بغداد ـ عادل الجبوري
لم يستمتع تنظيم داعش الارهابي طويلا بما بدا له وكأنه انتصارات استراتيجية في محافظة نينوى ومدن عراقية اخرى، فلم تمر سوى ايام قلائل حتى راحت الموازين تختل لغير مصلحته، ففضلا عن فتوى المرجعية الدينية في النجف الاشرف بوجوب الجهاد وحمل السلاح بوجه الجماعات الارهابية المسلحة، تلك الفتوى التي ألهبت حماسة اعداد هائلة من العراقيين ودفعتهم الى التوجه للمشاركة في التصدي للارهاب، وجد تنظيم داعش نفسه في مأزق كبير وخطير، لا يختلف كثيرا عن المأزق الذي واجهه في سوريا.
يتمثل هذا المأزق ببعدين، البعد الاول، الخلافات الحادة التي وصلت بحسب مصادر عديدة الى استخدام القوة المسلحة، بين جماعات داعش من جهة، وما يسمى بالمجلس العسكري الموحد الذي يضم عددا من التنظيمات المسلحة، من جهة اخرى.
تمحورت الخلافات بين الجانبين حول جملة من القضايا، من بينها التنسيق المشترك، وعدم القيام بأية خطوات واجراءات بصورة منفردة، وهذا ما لم يلتزم به تنظيم داعش، اذ انه يريد ان يكون تابعا لا متبوعا.
ويقال ان مكونات المجلس العسكري الموحد المدعوم من المملكة العربية السعودية، ترفض بعضا مما يقوم به داعش المدعوم من تركيا وقطر، من قبيل فرض اجراءات قاسية على خروج النساء، وعلى مشاهدة التلفاز واغلاق الكثير من الاسواق والمحلات واماكن الترفيه، التي يعتبر ان وجودها يتنافى مع احكام الشريعة الاسلامية.
بيد ان نقطة الخلاف الرئيسية تمثلت بطريقة توزيع الاموال التي تم نهبها من المصارف والمؤسسات الحكومية في محافظة نينوى، فداعش يعد تلك الاموال والممتلكات غنائم حرب خاصة به، بينما يعتبر المجلس العسكري ان له حصة فيها.
وتؤكد مصادر ان مواجهات مسلحة حصلت بين عناصر من داعش والمجلس العسكري في احياء بنينوى انتهت الى مقتل عدد منهم، وبعضهم قياديون مهمون.
وفي هذا السياق يشير شهود عيان من الموصل الى ان عمليات تسقيط متبادل شاعت بين الطرفين، بحيث انه بات من المرجح جدا تصاعد التأزم فيما بينهما، وكل طرف يراهن على اوراق وادوات قوة يعتقد انها يمكن ان تمنحه الغلبة على الاخر.
تشرذم وتشتتخبير امني عراقي، يكشف بدوره ان لديه معلومات ومعطيات تثبت ان مشهد الصراع بين الجماعات الارهابية في سوريا، سيتكرر في العراق، وهنا فان على صناع القرار والماسكين بزمام الامور استثمار هذا الواقع، من خلال تعزيز الجهد الاستخباراتي، وتوجيه المزيد من الضربات المركزة لاوكار وتجمعات الارهابيين.
والبعد الاخر لمأزق تنظيم داعش يتمثل في نجاح القوات العسكرية والامنية العراقية باستعادة زمام المبادرة، والتمكن من مسك الارض وعدم السماح لتشكيلات داعش من تحقيق مكاسب ميدانية اخرى، ناهيك عن اضعافهم في المناطق التي تمركزا وتحصنوا فيها، عبر توجيه ضربات لهم بواسطة قوات طيران الجيش.
فالايام الاربعة الماضية شهدت معارك كر وفر بين جماعات داعش والقوات الامنية والعسكرية الحكومية العراقية، بدا انها راحت تستنزف ما بحوزة الاولى، فضلا عن محاصرتها وقطع طرق الامداد اللوجيستي لها.
وفي الواقع ان الحشد الشعبي الواسع، ساهم الى حد كبير في تعديل المسارات، وتغيير الموازين، وكان بمثابة الدواء الحقيقي لداء انهيار المعنويات لدى اعداد من منتسبي القوات الامنية والعسكرية الحكومية بفعل حرب الشائعات الكثيرة التي تبنت الترويج لها وسائل اعلام عربية وحتى عراقية معادية للعراق، ولا تريد له الامن والاستقرار والازدهار.
وتؤكد تقارير ميدانية دقيقة ان دخول سرايا المتطوعين بمسمياتها المختلفة اعطى دفعة معنوية مؤثرة للجيش العراقي، في ذات الوقت الذي اربك تنظيم داعش، الذي كان يأمل الزحف على بغداد واسقاطها خلال وقت قصير.
ولعل توجه حوالي مليوني مواطن عراقي الى مراكز التطوع لتسجيل اسمائهم، بعضهم مسيحيون وبعضهم من ابناء المكون السني، ومن ثم تلقي التدريب او الذهاب مباشرة الى ميدان القتال، مثل رسالة بالغة الاهمية وبليغة في دلالاتها ومعانيها موجهة الى كل المساندين والداعمين للارهاب من الاطراف الخارجية والداخلية على السواء، جعلتهم يعيشون حالة من الارتباك والتخبط والقلق، هذه الرسالة مفادها ان المرجعية الدينية هي الرقم الاقوى والاصعب في المشهد العراقي العام، وان الغالبية العظمى من العراقيين يدينون لها بالولاء والطاعة، وهم مستعدون للتضحية بكل شيء من اجل معتقداتهم ووطنهم.
قد لا تحسم المعركة مع الارهابيين خلال وقت قصير، بيد ان مجمل المؤشرات تذهب الى ان مأزق داعش ببعديه الاثنين راح يتعمق ويتسع يوما بعد اخر.
10/5/140620
https://telegram.me/buratha