محمد محمود مرتضى
لقد بات واضحا أن الولايات المتحدة الاميركية لم تحرك ساكنا تجاه تمدد داعش في العراق بعد "غزوة الموصل" الا عندما وصل السيف الى إربيل عاصمة اقليم كردستان. كان واضحا منذ البداية ان الاستراتيجية الاميركية تعتمد بشكل اساس على ترسيخ حدود معينة في العراق، حدود بمثابة الخطوط الحمراء التي لا ينبغي لداعش تجاوزها وهذا أمر اصبح معلوما. الا ان ما هو غير معروف ان ثمة خطوطا حمراء وضعت للجيش العراقي ايضا لا ينبغي تجاوزها.
يمكن القول إن ما حصل في سوريا خلال السنة الماضية كان ماثلا امام الادارة الاميركية. فالتوسعات التي شهدتها الجماعات المسلحة كانت تقتصر على المراحل الاولى حيث كان الجيش السوري لا يزال في مرحلة استيعاب الصدمة. ولكنه فيما بعد استطاع وضع استراتيجيات جديدة تتلاءم وطبيعة المعركة ثم اخذ فيما بعد بالانطلاق الى مرحلة الهجوم واسترداد مناطق هامة.
بدا أن المشهد العراقي يقارب المشهد السوري الى حد كبير نسبيا، فالهجوم الداعشي استطاع تحقيق انجازاته من خلال الضربة الاولى، ومعظم الاراضي التي استولى عليها كانت في تلك الفترة تحديدا. وكان يمكن ان يصل داعش الى بغداد لولا ان الجيش العراقي اظهر تماسكا مقبولا ثم تدارك الفصائل المقاومة هناك ومؤازرة الجيش.
مع استيعاب الجيش العراقي للضربة الاولى وتشكيل تحصينات تبعد الخطر الداعشي عن العاصمة وتأمين مناطق الجنوب واخرى في الوسط لا سيما الاماكن المقدسة في سامراء، وهذه مرحلة كان لا بد منها قبل الانطلاق نحو اعمال عسكرية لاسترداد بعض المناطق التي خسرها الجيش العراقي، وجد داعش نفسه غير قادر على اختراق تلك التحصينات، لكنه وتحت نشوة النصر تحرك باتجاه اقليم كردستان، متجاوزا بذلك الخطوط التي تعتبرها الادارة الاميركية حمراء.
وفي نفس الوقت بدأ الجيش العراقي ومن معه يتحضرون للقيام بعمليات عسكرية واسعة لاستعادة التوازن وذلك بمؤازرة من معسكرات التدريب التي اقيمت للمتطوعين بعد موقف المرجعية الدينية.
في هذا الوقت بالذات بدأت الادارة الاميركية بالتدخل، تسعى من جهة لضبط ايقاع داعش باتجاه كردستان، وفي نفس الوقت ضبط ايقاع الجيش العراقي والحشد الشعبي لعرقلة قيامهم باعمال عسكرية قد تعيد الامور الى افضل مما كانت عليه بعد" غزوة الموصل".
لقد بدا واضحاً من خلال الغارات التي يشنها التحالف الغربي من خلال مواقعها واهدافها انها تسعى لرسم حدود جديدة للامر الواقع. فهي في الوقت الذي تركز غاراتها على مناطق الموصل بشكل اساسي داعمة البشمركة الكردية، تتجاهل مناطق اخرى في الوسط والغرب ما سمح لداعش بالتمدد هناك. والاخطر من ذلك كله ، وهو امر لا يعلمه الكثيرون، ان التحالف وضع قيودا على حركة الطائرات العسكرية العراقية. ويمكن للمتتبع ان يلحظ تراجع مشاركة الطائرات العراقية الحربية منذ انطلاق العمليات العسكرية للتحالف.
اذا غضضنا النظر عن "الغزوة الاولى" لداعش باتجاه الموصل والشمال العراقي، فاننا سنجد ان الفترة التي اعقبت اعلان التحالف بدء عمله كانت الاكثر نشاطا لداعش حيث استطاع احتلال قرى عين عرب في سوريا ومحافظة هيت وشنّ هجوما على الرمادي في العراق.
ان احتلال داعش لهذا الحجم من الاراضي بعد انطلاق التحالف بعملياته العسكرية يثير الكثير من علامات الاستفهام، ليس فقط حول جدوى الغارات الجوية وانما حول اهدافها وطبيعتها الحقيقية.
ان المعالم التي ترتسم الآن في سوريا والعراق هي معالم "دولة" يراد ترسيم حدودها وترسيخ وجودها. "دولة" تحكمها الآن داعش بانتظار تبلور الرؤية وتجهيز "جيش"وقوى بديلة تستلمها.
ان غارات التحالف ليست سوى غارات ترسم حدود الكيانات الجديدة كأمر واقع. انها غارات التقسيم.
25/5/141018
https://telegram.me/buratha