محمد كسرواني* إعلامي وكاتب لبناني
منذ تشكيل التحالف الدولي للقضاء على "داعش" كثُر الحديث عن تجفيف المنابع المادية والعسكرية للتنظيم التكفيري الإرهابي. حتى أن البعض اعتبر أن التجفيف يبدأ بتوقف الدول المنخرطة بالتحالف، عن دعم هذا التنظيم وغيره من المجموعات المسلحة في كل من سوريا والعراق.
التنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة في بلاد الشام ساهمت معطيات مهمة في تكبيره وتنشيطه. فمن أين جمع التنظيم المتطرف كل هذا الدعم المادي؟ ومن هي الدول الداعمة له؟ ومن ما زال حتى اليوم يساهم في تنشيطه ودعمه؟
أولاً: منابع التنظيم المادية
"كل التمويل لداعش يمر في لعبة المصارف"، بهذه العبارة يستهل المصدر الدبلوماسي العربي الرفيع المستوى حديثه لموقع "العهد"، ويوضح "إن كل التمويل الذي حصل عليه التنظيم، إما من الدول العربية أو الغربية، مرّ بمصارف أوروبية وتركية متنوعة".
داعش والمالويشرح المصدر كيف كان يحوّل المال من بعض دول الخليج الى داعش"، ويقول: "جمع مال من متبرعين وأصحاب مؤسسات ضخمة وأخرى صرفتها حكومات بعض الدول العربية في مصارف بالمملكة العربية السعودية، لحساب متمول سعودي عنده حسابات في المصارف الأوروبية. ومن ثم أنشئت شركات وهمية في دول أوروبية وفتحت حسابات لها في المصارف، ابرزها في العاصمة البريطانية لندن".
بعدها، يتابع المصدر الرفيع المستوى، أن المتموّل السعودي نقل تلك الأموال من مصارف الرياض الى مصرف في لندن، بذريعة شراكة مؤسساتية بينه وبين شريك بريطاني. وعندما جمعت الأموال في بريطانيا، انشئت شركة وهمية أخرى في تركيا، ودخلت في شراكة مع الشريك البريطاني".
ويكمل المصدر حديثه لـ "العهد"، بالقول "وبعد عدة أسابيع نقلت الأموال عبر دفعات من حسابات الشريك البريطاني الى حسابات الشركات التركية، التي بدورها أعادت تسليمها الى متمول تركي، فنشرها في عدد من المصارف التركية. رجل الأعمال التركي تولى بدوره، وبغطاء من الحكومة، توزيع هذه الأموال على تجار وأصحاب مصالح لنقلها الى قيادات "داعش" على الحدود".
ويختم المصدر كلامه حول هذه الفكرة بالقول "هكذا نقل المال السعودي الى داعش، فالعملية المصرفية تصبح أكثر تعقيداً وأصعب كشفاً عندما تنتقل من يد الى أخرى، فقصة الدعم أشبه بالمثل الشعبي من "هالك لمالك لقباض الأرواح!".
وحول منابع التنظيم المادية، يكشف المصدر أن هناك دعماً مالياً غربياً كان يصل ايضاً للتنظيم وذلك عبر العملية المصرفية ذاتها، لكن "بزواريب" أخرى، حسب تعبيره. ويوضح أن الأموال كانت تمر بمصارف في أوروبا أو أميركا الى منطقة "أربيل" في العراق، ويعاد توزيعها على قيادات في "داعش".
على الهامشقام عدد من مشيخات السعودية المعروفين بتطرفهم ودعمهم للجماعات التكفيرية ومنها "داعش" بالطلب من الإدارة السعودية ومن الملك تحديداً بتخصيص جزء من عائدات الحج والعمرة والمراسم الدينية في المملكة لدعم "داعش" وعوائل قتلاهم، تحت اسم "المشاركة في الجهاد لتحل البركة والرحمة على أراضي المملكة!".
السلاح الأسودمن جهة ثانية، يؤكد المصدر الرفيع المستوى أن "داعش" الذي استولى على أراض واسعة في سورية والعراق، يسيطر على أكثر من 11 حقلا نفطيا في البلدين، حيث يقوم باستخراج النفط مستعيناً بأصحاب كفاءات، عن طريق نقله (النفط) عبر شاحنات إلى "الأسواق السوداء" في الأردن وتركيا والعراق.
ويستشهد المصدر بتقارير كشفت عنها وسائل إعلام أميركية نقلاً عن الإدارة في واشنطن بأن "داعش" بات يجني يومياً أكثر من 3 ملايين دولار جراء مبيعات النفط، ما يجعله من أغنى المنظمات الإرهابية في التاريخ.
وفي إشارة لافتة، يؤكد المصدر أن التنظيم الإرهابي يجني الكثير من الأموال من خلال عمليات السرقة (الغنائم كما يسميها)، والمتاجرة بالناس كخطف الرهائن ومطالبته بالفدية".
من يستمر بمدّ "داعش" بالدعم ؟المصدر الرفيع المستوى، لا يستغرب تصرفات الدول التي قدمت الدعم لداعش بأنها بدأت تبدي تخوفها وقلقها من خطر التنظيم. وإذ يشبه الصورة بتربية الوحش الصغير الذي إذا كبر افترس مربيه، يرى أن تلك الدول التي تدعي اليوم محاربتها للتنظيم، لا تزال تموله "من تحت الطاولة" خوفاً من أن يعلن الحرب عليها".
ويضيف في هذا الصدد أن هذه الدول وإن أوقفت دفع المال لداعش، إلا أنها لم توقف تسهيل تمرير الإرهابيين، أو ضبط تحرك عناصر التنظيم في أراضيها. فتركيا، بحسب المصدر "تعد اليوم من أكثر الدول رأفةً بداعش، فهي لا تحافظ على علاقة طيبة مع التنظيم تخوفاً من غزوتها أو إعلان الحرب عليها، بل لأنها أكبر المستفيدين من وجوده بجوارها".
ويتحدث المصدر كيف تستفيد تركيا من وجود "داعش"، مشيراً الى أن سعر برميل النفط الذي يبيعه التنظيم يتراوح ما بين 25 و 60 دولاراً للبرميل الواحد، ويصل أحياناً الى الأتراك بـ 15 دولار، في حين أن سعر النفط في الأسواق العالمية يقارب الـ 100 دولار للبرميل الواحد.
من جهة ثانية، يرى المصدر أن الدعم اللوجيستي الذي تقدمه تركيا لـ "داعش" مؤثر جداً على قوة التنظيم. ويقول " إن رئيس تركيا الحالي ورئيس الوزراء التركي السابق رجب طيب اردوغان فتح لداعش الباب لدخولهم الاراضي التركية وشراء كل مستلزماتها".
ويكشف المصدر أن الحكومة التركية، ساهمت في نقل وشراء أكثر من 200 آلية بين عسكرية ومدنية، وأعطتهم لداعش تسهيلاً لحركتهم على الحدود مع دمشق. ويضيف أنها (الحكومة التركية) جهزت للتنظيم الإرهابي معامل ومصانع لتصليح الآليات، ومعامل أخرى لتصليح المعدات العسكرية خصوصاً تلك الثقيلة التي سرقها التنظيم خلال معاركه مع الفصائل المسلحة الأخرى في سوريا أو من الجيش العراقي خلال هجومه على الموصل.
وهنا يخلص المصدر الدبلوماسي العربي الرفيع المستوى، في إطار حديثه لموقع "العهد" الإخباري إلى أنه "لا يمكن الحد أو القضاء على "داعش" ما دامت هناك دول مصرة على تسهيل للتنظيم تحركه ومده بالدعم. فداعش اشبه بـ "حريق" لا يمكن إطفاؤه بالماء والبنزين معاً، ولا يمكن تركه يستعر في ظل العواصف التي تهب بالمنطقة".
14/5/140922
https://telegram.me/buratha