محمد محمود مرتضى
عندما اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما استراتيجيته تجاه داعش فانه قطع الشك باليقين في ان عمدة هذه الاستراتيجية تغيير خرائط في المنطقة. فالخطة الاميركية لن تستهدف داعش في العراق فقط بل في سوريا و"أينما وجد".
لذا يمكن الحديث عن خمسة اعمدة في استراتيجية اوباما:
1- سوريا : وتتمحور حول دعم المعارضة السورية المسلحة.
منذ بداية الاعلان عن السعي لبناء حلف دولي كانت الاشكالية الاساسية تتعلق بجدية هذا الحلف دون التنسيق مع سوريا حيث لهذا التنظيم نشاط كبير. وكان واضحا منذ البدء ان دعم المعارضة السورية سوف يكون هو الخيار، وهكذا كان فقد اقر الكونغرس الاميركي خطة دعم المعارضة ووقع اوباما على المشروع.
للحصول على صورة اوضح لا بد من العودة قليلا الى الوراء وتحديدا الى شهر آب/ اغسطس من العام الماضي ( 2013) وقضية الهجوم الكيميائي الذي وقع في الغوطة الشرقية. هجوم سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها لاستثماره حتى قبل القيام باي تحقيق لمعرفة الفاعل. صعّدت أميركا ضد الحكومة السورية وكادت الامور تتجه نحو الانفجار ولم يتنفس الجميع الصعداء الا بعد الاتفاق الذي جرى بين موسكو وواشنطن بتأييد دمشق ويقضي بتفكيك السلاح الكيميائي السوري.
والواقع ان هذا المخرج لم يكن سيئاً للادارة الاميركية التي واجهت معارضتين لمشروع عدوانها على سوريا: الاولى معارضة داخلية ضد اي حرب جديدة، والثانية دولية بعد فشل واشنطن في استحصال قرار دولي من مجلس الامن يشكل غطاء لمغامرتها العسكرية بفضل الفيتو الروسي.
منذ ذلك الوقت والادارة الاميركية تقلب اوراقها بحثا عن خيارات جديدة . فقد كان واضحا منذ البداية ان الدعم العسكري وتسليح اي معارضة مسلحة في سوريا لن يثمر ما لم يواكبه دعم لوجستي، وذلك يحتاج الى ذرائع قوية تتجاوز المشاركة الاميركية المنفردة في الجبهة من جهة، ويجتاز اي معارضة روسية مؤكدة من جهة ثانية.
وخلال هذه السنة منذ هجوم الغوطة الشرقية الكيميائي امور كثيرة حصلت :
روسيا تمت مشاغلتها استراتيجيا بالازمة الاوكرانية الرابضة على حدودها. ايران تتم مفاوضتها حول ملفها النووي، تبرز اصوات متفائلة احيانا ومتشائمة احيانا اخرى، يفرج عن ارصدة مالية مجمدة لها وفق الاتفاقات المبرمة تارة وتصدر الادارة الاميركية سلسلة عقوبات جديدة تارة اخرى.
وبين هذه وتلك اجتاح داعش شمال العراق تحت انظار الاقمار الاصطناعية الاميركية وطائرات الاواكس. لم تحرك الادارة الاميركية ساكنا ولم تعتبر ان ما حصل يهدد الامن الدولي، بل رددت، كما جميع حلفائها في المنطقة، ان ما يجري هو رد فعل على المظلومية التي تتعرض لها شريحة من الشعب العراقي. وكادت ان تسمي داعش بالثوار.
ميدانيا الجيش السوري يتقدم بسرعة وفي اكثر من منطقة يسترد مناطق بقوة السلاح تارة وبالمصالحات تارة اخرى. يكاد المشهد السوري العام يوحي ان الجيش السوري يتجه الى نصر استراتيجي كبير وان استغرقت العمليات العسكرية بعض الوقت.
ويبقى السؤال الاصعب هو : من هي تلك الاطراف التي تسمى معتدلة والتي سيقوم الحلف بدعمها ؟ ان اوباما نفسه اعترف منذ بضعة اسابيع بصعوبة ايجاد مجموعات معتدلة. تبدو خيارات تشكيل مجموعات معتدلة محصورة باستراتيجية " تغيير الاقنعة" والتي تعني: تشكيل تحالفات وعمليات اندماج جديدة بين بعض القوى تحت مسمى جديد يقدم نفسه على انه تشكيل معتدل.
2- العراق : اجتاز العراقيون مرحلتين اساسيتين بنجاح وبدأوا المرحلة الثالثة
المرحلة الاولى كانت امتصاص الغزوة الداعشية وايقاف تمدده، والثانية كانت تحصين الجبهات وتحشيد المقاتلين وتدريبهم في المعسكرات. اما المرحلة الثالثة فهي الهجوم المضاد والذي بدأ منذ فترة قصيرة. وبحسب المعطيات الميدانية فان الاسابيع المقبلة كانت تشي بان الجيش العراقي وبدعم من الحشد الشعبي سوف يحقق انتصارات كبيرة على داعش، كانت معركة فك الحصار عن امرلي مجرد نموذج منها.
وهذا يطرح تساؤلا داخل الادارة الاميركية عن عدم الاستفادة من داعش "وانجازاتها" اذا ما استمر الجيش العراقي وحلفاؤه يتحقيق هذه الانتصارات .
من جهة اخرى فقد صرحت واشنطن ان من ضمن خياراتها تسليح العشائر في المناطق التي تسيطر عليها داعش في الشمال. ما يعيد استحضار تجربة الصحوات، لكن بعنوان عشائري وقَبَلي. والارجح هنا الاستفادة من ضباط البعث الذين يشكلون عمدة قوة داعش للانقلاب عليها. وهنا نعود من جديد الى استراتيجية " تغيير الاقنعة" التي تقضي ان ينزع هؤلاء قناع داعش ويرتدوا قناع العشائر والصحوات الجديدة.
3- تركيا : يبدو الدور التركي محوريا لكنه حتى الآن لا يزال غامضا
فتركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي، تعتبر القاعدة الخلفية لداعش. من اراضيها تتحرك هذه المجموعات ومن اراضيها ايضا تصدر داعش نفط سوريا. من اراضيها تسافر قيادات وعناصر داعش ومنها ايضا تستحضر. ومنها تتم صفقات الاسلحة وتحويل الاموال. لكن المصالح التركية سواء في سوريا او العراق ترتكز على ملفي النفط والاكراد وبالتالي فان اي مقاربة تركية للتعامل مع الحلف ستتم وفق هذين الملفين.
4- لبنان : لم يذكر اسم لبنان في التصريحات المعلنة الا ان ذلك لا يخفي اهتمام الادارة الاميركية بما يجري فيه خاصة ما يتعلق منه بالشأن المتداخل مع الازمة السورية من جهة والمتطلبات الامنية الصهيونية من جهة اخرى.
لا ينكر الاميركي ان دخول حزب الله على خط الازمة شكل رافعة قوية للحكومة السورية ما اعطاه جرعة استراتيجية كبيرة تغير معها المشهد الميداني. وتكفي متابعة "صراخ" بعض الاطراف اللبنانية وتصويبها على مشاركة الحزب في سوريا لتصور الرؤية الاميركية. من هنا فان الحدود اللبنانية ـ السورية لن تكون بمنأى عن تداعيات هذا الحلف وربما "تشبيكه" بمطالب البعض بنشر قوات دولية على تلك الحدود. وقد تكون مسارعة فك الاشتباك في عرسال والحؤول دون قيام الجيش اللبناني بعملية عسكرية لاسترجاع الجنود المختطفين يهدفان لاطالة الازمة بانتظار تبلور الحلف وتجهيز الخطط المخصصة لهذه الجبهة.
5- اينما وجد :
وهي ركيزة اعلن عنها اوباما وتركها مفتوحة لترتبط بجبهات "غب الطلب" . وهذه الركيزة تعني امكانية التدخل في اي مكان في العالم وفق ما تقتضيه المصلحة. فلن يكون اليمن في هذه الحالة بمنأى ولا سيما ان المملكة السعودية ابدت امتعاضها مما يجري من حراك ضد الحكومة في العاصمة صنعاء وهي اتهمت اطرافا خارجية (في اشارة الى ايران) بأنها تقف خلف هذه الاحتجاجات. كما ان "اينما وجدوا" يمكن ان تتمدد الى ليبيا والصومال وغيرهما.
ومهما يكن من أمر فإن واشنطن ستخوض الحرب من دون تكليف من مجلس الأمن ومن دون وجود قوات برية لها. وسيكون حلف شمال الاطلسي ركيزة اساسية فيها.
صحيح أن طبيعة هذا التحالف وأعضائه لم تتوضح بعد الا ان الحديث عن وجود 40 دولة يثير زوبعة من الاسئلة الملحة . فالرئيس الاميركي لم يتحدث الا عن دعم جوي للحكومة العراقية وطبعا لقوات البشمركة اضافة الى زيادة الدعم للمجموعات المسلحة في سوريا.
فمن هي هذه الدول وما طبيعة عملها؟؟!يبدو الى الآن أن الدور الخليجي هو الاكثر وضوحاً ، فهي الممول الرئيس لهذا الحلف الذي سيخوض حربا ستستغرق على الاقل ثلاث سنوات وفق تصريحات اميركية.
على ان الدور السعودي بدا واضحا منذ البداية، فالمملكة ربطت وقوفها الى جانب الحلف بمساعدة المعارضة السورية المسلحة. وانتجت هذه الشروط قبول المملكة إقامة معسكرات تدريب على اراضيها لهذه المعارضة.
ان اشتراط المملكة دعم المجموعات المسلحة في سوريا في اطار الحرب على داعش يؤكد الحقائق الدامغة حول سلوك المملكة تجاه داعش منذ انطلاقتها. فالمملكة لم تبد سوى هواجس كلامية حول داعش . اما سلوك حكام المملكة فلا يظهر منه اية خشية من هذا التنظيم.
ويبقى سؤال كبير حول امكانية ان تشارك المملكة في العمل العسكري الميداني وان نرى طائرات مقاتلة سعودية تغير على اهداف هنا وهناك. دون ان ننسى ان العين السعودية على اليمن ايضا .
اما الموقف الاردني فهو الاكثر جدلية في هذا الحلف.
فالاردن تقبع داعش على حدوده من جهة العراق، بل ان المملكة تملك ارضية خصبة من الانصار لهذا التنظيم، من هنا لا يبدو ان الموقف الاردني سيكون داعما علنيا لهذا الحلف. وربما الاعلان ان معسكرات تدريب المعارضة السورية التي يزعم انها ستحارب داعش ستقام على اراضي المملكة السعودية يراد منه مراعاة الخصوصية الاردنية.
ان اكثر ما يلفت النظر في حلف محاربة داعش ان اعضاءه هم من مول داعش واسسها ودعمها وغض الطرف عنها لتصل الى ما وصلت اليه.
فمن مول داعش دخل في حلف محاربتها، ومن يحارب داعش بقي خارج الحلف، بل سيكون، على الارجح، هدفا له.
من هجوم الغوطة الشرقية الكيميائي الى غزوة الموصل الداعشية ذرائع تسعى واشنطن من خلالها للانقضاض من جديد على المنطقة.حيث يبقى السؤال المهم حول استراتيجية الاطراف المقابلة.
ان استراتيجية "تغيير الاقنعة" لا تعني ابدا ان داعش سوف يغيب عن المشهد فضلا عن ان يكون هدف الحلف تفكيكه ، وانما تعني ترويض داعش وضبط ايقاعه.
لقد كانت داعش مشروعا استثماريا مشتركا ( اميركيا سعوديا) ويبدو ان الوقت قد حان لجني ثماره.
2/5/140924
https://telegram.me/buratha