أحمد الحباسى
أحتاج في هذا المقال إلى كثير من ضبط النفس و شيء من الموضوعية حتى أصل بالمتابع و بالفكرة إلى بر الأمان ، يبدو أننا نعيش مرحلة عربية و دولية صعبة ، كما يبدو أن الأنظمة العربية تعيش بمبدأ ” من خاف سلم ” ، هذا لم يعد مهما من الجانب النظري على الأقل ، فعامل الخوف على رحيل الكرسي من تحت هذه التراهيل الشحمية المترامية هو المسيطر و هو الذي يدفع الجميع إلى الخوف و أحيانا إلى بيع الضمير من أجل لقمة العيش …عفوا الكرسي ، لكن يبدو أن هذه الأنظمة قد نقلت إلى شعوبها نفس المشاعر و نفس الإحباط و نفس اللامبالاة و موت الضمير و بات القارب العربي على قاب قوسين أو أدنى من الغرق.
لن أتوقف بالمتابع حول أسباب انتشار ثقافة من خاف سلم لهذه الأنظمة العربية ، فأغلب هذه الأنظمة قد ولد من رحم الخيانة و بيع الضمير و الخداع ، و فيهم من كان الفضل في صعود عروشهم إلى دول الاستعمار السابقة ، و لان شهية السلطة مغرية بكل المقاييس ، فقد وصل البعض حد انتزاعها انتزاعا من والده و فيهم من قتله و فيهم من خان قسم الولاء و ركن ” رئيسه” السابق في ركن قصي عن عيون الشعب المتسائل ، و فيهم أيضا مـن يستلذ انحناء شعبه إلى غاية التراب من باب تعظيم هذه ” الجلالة” المغربية العميلة الفاسدة ، و فيه من قلد نفسه النياشين و الرتب العلية بعد أن ” قلد ” نفسه السلطة ، لكن المهم و المعيب في نفس الوقت أن بعض الشعوب العربية قد أصيبت بنفس عدوى “البقاء” و أصبحت تتلذذ الإهانة و الهوان بداع الخوف من التعذيب و السجون و ما يسمى برحلة ما وراء الشمس.
تربت الشعوب العربية على الخوف ، و على الصمت على الأذية و الهوان و الإذلال ، فتوصيف النعاج لم يعد حكرا على الحكام العرب و توصيف أنصاف الرجال لم يعد خاصية من خاصيات الحكام العرب ، بل هناك نعاج و أنصاف رجال من هذه الشعوب العربية أيضا ،فالذين يقفون لتحية الملك عبد الله مع أنهم عارفون بكل “خفاياه” المعيبة في حق الشعوب العربية هم بعض من النعاج و أنصاف الرجال ، و الذين ينحنون لجلالة الملك محمد السادس حتى يلامسون التراب مع أنهم يعلمون علم اليقين “تاريخ” العائلة و ما فعلته العائلة في حقهم و في حق شرف بناتهم و زوجاتهم ، هم أنصاف رجال و أقل من النعاج بكثير ، و الذين يلوحون بالترحاب للسيد عبد الفتاح السيسى مع أنهم يعلمون أنه قد أهان كرامتهم و كرامة اللي خلفوهم حين قبل مساعدة نظام سلفي ماكر عميل باع القضية الفلسطينية و باع الزعيم عرفات و باع الشرفاء على امتداد مساحة الوطن العربي ، فهل تقبل مساعدة من خائن و من عميل و من بياع للذمة ، بالنتيجة هم يعلمون أنهم يقبلون على أنفسهم كل هذه الخطايا و يضعون في بطونهم رغيف عيش ملوث بالخيانة و الدم.
من هو إعلام العار ؟ من أين أتى الزمان بإعلام العار ؟ أليس هذا هو الإعلام الذي رعته السلطات العربية و مولته و حضنته و قربته و أدفأته بالمال الفاسد و بشهادات الاستحسان المسمومة ، فعماد الدين أديب ، و ياسر أبو هلالة ، و طارق الحميد إلى آخر القائمة هم أبناء و عملاء ثقافة من خاف سلم ، و هم من ” يبنون ” التحاليل الفاسدة و يزوقون المقالات السقيمة و يشرعون لثقافة أنه لا أحد قبل السلطان مهما فعل السلطان، في داخل أبوهلالة كثير من الخوف ، و في عقل عماد أديب كثير من الجبن و في بدن طارق الحميد كثير من الرعشة ، لأنهم رضعوا الخوف و تعلموا من البلاط أنه لا مجال للخروج عن خط سير الحاكم حتى لو ذهب إلى مستنقع الخيانـــة و شرب من حليب الوضاعة ، هذا ما فعلته الأنظمة العربية بالإعلام و أهل الإعلام ، فلم يعد يكفى أن يولى علينا حكام جبناء نذلة فقد تسرب الفيروس إلى صدور الطبقات المثقفة و إلى أهل العلم و الإعلام و التنوير فبتنا نتناول الوجبات المسمومة المعدة من هؤلاء و نصاب بكل أمراض الدنيا دون أن ننتبه أو نعلم سببا لعلتنا و مصيبتنا .
الفرعون لا يخطئ ..الفرعون فوق البشر يقترب من مصاف الآلهة ..الفرعون يحكم بلا رقابة أو محاسبة، بهذه الملامح يصنع الإعلام وخلفه قطاع من الشعب فرعونه الجديد،وكأن ثورة يناير قام بها الشباب ليجددوا موديل الفرعون من مبارك مواليد الثلاثينات إلى السيسى مواليد الخمسينات وكأنها لم تكن ثورة شعارها”عيش حرية كرامة إنسانية”وإنما شعارها كسر فرعونك القديم..واصنع فرعونا جديدا موديل حديث، هكذا توصف الكاتبة المصرية نجوى طنطاوي حالة صناعة الفرعون العربي و الخوف المتزايد منه في مقال بعنوان ” الشعب يصنع فرعونه ” .
المصيبة الثانية في هذه الأمة المسكينة أن من يتولون أمرنا ، بصرف النظر عن فسادهم و عمالتهم ، يعيشون أكثر من الديناصورات تموت أجيال و تأتى و ترحل أجيال و هم متلبسون ماسكون بالكرسي لا يقدرون على فرقته ، فلا أمل معهم لتناوب على هذا الكرسي المشئوم ، و لا فائدة ترجى من الدعاء عليهم بالرحيل ، و لا يبقى معهم من حل سوى الصمت و الدعاء بالفرج ، لذلك و بالتدريج ، تنمو ” ثقافة ” اللامبـــالاة و الخنوع و الاستسلام و الرضا بالدون و يصبح الوطن مكانا للقيلولة و الاستراحة من عناء انتظار رحيل هذا السلطان أو ذاك الرئيس ، فلا مكان في هذا الوطن لثقافة المقاومة ، و لا وجه للاستعداد لمخاصمة العدوان ، و لا انتظار لحراك شعبي متواصل يطالب بالتغيير و لا أمل في “ربيع ” عربي في السعودية أو في قطر ، فالأيادي الشعبية المتهالكة المرتعشة الخائفة لا تصنع الربيع و الشعب الخائف هو ألد أعداء هذه الأمة .
بانوراما الشرق الاوسط -
30/5/140731
https://telegram.me/buratha