الدكتور خيام محمد الزعبي- كاتب سوري وأكاديمي في العلاقات الدولية
سقوط جديد تشهده العراق ولكن هذه المرة الهجوم جاء من تنظيمات مسلحة تدعي السعي نحو تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والذي بدء في السيطرة على عدة مناطق في العراق، هذا يعني إنهزاماً عسكرياً لحكومة المالكي، ومؤشراً للفشل السياسي لعراق ما بعد صدام، و هو ما يجعلنا نتساءل هل تسقط بغداد في المرحلة المقبلة ؟
جاء إستيلاء داعش على عدة مدن عراقية لتفتح عدة ملفات لما حدث في دولة العراق من تخريب متعمد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتحويل تلك الدولة التي كانت من أغنى دول المنطقة، وتمتلك قدرة عسكرية كبيرة، إلى دولة ضعيفة غير قادرة على حماية حدودها، فالتحرك السريع لداعش في العراق لم يكن مفاجئاً على خلاف ما يصفه الكثيرون فجميع الأطراف المعنية بالشأن السوري كانوا يحذرون من ذلك، لكن المفاجئ هو القوة التي مكنتها من التقدم السريع في الأرض العراقية، وهذا يعود لدعم الغرب وبعض الدول العربية له، فالفشل الغربي الذريع في الأرض السورية وسقوط أوراق التفاوض على مستقبل سوريا دفع الغرب التوجه إلى العراق، كونه كان الهدف الآخر بعد سقوط سوريا، لكن التراجع في سوريا دفعها إلى إستعجال العراق عن طريق التعامل مع داعش، فالذي يجري الآن في العراق حسب العقلية الأمريكية سيشتت جهود وقوة سورية وإيران وحزب الله فيما يسمى بخط وجبهة الممانعة، ومن هنا يدخل التنظيم الجهادي على خط اللعبة الإقليمية بصفته القوة الأولى التي تقف في وجه النظامين العراقي والسوري وحزب الله، وإذا ما نُظر إلى "الدولة الإسلامية" التي تقيم حدودها بين المحافظات السورية الشمالية والشمالية الشرقية إمتداداً إلى محافظات الوسط العراقي، فإن حدود "داعش" تكسر المحور الإيراني - العراقي - السوري - حزب الله، و لم تكن إزالة مقاتلي "داعش" للحدود بين محافظتي نينوى العراقية والحسكة السورية إلا دلالة رمزية على ما يعتزم التنظيم المتشدد فعله لتوطيد أركان دولته، وبالتالي فالدعم الأمريكي لداعش لم ينقطع يوماً إما بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلاً عن سكوت الأوروبيين وحلفائهم الإقليميين الذين يراقبون عما يجري في العراق، ولكنهم في الوقت نفسه لن يسمحوا بسيطرة عناصر إرهابية على مصادر النفط العراقي،أما بالنسبة للكيان الإسرائيلي فكل ما يحصل في العراق يعد فرصة لتسويق مبرراتهم في التمسك بغور الأردن والسيطرة عليه .
في إطار ذلك إن داعش ليست منحصرة في مكان واحد وهو العراق بل إمتدت إلى سوريا، لذلك لا يمكن أن نفصل ما يحدث في العراق عن الوضع في دول الخليج فالحدود مفتوحة بين العراق و دول الخليج ومن السهل تسلل عناصر من تلك الجماعات الإرهابية إلى تلك الدول وبخاصة دولة الكويت، وعلى الجانب الآخر، لم تكن داعش بعيدة عن الأحداث في ليبيا ومحاولاتها إرسال عناصر لها للقتال ضد اللواء حفتر وأيضاً محاولات السيطرة على بعض المناطق هناك، فمن الطبيعي أن ما فعلته داعش داخل الأراضى العراقية من احتلال للموصل هو تهديد للأمن القومي السوري والعراقي من جهة، و تهديد حقيقي للأمن القومي العربي من جهة أخرى.
وفي إطار ذلك يمكنني القول إنه لا يوجد طريق مباشر لإنهاء هذه الأزمة في العراق، فالحكومة العراقية في حالة من الفوضى، فإستعادة الموصل إلى سيطرتها مرة أخرى، سيكون أمراً شديد الصعوبة، وذلك بالأخذ في الإعتبار أنها لم تتمكن من إستعادة الفلوجة أو الرمادي حتى الآن، لذا فإنني أشعر بالتشاؤم، وأخشى من أن العراق يتجه إلى حرب أهلية من جديد.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن المشهد مخيف، وهذا التمدد الداعشي يهدد منطقة الشرق الأوسط وإن حلم تنظيم داعش كما يعرف "الدولة الإسلامية في العراق والشام" قد يقتربون من التحقيق إن لم تتضافر الدول العربية معاً لمواجهته عسكرياً، وفي إطار ذلك يجب أن يتكاتف العراقيون في هذه المرحلة الحساسة وأن يوحدوا صفوفهم في مواجهة هذا التنظيم من أجل تحقيق الأمن والإستقرار للعراق.
وأخيراً ربما أستطيع القول أن الدولة الإسلامية في العراق والشام خلطت الأوراق لتعيد رسم المنطقة من جديد، بين خطر التقسيم المذهبي وتغيير ميزان التفاوض بين الدول، فالذي يحدث الآن هو مخطط غربي مدروس بعناية لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط من جديد من خلال مشروع الشرق الأوسط الموسع بالتحالف مع حلف الناتو، وهو ما يحدث حالياً من تدمير في ليبيا وسوريا واليمن ومن قبلهم العراق ومحاولات تدمير القدرة العسكرية العربية بالكامل لتكون غير قادرة على مواجهة أي عدوان خارجي، من أجل تحقيق امن إسرائيل.
12/5/140616
https://telegram.me/buratha