لم تتحدث أم عمر التي تسكن في منطقة الدواسة وسط الموصل، بأي تفاصيل عن أوضاع مدينتها حين اتصل بها ابن عمها ماجد عبد القادر (أبو ايهم)، من بغداد، واكتفت بالقول "نحن بخير والحمد لله، الأمور على ما يرام"، وقطعت الاتصال.
أم عمر ليست استثناءً في ظل الظروف "بالغة الصعوبة" التي تعيشها المدينة نتيجة سيطرة الارهابيين عليها ما أدى إلى نقص كبير بالخدمات والمحروقات والمواد الغذائية وعدم صرف رواتب الموظفين، فضلاً عن بدء عمليات القصف من قبل القوات الحكومية.
ويقول الموظف الحكومي أبو ايهم، في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن "الخوف يسيطر على أهالي الموصل ويجعلهم لا يتحدثون كثيراً عبر الهاتف خشية المراقبة والتنصت على شبكات المحمول"، ويبين أن "اهالي الموصل يترددون في الحديث عن الجماعات المسلحة وداعش الارهابية حين نتكلم معهم، ويكتفون بالتلميح".
ويضيف أبو أيهم، أن "مجموعة من أقاربي اضطروا إلى النزوح للعاصمة بسبب سوء الخدمات وتردي الوضع الأمني مع بدأ عمليات القصف الجوي للموصل".
إلى ذلك يقول الإعلامي الموصلي، سلام عبد الرحمن، مستخدماً اسماً مستعاراً، في حديث هاتفي إلى صحيفة (المدى)، إن "الوضع الخدمي في المحافظة يسير من سيء إلى أسوأ بسبب الخوف من أفعال الجماعات الارهابية التي تسيطر على المدينة، بالإضافة الى عدم صرف رواتب موظفي الدولة ما أثر على الوضع المادي للمواطنين"، ويؤكد أن "الموصل تعيش أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل غياب واضح لعمل الوزارات الحكومية وعدم تدخل المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات داخلها".
ويبين عبد الرحمن، أن "محافظة نينوى تعيش أزمة مشتقات نفطية من وقود للسيارات وكاز الديزل الذي يستخدم في تشغيل مولدات الكهرباء الأهلية، والغاز السائل"، ويشير إلى أن "سائقي السيارات ينتظرون بطوابير طويلة ويبيتون يومين إلى أربعة أيام على أبواب محطات تعبئة الوقود من اجل الحصول على 20 لتراً".
ويذكر الصحفي الموصلي، أن "الأهالي بدأوا يضيقون ذرعا بأفعال الجماعات الارهابية مثل إزالة التماثيل والنصب الفنية وهدم بعض قبور الأولياء"، ويلفت إلى أن "الموصلين رفضوا تلك التصرفات إلا أنهم يتخوفون من بطش تلك الجماعات المتشددة".
ويتابع عبد الرحمن، أن "الأهالي يتعرفون من خلال القنوات الفضائية على تصريحات اعضاء مجلس محافظة نينوى وانتقادهم لأداء الوزارات الحكومية، التي لم تقدم اي خدمات خلال 20 يوما".
وعن أبرز التحديات التي تواجه أهالي الموصل، تحدثت الصحفية سرى عادل، عن "عدم وجود سيولة نقدية لدى أغلب المواطنين في المدينة بسبب عدم صرف الرواتب، والنقص الكبير في المواد الغذائية، وعدم وجود مفردات البطاقة التموينية ونفادها من مخازن التجارة التي كان يستخدمها داعش خلال الأيام الماضية".
وتؤكد عادل، في حديث إلى صحيفة (المدى)، بعد نزوحها إلى منطقة آمنة خارج الموصل، أن "المؤسسات الخدمية مثل دوائر الصحة والماء والكهرباء والمجاري والصرف الصحي تعمل بصورة شبه منتظمة، إلا أن المؤسسات الاخرى مثل التربية والتعليم والتجارة والضريبة قد اغلقت ابوابها ولم تعد تعمل"، وتبين أن "شبكات الانترنت متوقفة بصورة تامة الامر الذي يصعب التواصل مع الأهل والاصدقاء".
بدوره توقع جميل الناصر، المراسل الصحافي من أهالي الموصل، أن "تكون الأيام المقبلة أشد قساوة على أبناء محافظة نينوى بسبب نفاد الوقود والمشتقات النفطية وعدم صرف رواتب موظفي الدولة وبسبب ترك الحكومة المركزية محافظة نينوى بلا اي حلول للمشاكل الخدمية والانسانية التي بدأت تتفاقم نتيجة تزايد عمليات القصف الجوي على مواقع ارهابيي داعش وحدوث عمليات عسكرية واسعة بسبب اغلاق الحكومة لجميع منافذ المحافظة".
ويضيف الناصر، وهو اسم مستعار فضل استخدامه نظرا لخطورة الوضع في الموصل، في حديث إلى صحيفة (المدى)، أن "المحافظة تشهد اوضاعا انسانية صعبة وبغياب واضح للمنظمات الانسانية والجهات الحكومية التي تتمثل بوزارات الهجرة وحقوق الانسان وغيرها من الوزارات الخدمية"، ويشير إلى أن "بعض المنظمات الانسانية الدولية تعمل لإغاثة النازحين في المناطق الامنة التي ليست تحت سيطرة داعش".
ويذكر الصحفي الموصلي، أن "المواطنين يخافون من تصرفات الجماعات المسلحة، ويحذرون من القيام بسلوكياتهم الاعتيادية خوفا من تشدد تلك الجماعات التي فرضت بعض الاحكام الاسلامية المتشددة على المواطنين ومثال ذلك وثيقة المدينة التي رفضها الموصليون".
كان تنظيم داعش الارهابي قد فرض سيطرته على مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، (405 كم شمال العاصمة بغداد)، في (العاشر من حزيران المنصرم)، واستولى على المقار الأمنية فيها ومطارها، وأطلق سراح المئات من الارهابيين المعتقلين، ما أدى إلى نزوج مئات الآلاف من أسر المدينة إلى المناطق المجاورة وإقليم كردستان، كما امتد نشاط داعش الارهابي ، إلى محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى.
https://telegram.me/buratha