تفرض "خلافة نينوى" رقابة شديدة على مدخرات المواطنين المصرفية في الموصل، وتضعهم في طوابير طويلة للحصول على 10 في المئة فقط من المبالغ الموجودة في حساباتهم الجارية.
انها المرة الاولى التي يسمح فيها للمدنيين دخول بنوك الموصل منذ 3 شهور، حيث احاطت "الدولة الاسلامية" خزنات حبلى بالمليارات بحراسة وكتمان شديدين.
بعد يوم واحد من بث اذاعة "البيان" الناطقة باسم "الدولة الاسلامية" نبأ اعادة فتح المصارف، تشكل طابور طويل امام بنك الرافدين (فرع 112 وسط المدينة)، وعلى غير العادة لم يكن من المتقاعدين او الموظفين او غيرهم ممن ينتظرون تسلم رواتبهم.
"التعليمات التي وضعتها لجنة (من الدولة الاسلامية) ستكون صادمة لكل من لديه حساب مصرفي"، همس موظف في فرع 112 بإذن احد اكبر تجار الاسمنت.
ومضى يوضح للتاجر ابو عبد الجبوري التفاصيل "الصرف يشمل الحسابات الجارية فقط، على ان لا يعود الحساب او الصك لجهة حكومية او صادرا عنها، او لأشخاص مطاردين كالمسيحيين والأيزيديين والشيعة وبعض السنة الفارين، خاصة المسؤولين والسياسيين والقادة الامنيين".
يتابع "تبدأ الآلية بإجراء كشف حساب، يذهب به اصحابه الى اعضاء اللجنة المكونة من ثلاث عناصر بارزين في "الدولة الاسلامية" من المعنيين بالقضايا المالية واذا حصلت الموافقة عندها يتاح الصرف".
"لكن المشكلة الحقيقية تكمن في المبلغ المسموح به"، تحفز التاجر لسماع المزيد فاستدرك المصرفي "يسمح بسحب 10% فقط من الرصيد شرط ان لا يزيد المبلغ في جميع الحالات عن 10 ملايين دينار عراقي فقط (8 الاف دولار)".
"انه ضحك على الذقون" تمتم التاجر بصوت منخفض قبل ان يطوي اوراقه وينسحب الى الخارج.
معظم ذوي الارصدة الكبيرة تريثوا في كشف حساباتهم خشية مطالبتهم بـ"دفع جزء منها للخليفة تحت حجة الزكاة او تمويل الحرب التي فتحت على جبهات عدة"، حسبما ذكر الجبوري لعائلته مبررا عودته خالي الوفاض.
لو علم الجبوري باخر تقارير معهد أبحاث السياسة الخارجية الاميركي لأستأنس به كثيرا، اذ توقع التقرير "اختفاء بعض الاموال المودعة ببنوك الموصل والمقدرة بنصف مليار دولار في الحسابات الشخصية لبعض امراء الدولة الاسلامية".
ورأى التقرير ان ما بحوزة الدول الاسلامية من اموال لن تكفي لتغطية نفقات النزاع المسلح العالية جدا، كما أن الاستيلاء على ارصدة المصارف التي يدفع منها رواتب الموظفين ومخصصات التقاعد، سيقوض بقايا الدعم الشعبي.
أيا كانت المخاوف فهي لم تمنع المئات من الوقوف في طوابير طويلة للحصول على 10 % فقط من ارصدتهم.
المزارع علي الراشدي من الاوائل الذين سحبوا بعض اموالهم، وبلغ نصيبه مليونا دينار من مجموع 20 مليونا، كان يعزي نفسه بالقول "شيء قليل افضل من لا شيء، لا ضمانات مستقبلية فقد تنهب المصارف وتحرق المستندات كلها، ولا سيما ان شوكة الدولة الجديدة قد انكسرت".
حتى هذا المبلغ الصغير لا يأتي بسهولة فالإجراءات طويلة وشاقة بسبب التزاحم، والمرحلة الاصعب بحسب مراجعين، عند اللجنة التي تستهل التحقيق بسؤال "من اين لك هذا".
في بناية حكومية وسط المدينة يجتمع الاعضاء الثلاثة يوميا، حيث يتوافد مراجعون من اثني عشر فرعا مصرفيا، وهناك الافضلية دائما "للمجاهدين".
عندما حاول احدهم الاحتجاج على عدم الالتزام بالطابور، نظر احد المخالفين اليه بغضب قائلا "لا وقت لدينا للانتظار اننا نجاهد على الخطوط الامامية لجبهات القتال".
عيون دولة الخليفة لا تطارد الأموال المودعة في البنوك فحسب، بل تلاحق الموظفين ايضا. "الدولة الاسلامية" منعت توزيع رواتب المسيحيين والشيعة منذ البداية، لكن يدها بدأت تمتد الى جيوب الاخرين.
مهندس في مديرية الكهرباء تسلم راتبه بعد طول انتظار، فوجده اقل من المعتاد، وعند الاستفسار ابلغه المحاسب باستقطاع نسبة 5% من الرواتب لصالح "بيت مال المسلمين" حسب تعليمات احد "الامراء".
الدوائر والمؤسسات التي اغلقت تماما منذ 10 حزيران/يونيو الماضي، كالجامعة والمحاكم وديوان المحافظة، توزع رواتب موظفيها خلسة.
بعد تحويل المبالغ من بغداد الى احدى المدن الامنة، كركوك مثلا، تتسلم اللجنة الحسابية في كل دائرة المبلغ وتنقله الى الموصل. بسرية تامة توزع الرواتب على مسؤولي الاقسام، وهؤلاء بدورهم يوصلونها الى موظفيهم.
هذه العملية "العنقودية" ، بحسب محاسب جامعي طلب عدم ذكر اسمه، هدفها التواري عن العيون لأن المال اكثر ما يغري الامراء.
وكشف "نستقطع نسبة 5% من نصيب كل موظف ونبلغهم انها تعويضا عن نقص في المبلغ الكلي، وحقيقة انها تذهب الى جيوب "الأمراء"، مستدركا، المتفائلون منا يتوقعون ارتفاع هذه النسبة، والمتشائمون يرددون في كل مرة: انه الراتب الاخير".
6/5/140907
https://telegram.me/buratha