في كتابه "في السياسة" يقول أرسطو (بأن من مزايا الديمقراطية أن يكون الفقراء ملوكا في بلدانهم لكونهم الأكثر عددا، حيث أن إرادة العدد الأكبر من الناس لها قوة القانون).
واقع الحال في العراق يخالف هذا القول تماما، لأن فقراءه لم يستطيعوا الاستفادة، من هذه المزية النظرية المزعومة التي توفرها الديمقراطية، بلحاظ أن مشاركتهم في العملية الإنتخابية، لم تغير من واقع هيمنة المستبدين السياسيين على مساحة المشهد، وما يتبع ذلك من تغيير في أوضاعهم كفقراء...
فقد كشفت خبيرة اقتصادية عراقية موثوق بأرائها، هي الدكتورة سلام سميسم، السبت، عن وجود أكثر من مليون وثمانية مائة شخص تحت خط الفقر أي بنسبة 30% للعام الحالي.
وقالت سميسم في تصريح صحفي أن" الأوضاع الأمنية المتردية التي تشهدها المحافظات الساخنة ونزوح المئات من العوائل كانت سببا في ارتفاع معدلات الفقر في البلاد"، موضحة " إرتفاع معدلات الفقر في البلاد بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق بعدما كانت 17% حسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة التخطيط".
وأضافت الدكتورة سميسم أن" تأخر إقرار الموازنة للعام الحالي يسبب الأضرار بالجانبين الاقتصادي والاستثماري خاصة أن الإنفاق الحكومي على الجهاز العسكري أثقلت كاهل الموازنة العامة"،
وتابعت سميسم أن " دمج موازنتي العام الحالي والمقبل يرهق اقتصاد البلد بسبب حمل أعباء السنة المالية الحالية والسنة المقبلة"، داعية الحكومة المقبلة الى الإسراع بإقرار الموازنة الاتحادية للحيلولة من وقوع أزمة اقتصادية تهدد البلاد في الأيام المقبلة.
الحقيقة أن أضرارا فادحة أصابت الإقتصاد العراقي بسبب عدم إقرار الموازنة، وأول من تضرر بسبب هذه الأضرار هم ذوي الدخول المحدودة، وإذا توهم أحد بأن من يمتلكون دخلا غير حكومي لم يتضرروا، فهو لا يفهم بالأقتصاد شيئا، لأن إقتصاد البلد حزمة مترابطة، ولا يمكن فيها عزل النشاط الأقتصادي الحكومي عن النشاط الخاص، سيما وأن نشاط قطاعنا الخاص قائم في تفاصيله الكبيرة، على خدمات يقدمها هذا القطاع الى أجهزة الدولة، التي تعتبر الزبون الأول والدائم له، وإذا كان هذا الزبون غير قادر على الإنفاق إلا بحدود ضيقة، فإن الركود الإقتصادي سيكون هو العنوان الأبرز للسوق العراقية التي يديرها القطاع الخاص.
وفي هذا الصدد أوضحت الدكتورة سميسم أن "العديد من المشاريع الحكومية لازالت معلقة مثل خطط التمنية بالإضافة الى تخصيصات تشغيل الأيدي العاملة التي تعاني الإهمال".
ومع أن الحياة الأقتصادية في العراق، كانت تسير في الأشهر التسعة المنصرمة وفقا لصلاحيات الحد الأدنى التي تستطيعها الحكومة، وهي لا تتعدى الإنفاق بنسبة 1:12 شهريا من ميزانية العام الماضي، إلا أن الجهتين التشريعية والتنفيذية لا يبدوان مستعجلتين لإقرار الميزانية، وبدا الأمر مثيرا للريبة جدا، فالبرلمان الجديد أعاد الميزانية الى الحكومة التي بدأ وزرائها بلملمة حاجياتهم الشخصية، و معاينة آخر الملفات، وإخفاء ما يمكن أن يستخدم ضدهم لاحقا ولو بالحرق!..
ومعنى هذا أن على البرلمان أن يتعامل مع الحكومة القادمة في شأن الميزانية التي أنفقت الحكومة المنتهية ولايتها أكثر من ثلاثة أرباعها بلا ضوابط، وبالتالي سيحين عام 2015 ونحن لم ننجز ميزانيته، وسيتكرر الوضع معها، وستقر في أواسط العام القادم، وستزداد الأوضاع الأقتصادية سوءا، وستزداد أعداد الفقراء وسترتفع المعدلات التي أشارت إليها الدكتورة سميسم من 30% الى أفق رهيب ربما سيكون الى الضعف في أحسن الأحوال..وعندها سيقول الفقراء طز بالديمقراطية!..
المحرر السياسي لجريدة البينة البغدادية
26/5/140908
https://telegram.me/buratha