كتب المحرر السياسي لجريدة البينة
لم يكن السيد المالكي يوما بمثل الوضوح الذي هو عليه، وهو يقول في بيان نشر الجمعة الفائتة، على موقع رئاسة الوزراء: "لن أتنازل أبدا عن الترشيح لمنصب رئيس الوزراء"، مضيفا أن ائتلاف دولة القانون، الذي قاده في الانتخابات الأخيرة وفاز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، هو صاحب الحق في منصب رئاسة الوزراء، وليس من حق أية جهة أن تضع شروطًا، لأن وضع الشروط يعني الدكتاتورية، وهو ما نرفضه بكل بقوة وحزم.
من هذه الجهة التي عناها السيد المالكي ببيانه، ووجد أن شروطها تعني الديكتاتورية، والتي يرفضها بكل قوة وحزم كما ورد في بيانه؟!
الحقيقة أن أغلب القوى السياسية تعارض وبدرجات متفاوتة، تكليف السيد المالكي بولاية ثالثة لرئاسة الوزراء، ناهيك عن أن المالكي يتعرض لإنتقادات داخلية وخارجية لاذعة، خصوصًا حيال إستراتيجيته الأمنية، في ظل التدهور الأمني الكبير، وسيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة على مساحات واسعة من العراق. ويواجه كذلك إتهامات بتهميش شركائه السياسيين، وإحتكار الحكم.
وحتى في كتلة "التحالف الوطني"، اكبر تحالف للأحزاب الشيعية، فإن كل ما عدا إئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، فإنهم تحولوا الى خصوم سياسيين له، ويطالبون علنا بترشيح سياسي آخر لرئاسة الوزراء، فيما يصر هو على أحقيته في تشكيل الحكومة، علمًا انه ترأس حكومته الثانية مع أن لائحته النيابية لم تفز في العام 2010 بأكبر عدد من مقاعد البرلمان.
ومع لك لم يكن قبل الجمعة الفائتة قد صدر عن المالكي وصف بهذه القوة لمن يعترض على ولايته الثالثة!
إذن من هي الجهة التي عناها المالكي برده، ورفض إرادتها "بقوة وحزم" وصفها بإنها "ليس من حقها أن تضع شروطا، وأن وضع الشروط يعني الديكتاتورية"؟!
الحقيقة وبالرجوع الى يوم الجمعة نفسه الذي صدر فيه بيان المالكي، سنعرف بنفس وضوح بيان المالكي من هي هذه الجهة؟!
ففي ظهيرة يوم الجمعة، وتحديدا في خطبة الجمعة كانت المرجعية الدينية العليا،تقول خطابا واضحا لا لبس فيه، وعلى لسان ممثلها في كربلاء المقدسة السيد أحمد الصافي، وهو يشير الى أولى جلسات مجلس النواب الجديد التي أنعقدت في يوم الثلاثاء الماضي، بأن المواطنين كانوا يأملون ان يكون ذلك بداية جيدة لهذا المجلس في الالتزام بالنصوص الدستورية والقانونية.
مضيفا" ولكن ما حصل لاحقا من عدم انتخاب رئيس المجلس ونائبيه قبل رفع الجلسة كان إخفاقا يؤسف له، والمؤمل من الكتل السياسية أن تكثف جهودها وحواراتها للخروج من الأزمة الراهنة في اقرب فرصة ممكنة.
أن على الجميع أن يكونوا بمستوى المسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم في هذه الظروف الاستثنائية، أن الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة وفقا للأطر الدستورية "مع رعاية أن تحظى بقبول وطني واسع أمر في غاية الأهمية".كما أن من المهم أن يكون الرؤساء الثلاث (الجمهورية والنواب والوزراء) منسجمين فيما بينهم في وضع السياسات العامة لإدارة البلد وقادرين على العمل سوية في حل المشاكل التي تعصف به وتدارك الأخطاء الماضية التي أصبح لها تداعيات خطيرة على مستقبل العراقيين جميعا.
إذن لو عرف السبب بطل العجب، فهذه الـ (أن تحظى بقبول وطني واسع)..هي التي دعت السيد المالكي الى أن يقول( لن أتنازل أبدا)، وها هو وبكل وضوح يصف المرجعية الدينية بأنها "دكتاتورية"..ومعنى هذا أنه أضاف عدوا جديدا الى قائمة أعداءه الذين صنع أغلبهم بيده!
ولكي نفتح ملف العداوة الجديد القديم، نتابع ما أكده القيادي في حزب الدعوة والعضو السابق في ائتلاف دولة القانون سامي العسكري, في تصريح لـوكالة ((اليوم الثامن)) أن الدعوة لا يحتاج الى مرجع ديني ليمضي في تنفيذ سياسته للمرحلة المقبلة واتخاذ قراراته”.
وان دعوة السيستاني لتشكل حكومة تحظى بقبول وطني واسع، لا تعني المالكي لا من بعيد ولا من قريب.
وأضاف أن الشعب العراقي اختار السيد نوري المالكي، رغم جميع الأخطاء التي تنسب له .
وأوضح أن الدعوة ليس لديه مرجع، ولم يفرض على الأفراد المنتمين لهن تقليد مرجع ديني معين لا غيره.
واعتبر العسكري أن اختلاف توجهات قيادات الدعوة، في تقليد مراجعهم لا يؤثر في قرارات الحزب، وان تلك القرارات لا علاقة لها باجتهاد المجتهد، وأن “قرارات حزب الدعوة عندما كان خارج السلطة، في المرحلة السابقة وحتى لهذه المرحلة الحالية، لم تكن بتوجيه من المراجع الدينية”.
وإذا كان من نتيجة صناعة العداوات الأخرى أن خسرنا أراض شاسعة، وسكبت دماء غزيرة ومازالت تسكب، وأن التحالف الوطني يتعرض الى تدمير ممنهج، وأن إقليم كوردستان في طريقه الى أن يتحول الى دولة، فإن هذه العداوة لا قبل لأحد أن يركب مركبها، فهي عداوة مع سفينة النجاة التي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهلك!
https://telegram.me/buratha