ماذا بعد سقوط الموصل بيد الإرهاب؟!..الأمر ليس حدثا عابرا، وهو يعني كثير من الأحداث التي حصلت والتي ستحصل لاحقا، وسيكون هذا الحدث مفصليا في تاريخ الحالة العراقية..لكن بعد أن حصل الذي حصل، هل كان الأمر متوقعا، وإذا كان كذلك لماذا لم يتم تدارك وقوعه، وهل كان بالإمكان تجنب وقوعها؟!..أسئلة أجابت عنها تطورات الأحداث الدراماتيكية التي أنتهت بظهور أرفع قائدين عسكريين عراقيين وهما كل من قائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان، ومعاون رئيس اركان الجيش الفريق الركن عبود كنبر في كوردستان صباح الثلاثاء بملابس مدنية بعد أن دخلاها ليل الثلاثاء، بسيارة دفع رباعي تاركين مدينة الموصل ترفع عليها رايات تنظيم القاعدة، بعد أن كانا يطمأنان العراقيين طيلة الأيام الماضية، أن وضع الموصل تحت السيطرة، ولا خوف عليها..
هروب القائدين العسكريين المذل، يعيد الى الأذهان منظر القادة البعثيين للجيش العراقي وهم يهربون من ساحة المواجهة مع قوات الإحتلال الأمريكي عام 2003 وقبلها عام 1991 وبملابس مدنية أيضا!..
ومع أن وقوع الموصل بيد الإرهاب لن يستمر، وستستعيد قواتنا الباسلة هذه البقعة المباركة من وطننا، لتعيد اليها وجهها الناصع، لكن إستعادتها ستكون على يد قيادات ليست من سنخ القادة الهاربين بملابس مدنية.
إلا أنه وفي ظرف عراقي منشغل إلى حد بعيد بمسألة تأليف الحكومة المقبلة، ووسط بيئة ستراتيجية هشة محيطة بالبلاد تفرضها تطورات الأزمة السورية، نجحت الجماعات المتشددة، وعلى رأسها تنظيم (داعش)، في الأيام الأخيرة، في القيام باستعراض للقوة فوق أجزاء من الأراضي العراقية، تمتد من محافظة صلاح الدين شرقاً مروراً بمحافظة نينوى في شمال البلاد وصولاً إلى محافظة الأنبار وعاصمتها الرمادي، في الغرب، في وقت شهدت فيه العاصمة العراقية بغداد ومحيطها موجة تفجيرات أسفرت عن وقوع عشرات الضحايا.
وكشفت العمليات المسلحة، ، تنامي قوة هذه التنظيمات في بلد بات يعاني تحديات أمنية كبيرة، تغذيها صعوبة سير العملية السياسية.
وتأتي الهجمات التي يقودها داعش بالتزامن مع خوض التنظيم ذاته معارك كبيرة ضد من يسميهم "تحالف الصحوات والجولاني" في المنطقة الشرقية من سوريا، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية لا جواب عنها حالياً عن مدى قوة هذا التنظيم الذي يواصل القتال على مدى أشهر طويلة وعلى جبهات عدة من دون أن يفقد القدرة على شن هجمات كبيرة جديدة، وعلى ماذا يعتمد ومن هي الجهات والدول التي تدعمه كي يؤمّن لنفسه إمكانيات الاستمرار في ظل المعارك الكثيرة التي يخوضها ضد الجميع في كلا البلدين سوريا والعراق.
في سياق الأحداث وقبل قرابة إسبوعين تقريبا، وتحديدا في الأول من هذا الشهر ، حذر دبلوماسي بريطاني من أن الموصل ، ثاني كبريات المدن العراقية قد تسقط بيد مقاتلي تنظيمي القاعدة و داعش، وستقتطع معها المناطق الغربية من العراق، بغية ضمها لجدار العزلة التكفيرية الناشئة بالتعاون مع حراك (الثورة السورية)".
لكن وقبل تسعة أشهر، وتحديدا في يوم 10/10/2013، حذر رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي من إستسلام الموصل وسقوطها بيد الإرهابيين القتلة مناشدا الحكومة بايلاء الأهمية القصوى لحماية أرواح الناس."
جاء ذلك في بيان رسمي له ذلك اليوم إثر الاستهداف الذي تعرض له أفراد حمايته جنوب الموصل،
مشيرا الى " إن استمرار حالة التلكؤ والإهمال والخروقات المستمرة في صفوف الأجهزة الأمنية، وعجزها عن حماية المواطنين واخذ زمام المبادرة والتصدي لقوى الإرهاب خصوصا في أجزاء من مدينة الموصل وجنوبها والطريق الدولي الرابط بين الموصل وبغداد، يعني ان المدينة ستستسلم بيد الإرهابيين والقتلة، وهذه إشارة خطيرة لابد من الوقوف عندها وإيجاد الحلول والبدائل المناسبة
وبالعودة الى الدبلوماسي البريطاني الذي لم تكشف المصادر الصحفية عن أسمه لحساسية ما قال وقتها، ذكر ان "الموصل بائسة على المستوى الامني وهنالك تقارير تتحدث عن اقتراب هجوم كبير تشنه داعش على المقرات الحكومية ولا تستهدف منه كسر ارادة الحكومة العراقية بل زيادة العمليات المسلحة في الانبار وعموم المناطق الغربية وذهاب اغلب الجهد والعدد من الجيش العراقي الى هناك والانقضاض على الموصل واستدعاء آلاف المقاتلين العرب والشيشانيين من سوريا للبقاء فيها خلفا للحصون السورية التي سقطت بفعل ضربات الجيش السوري وقوات المليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية".
الدبلوماسي البريطاني، وحسب تلك المصادر حث القادة العراقيين على" استثمار اللحظة التاريخية الراهنة لتشكيل حكومة لا تسمح بالحرب الاهلية، مشيرا الى ان "القاعدة تستفيد من واقع الانقسام السياسي بين القادة العراقيين وتستثمر الفوضى السياسية لايقاع اكبر الخسائر في صفوف المدنيين ولا يهمها سوى تنفيذ هدف مركزي واحد هو سقوط الحكومة في الموصل والانبار للالتحاق بالثورة السورية عبر وحدة الحال التي عليها المجموعات المسلحة السورية وحقدها وغضبها على التجربة العراقية إذ يتسلل من الاراضي العراقية مئات المقاتلين من اجل تأييد نظام الرئيس بشار الاسد".
وختم الدبلوماسي البريطاني حديثه بالقول "ان الايام القادمة ستفرز نتائج ليست في صالح العملية الدستورية والسياسية في البلاد اذا لم تتشكل حكومة عراقية من الشيعة والسنة والتحالف الكردي وقد تأتي نتائج ليست في الحسبان خلاف قواعد الديموقراطية التي تنتج انظمة سياسية مستقرة!".
https://telegram.me/buratha