشراكة التي يجب أن تعود لمسارها الطبيعي، وبالنتيجة فإن عودة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي سيؤدي إلى إثارة غضب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، اللتان رحبتا سابقاً بضعف العلاقات بين الجهتين من أجل تحقيق مشروعهما في المنطقة.
*صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية
12/5/140526
https://telegram.me/buratha