للمرة الأولى منذ الانسحاب الأميركي من العراق قبل عامين ونصف العام في إطار استراتيجية الانكفاء عن الشرق الأوسط وطي صفحة التدخلات العسكرية والحملات البرية. يتدخل الرئيس باراك أوباما عسكريا في العراق ويضطر للعودة «جوا» الى هذا البلد من نافذة أربيل الضيقة وليس من باب بغداد الواسع.
وهذا التدخل الجوي لا يمكن الاعتداد به أو البناء عليه كمؤشر الى استراتيجية جديدة ومراجعة للحسابات والخطط، وإنما هو تدخل موضعي محدد في مكانه وزمانه وأهدافه.وفي شأنه يمكن تقديم الملاحظــات والاستنتاجــات التالية:
1- الرئيس أوباما ملتزم بتفادي أي تورط عسكري جديد ولاسيما في الشرق الأوسط. وهو لم يلتفت لمناشدات الحكومة العراقية ولنصائح مساعديه وانتقادات معارضيه بالتدخل وشن ضربات جوية بعدما اجتاح «داعش» شمال العراق. ولكنه اضطر الآن الى التدخل المحدود وعلى مضض بسبب التطورات الميدانية التي فاجأت الأميركيين ولم تكن محسوبة ومتوقعة لديهم، خصوصا ما يتعلق بالتقدم المفاجئ والسريع لـ«داعش» في شمال العراق وتحديدا في اتجاه إقليم كردستان حيث مصالح أميركية ديبلوماسية واستثمارية ونفطية.
2- التدخل الأميركي يقتصر حصرا على تدخل جوي وليس ما يشير الى أي استعداد أو نية بشأن تدخل بري ميداني والعودة العسكرية الى أرض العراق في مطلق الظروف. وهذا التدخل الجوي يأخذ وجهتين: الوجهة الأولى عسكرية بتوجيه ضربات ضد مراكز «داعش» وقواعدها الأساسية أفادت «البشمركة الكردية لإحراز تقدم ميداني، والوجهة الثانية إنسانية تمثلت في إلقاء حاويات ماء وآلاف الأطنان من المواد الغذائية للمدنيين الفارين والمهددين بالموت في جبل سنجار. وأما الهدف المباشر والمحدد رسميا لهذا التدخل فهو وقف تقدم المسلحين نحو العاصمة الكردية أربيل وحماية الأميركيين (الديبلوماسيون والخبراء والمستشارون العسكريون) والأقليات الدينية التي تلوذ بالفرار خوفا على حياتها.
3- النتائج المباشرة لهذا التدخل الجوي يتوقع أن تكون:
٭ وضع «خط أحمر» حول الإقليم الكردي وعاصمته أربيل.
٭ مساعدة الأكراد على كسر الحصار المضروب على جبل سنجار وإنقاذ العائلات.
٭ إيجاد «متنفس» يتيح إعادة تسليح القوات الكردية وللجيش العراقي بإعادة تنظيم صفوفه.
٭ أخذ إدارة أوباما مزيدا من الوقت والنفوذ للضغط في اتجاهين:
- الأول هو الضغط باتجاه حكومتي بغداد وأربيل لإعادة بناء الثقة وعلاقة التعاون والتنسيق بدءا من التعاون العسكري بين أربيل وبغداد ضد الخطر المشترك
- الثاني هو الضغط على قادة العراق المنقسمين لتشكيل حكومة متوازنة وشاملة تحول دونها عقبة أو عقدة نوري المالكي الشخصية المثيرة للانقسام، والذي لم يعد يتمتع بتأييد واشنطن.
4- الحملة الجوية المحددة في أهدافها ونطاقها لا تستند الى استراتيجية واضحة وطويلة المدى، وهي غير كافية لإحداث تغيير في ميزان القوى ولا تشكل تهديدا لـ «داعش» وخطرا عليها وإنما تدفعها الى تجميد خططها والانتظار الى ما بعد انتهاء الهجمات.
كما أنها لا تشكل مقدمة الى تدخل أوسع وتوجيه ضربة موجعة للمسلحين بما يؤدي الى إزاحة حكومة المالكي وتمكينها من استعادة زمام المبادرة.
فمثل هذا التدخل ليس واردا إلا بالشروط الأميركية وفي إطار تفاهمات مع إيران تشمل الملف النووي وإعادة ترتيب شؤون وملفات المنطقة ومعادلات النفوذ والصراع فيها.
الاهتمام الأميركي المفاجئ والاضطراري بالوضع في شمال العراق له ما يبرره سياسيا وأخلاقيا، ولكنه لا يندرج في إطار استراتيجية متكاملة وليس كافيا للرد على تساؤلات أهل المنطقة وحاجتهم الى سياسة أميركية أكثر تماسكا وحزما وأقل ترددا وغموضا.
17/5/140812
https://telegram.me/buratha