هادي قبيسي
تكوَّن عداء الوثنية الشرقية، في تمظهرها التكفيري، لقوى المقاومة في المنطقة لعوامل اجتمعت، بعضها سياقي تاريخي، والآخر منظم وله استراتيجية ورؤية. القوى الإسلاموية التي فهمت انتصار الثورة في ايران انتصاراً للتشيع لا للإسلام، وجدت نفسها بشكل طبيعي في أزمة فكرية وجودية، وأصبحت مهيأة بفعل التراكمات، وبشكل حاد منذ عام 2003، للانخراط في حرب على محور المقاومة وقطبه إيران، الجمهورية الإسلامية الوحيدة في العالم. هذا هو السياق التاريخي، أما استراتيجياً فقد شعرت الدول المعادية لفكرة المقاومة بالحافز الكبير والضرورة الحتمية لمواجهتها بعد أن تحولت إلى محور يزداد قوة، كما رأت إمكانية استثمار السياق التاريخي التنازلي للحركات الإسلاموية المتعصبة. هكذا استفاقت الوثنية الشرقية، وتحولت وحشاً كاسراً يمتلك شرعية مطلقة في الذبح والاغتصاب للإنسان والممتلكات، حاملة أولوية قتال المقاومة، مدفوعة بعوامل تاريخية واستراتيجية.
مشكلة محور المقاومة ليس مجرد وجوده، بل مراكمة الانتصارات العسكرية والسياسية والتنموية، وكذلك تقديمه لنموذج إسلامي معاصر وأصيل، الجمهورية الإسلامية في ايران، وهذا ما دفع طرفي الوثنية، الشرقي والغربي، إلى تشخيص المرحلة بـ "التهديد ما قبل الوجودي"، وضرورة الاستباق لمنع الانتصار الشامل للمقاومة.
الجيوش العربية والغربية، بما فيها الجيش الإسرائيلي، تعاني من الترهل وانخفاض الدوافع القتالية، ومن ناحية أخرى يؤدي القتال الكلاسيكي في منطقة قلب الشرق الأوسط إلى أزمات نفطية تهدد الاقتصاد العالمي، لذلك تحالفت الدول العربية والغربية المعادية للمقاومة مع القوى التكفيرية.
تحمل قوى التكفير في خطابها عداءً حاسماً للغرب والقوى الاستعمارية، والخطاب الغربي من جهته كذلك يحمل عناوين حاسمة في العداء للإرهاب الإسلاموية، وثمة حذر لدى الطرفين من تخلي أحدهما عن الآخر في لحظة هزيمة او انتصار أو تحول استراتيجي في منعطف ما.
الغرب، الطرف الأكثر انضباطاً وتحكماً في المعادلة الثنائية، ينظر بعين الريبة إلى القوى التكفيرية التي لا تعترف بالجغرافيا حدوداً لنشاطها ولا بالقومية كإطار لاستقطابها، ويبحث عن الضمانات لكي لا تتحول هذه القوى في لحظة ما إلى حالة العداء في السلوك كما هي في خطابها التقليدي.
رغم مؤشرات القلق المتبادل، يضمن المسرح الاستراتيجي للصراع بقاء هذا التحالف إلى حد بعيد. قوة العدو المشترك وبالتالي حاجة التكفيريين الماسة إلى الدعم الغربي، وبالتالي ازدياد نسبة اختراق اجهزة الاستخبار الغربي للبنى التكفيرية، وتراكم هذا الاختراق نتيجة طول مدة المعركة في سوريا والآن العراق. تشرذم الحركات التكفيرية وقابليتها الدائمة للانشقاق تمنعها من تكوين قوة مؤذية للغرب بشكل فعال، ومن ناحية أخرى تزايدت قدرة الغرب على التعامل معها أمنياً وعسكرياً بشكل كبير مع اختراقه المتنامي لها، بحيث يمكنه تهشيم بنيتها من خلال الاستهداف الجوي والأمني، دون اللجوء إلى العمل العسكري البري.
نقطة مفصلية تحكم موقف الغرب في تحالفه مع الإرهاب التكفيري، هو ضرورة تفريق الأعداء. لنفرض أن بعض الخلايا الإرهابية التكفيرية قررت تنفيذ أعمال إرهابية ضد أهداف غربية، فإن هذا يعتبر في خانة الأضرار الجانبية للصراع، بالمقارنة مع وقوف الغرب وحيداً في مواجهة محور المقاومة والحركات الإرهابية التكفيرية في وقت واحد.
إذن ثمة جزء من المخاطر الناتجة عن توظيف القوى التكفيرية، يعتبر الغرب أنه من الممكن تحملها كثمن طبيعي للحرب، وجزء آخر من المخاطر يملك الغرب الضمانات الموضوعية تجاهه، وكذلك الجهوزية لدرئه مباشرةً بالحديد والنار إن احتاج الأمر.
توظيف الإرهاب التكفيري وتقوية حركاته وفئاته المختلفة بهدف محاربة محور المقاومة مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية حصول رد فعل أو استدارة باتجاه توظيف بعض هذه القوى لسلاحها وقدراتها ضد الغرب، هو خيار أقل سوءاً بكثير من تحول الشرق الأوسط إلى منطقة معادية وغير آمنة للنفوذ الغربي العسكري والاقتصادي والسياسي.
لذلك لسنا أمام تحولات قريبة في هذا التحالف، وإن كنا نشهد دوماً حالات ضبط وتحفظ من قبل الطرف الغربي، إلا أن الضرورة المركزية للتحالف تفرض استمراره في المدى المتوسط. لكن من ناحية أخرى، ورغم دموية الصراع، لم يستطع البديل التكفيري تقديم نفسه كأكثر من حالة إشغال لمحور المقاومة، غير قادرة على تغيير موازين القوى، وإن كانت قادرة على التأثير عليها مرحلياً. وكذلك إن سقوط هذا البديل الأخير في يد الغرب وسحقه في أرض المعركة، يعني نهاية حالة الاستكبار الغربي إلى غير رجعة.
18/5/140630
https://telegram.me/buratha