عقيل الشيخ حسين
الحدث المركزي في تاريخ المنطقة المعاصر هو هزيمة المشروع الصهيو-أميركي أمام محور المقاومة. والتحالف ضد "داعش" هو محاولة لشن هجوم معاكس لا يمكنه تجنب الفشل بسبب تنافر المصالح وغياب الثقة بين أطراف التحالف. ما يعني أن محور المقاومة بات على مشارف النصر الكبير.
كثيراً ما نسمع أخباراً عن شخص يقتل أقرب الناس وأحبهم إليه ثم يقتل نفسه تحت ضغط ظرف لا يقوى على مواجهته. ويحدث لسلوك الأفراد أن يسحب نفسه على الجماعات : كثير من الحروب داخل معسكر ما يمكن أن تكون تعبيراً عن هذا السلوك الإجرامي المفتوح على الانتحار.
بهذا المعنى، فإن العمليات الانتحارية التي تتم عادة تحت عنوان "عليّ وعلى أعدائي" تخلي المجال لعمليات أكثر انتحارية تتم تحت عنوان "عليّ وعلى أصدقائي". وهنالك مجال أكيد للقول بأن الميزة الأساسية للديناميات التي تحكم سياسات القوى المنخرطة في ما يسمى بـ "الحرب على داعش" هي من هذا النوع الأخير.
فبعيداً عن الأعداد المتكاثرة من المشكلات والإشكاليات المطروحة في المنطقة، يظل الحدث المركزي الذي يكمن في أساس جميع الأحداث والتطورات اللاحقة هو ذاك المتمثل بالهزائم التي مني بها الطرفان الأميركي والإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة : تهديدات دائمة بضرب إيران وعدم جرأة على التنفيذ، هزائم الكيان الصهيوني في لبنان وغزة، الفشل في إسقاط سوريا بعد 45 شهراً من حرب هي الأعتى في التاريخ.
عقدة الهزيمةوكل ذلك في وقت كان قد بدا فيه لواشنطن أنها باتت قادرة على إقامة إمبراطوريتها العالمية، بعد أن خلا لها الجو مع انهيار الاتحاد السوفياتي. إنه وضع يدفع إلى الجنون حقاً.
الديناميات التي تحكم سياسات التحالف ضد "داعش" يمكن وضعها تحت عنوان "عليّ وعلى أصدقائي"
والأكيد أن الجنون الناشئ عن عجز واشنطن وأدواتها عن شن حروب جديدة هو ما فتح الباب واسعاً أمام التوريط والتوريط المتبادل كوسيلتين وحيدتين لشن هجوم معاكس على محور المقاومة. هجوم معاكس يشنه حلفاء يدفع الفشل كلاً منهم نحو العمل على تعويض خسائره على حساب طرف أو أطراف أخرى عبر تعميق تورطها في حروب ومواجهات لا هوادة فيها.
إن استراتيجية "الفوضى البناءة" و"الحرب الناعمة" التي اعتمدتها الولايات المتحدة كبديل عن حروبها الفاشلة في المنطقة هي قبل كل شيء حرب توريط تستخدم فيها واشنطن حلفاءها وأدواتها في القتال بدلاً منها. فإذا انتصروا يكون الانتصار لها وحدها، وإذا هزموا يكون عليهم هم أن يتحملوا أوزار الهزيمة. أو، أكثر من ذلك، يمكن لواشنطن أن تساهم في الإجهاز عليهم طمعاً في تحقيق مكاسب في الأوضاع المستجدة.
بهذا المعنى، تكون الحرب على "داعش" إفرازاً من إفرازات الحرب الفاشلة على سوريا، أو مرحلة جديدة من هذه الحرب التي، بدلاً من أن تنجح في تحقيق أغراضها، تحولت إلى حروب فعلية وإرهاصات حروب بين القوى المتحالفة ضد سوريا ومحور المقاومة.
حروب بين الحلفاءفقد لاحظ الجميع كيف أن فشل الحرب على سوريا قد أسهم في تصديع تحالف القوى المحلية والإقليمية والدولية المشاركة في هذه الحرب، وكيف تطور ذلك إلى خلافات حادة تجسدت من خلال تشكل تحالف بين مصر والسعودية وبلدان خليجية أخرى مقابل التحالف القائم بين تركيا وقطر.
وقد انعكست هذه الخلافات على مستوى الجماعات التكفيرية الإرهابية التي دخلت في حروب ضد بعضها البعض أدت إلى تحجيم ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر" و"المعارضة السياسية المعتدلة". كما أدت إلى حروب عاتية بين "داعش" و"النصرة"، في سوريا، وبينها وبين المكونات البعثية والنقشبندية في العراق.
تطورات غير منتظرة قد بدأت بالظهور من خلال التظاهرات التي تخرج في البيئات المؤيدة لـ "داعش" استنكاراً للقصف ولإدانة البلدان العربية المشاركة فيه
وبالنتيجة، تكون الجماعات التكفيرية الإرهابية والدول الإقليمية التي قدمت، وما تزال تقدم لها، المساعدات على مستويات التمويل والتسليح والتدريب قد وقعت ضحية توريط واشنطن لها في الحرب على سوريا.
وفي ظروف تشكل التحالف الدولي ضد "داعش" ومشاركة بلدان الخليج والأردن في قصف بعض مواقع التنظيم في العراق وسوريا، يبدو، بغض النظر عن جدية هذا القصف، وبفعل ما ينشر من أخبار عن مصرع عشرات المقاتلين، أن تطورات غير منتظرة قد بدأت بالظهور من خلال التظاهرات التي تخرج في البيئات المؤيدة لـ "داعش" استنكاراً للقصف ولإدانة البلدان العربية المشاركة فيه، بعد أن كانت تلك البيئات محسوبة بالكامل على السعودية وغيرها من بلدان الخليج.
أما الشروط التي تضعها بعض الدول للدخول في التحالف، أو تلك التي تضعها جميع الأطراف المشاركة في التحالف حول مدى مشاركة كل منها في محاربة "داعش" فهي تعبير عن الشكوك المتبادلة بين الأطراف وعن إحساس كل منها بخطر توريطه في المواجهات.
وبهذا الصدد، تشدد الصحافة العربية التي تعكس وجهات النظر السعودية على أن عدم الثقة بأميركا وبالخطاب الأميركي عن المدة الطويلة التي ستستغرقها الحرب، وعن ضرورة التدخل البري (التوريطي) دون مشاركة أميركية في هذا التدخل هما أبرز العناصر التي تشيع الانطباع بأن الجهات الإقليمية، من السعودية وقطر إلى تركيا وغيرها قد تم توريطها أميركياً في وضع ينزلق، خلافاً لرغبة الجميع، نحو حرب مع "داعش" من المؤكد أنها قد بدأت تأخذ شكل "عليّ وعلى أصدقائي".
14/5/141002
https://telegram.me/buratha